العدد 60 - حريات
 

سامر خير أحمد

«ما يجري في بلدنا العزيز معروف تماماً، لكن من الصعب إثباته!». هكذا برر المدون «محمد عمر»، تلميحات أوردها في مدونته، معلّقاً على «خبر» نشره موقعا «سرايا» و«إجبد» الإلكترونيين خلال الأسبوع الماضي، تحت عنوان «صحفيون برسم البيع: هل تم القبض فعلاً؟!»، انطوى على اتهام عدد من الصحفيين والكتّاب الأردنيين، من دون التصريح بأسمائهم، بأنهم تلقوا هبات مالية كبيرة نسبياً، تراوحت بين 30 إلى70 ألف دينار لكل منهم، مقابل الانحياز لأحد طرفي صراع مراكز القوى، الذي شهده الأردن خلال الشهور الماضية، واتخذ من قضية بيع أراضي الدولة ميداناً له.

بغض النظر عن الحوار غير الأخلاقي الذي ترافق مع التعليقات على ذلك الخبر، أو على المدونة، إذ استُعملت تعبيرات بذيئة جنسية الطابع، وأخرى اختارت اللمز بـ«الأصول والمنابت»؛ إثباتاً لأحقية «الخوف على الوطن» أو نفياً لها، فإن السؤال الأهم يتمحور حول كيفية استخدام «المعلومة الحساسة» التي يسهل تناقلها من دون دليل، بخاصة حين تتعلق بقضية تهم كل مواطن، لأنها تتصل بالمال العام الذي هو شريك فيه، فيصبح من حقه وواجبه معرفة الحقيقة: فإن كانت المعلومة صحيحة، وجب مساءلة المتورطين في أبعادها، وإن كانت خاطئة وجب مساءلة من نشرها قاصداً تضليل الرأي العام.

أخبار من هذا النوع، والتي يُنظر لها كجزء من حق المواطن في التزود بالمعلومة، يمكن استغلالها لـ«اغتيال الشخصية» وتصفية الحسابات، تحت ذريعة الحق في المعرفة، بخاصة حين تتعلق بأمر انقضى، وحين تُنشر في أجواء «ما بعد المعركة»، وهو بالضبط ما استندت إليه بعض آراء المعلقين، حين اعتبرت أن القائم على إدارة أحد الموقعين الإلكترونيين اللذين نشرا «الخبر»، منحاز مسبقاً لأحد طرفي الصراع، بسبب «علاقات وظيفية» ربطته به.

أهم ما اشتمل عليه النقاش، الذي طالب كثيرٌ ممن شاركوا فيه بنشر أسماء المتورطين في القضية صراحة، وأن يتم تقديم دليل على الاتهامات، أنه توصل لطرح اقتراحات لمعالجة مثل هذه القضايا، فالكاتب الصحفي المعتزل باتر وردم، طالب بفتح ملف الحملات المبرمجة ومدفوعة الأجر التي تشهدها الصحافة الأردنية بين فترة وأخرى، بشكل صريح، وذلك لحماية سمعة الإعلام الأردني ممن أسماهم «القبيضة»، الذين «لم يكتفوا بجعل مستوى الصحافة هابطاً، بل شوّهوا الصحافة والإعلام بانعدام النزاهة».

أما محمد عمر، الذي أثارت مدونته ضجة بين القرّاء والصحفيين، لحساسية القضية التي تناولها، فاقترح أن يشكل مجلس النواب لجنة تحقيق نيابية قضائية، تُجبر كل صحفي على إشهار ذمته المالية بحسب القانون، كما تطلب من مالكي الوسائل الإعلامية ومراكز الدراسات، تقديم كشوفات لضريبة الدخل بكل إيرادات ونفقات مؤسساتهم، على أن تكون الكشوفات موثقة ومدعمة بفواتير حقيقية وسليمة ، وأن يكون لدى تلك اللجنة صلاحيات كاملة لمساءلة الحكومة وأية جهة رسمية عن مقدار ما دُفع ويُدفع للصحفيين ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات، كأثمان إعلانات أو تمويل برامج مشتركة أو هدايا أو عطايا. واقترح عمر أن تقوم اللجنة بالتدقيق في قيم الاشتراكات التي تُعطى لأصحاب المطبوعات الصحفية كهبات، ولا يجري فيها الالتزام بسعر المطبوعة الفعلي، وكذلك أثمان الكتب التي يتم شراؤها من المؤلفين والصحفيين.

فهل هذه وسائل كافية لضمان حق المواطن في معرفة ما يجري بماله العام، وحقه في التمتع بالحماية من إشاعات قد تكون مغرضة، لا يمكن تبرئته منها أمام رأي عام لا يثق بتكذيب الأخبار، حتى لو قدم من طالته مليون دليل على نزاهته؟.

باسم الطويسي، عضو آخر هيئة في المجلس الأعلى للإعلام، قبل إلغائه، قال لـ«ے» معلّقاً على إمكانية التوفيق بين حق المواطن في التزود بالمعلومة، والحؤول دون استخدام هذه الحرية لـ«اغتيال الشخصية»: إن المسوحات التي أجريت في الأردن خلال السنوات العشر الماضية، أثبتت أن إحدى مشاكل الحرية الصحفية، ثم المهنية الصحفية تكمن في كيفية الوصول إلى المعلومات، وفي طريقة استخدامها، موضحاً أن المشكلة تتجلى في كثير من الأحيان في «عدم نزاهة» طرق الاستخدام تلك، عند عدد من الصحفيين والكتاب.

يرى الطويسي أن حل هذه المشكلة «مهني ثقافي»، يؤدي لتغيير الكيفية التي يجري التعامل بها مع المعلومات، بحيث لا توظّف في الإساءة للآخرين. ويلفت إلى جانب مهم في هذا الحل المهني الثقافي، إذ يدعو لوضع ضوابط ومعايير للكتابة الصحفية، بحيث لا يُعد «كاتباً صحفياً» إلا من تنطبق عليه هذه المعايير، ذلك أن أكثر حالات إساءة استخدام المعلومات، إنما تتأتى من قبل من يمارسون الكتابة الصحفية دون أن يتمتعوا بالحد الأدنى من تلك المعايير.

ترديد معلومات “حساسة” بين حق المعرفة وإطلاق الشائعات
 
22-Jan-2009
 
العدد 60