العدد 59 - كتاب | ||||||||||||||
فيما يتم دكّ البيوت على رؤوس أصحابها في قطاع غزة، وبينما يتواصل القصف البربري ويتساقط المدنيون تباعاً، وتزداد أعدادهم من ساعة لأخرى كارتفاع الأسعار في مزاد علني، وترتفع أصوات الاستغاثات، ولا يجد ذوو الضحايا فرصة لدفن أحبائهم أو إسعاف المصابين.. في هذا الوقت ترتفع أصوات تنكر على الضحايا والمهددين بالإبادة الحقَّ في حمايتهم. بحسب أصحاب هذه الأصوات، فسواء تمت إبادة العائلات واستهداف الأطفال ورثة المستقبل أو لا؛ سواء تهدمت البيوت وتقوضت المرافق واختفت أبسط مستلزمات الحياة أو لا، فإن ذلك كله لا يستحق الانشغال به والتوقف عنده، «ما دامت المقاومة بخير». في الأدبيات الموروثة التي أثبتت الحياة صحتها، فإن قوة المقاومة تُستمد من احتضان الناس لها والتناغم معها، فيتسنى للمقاومة أن «تسبح مثل سمكة في بحر الجماهير». أما حين يتم الفصل النخبوي بين المقاومة والناس، وحين يتم الاستخفاف باسم الصمود بأرواح الناس، واحتساب ذلك على أنه من سفاسف الأمور، التي لا تزيد ولا تنقص حبة خردل في ميزان السّجال العسكري مع العدو، فالأرجح أن ذلك يعكس اضطراباً خطيراً في الرؤية، حتى لا يقول المرء غير ذلك. لقد استند العدو في حملته الوحشية على غزة وأهلها، إلى أن سكان مستوطناته مهددون، وأن من واجبه التحرك لحمايتهم، رغم أن عدد الذين سقطوا من سكان المستوطنات لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة على مدى أشهر. غير أن التسويغ الذي رفعه العدو فعلَ فعله في عالمنا، وبصرف النظر عن التدليس الذي يحجب عدد الضحايا من الجانب الآخر، في الفترة نفسها. التركيز على الوضع الإنساني أثمر تسويغاً استفاد منه القتَلة إلى أقصى حد وبأسوأ صورة. الآن، هناك من يعدّ التذكير بالخسائر البشرية المهولة، وبحق الناس في التماس سبل حمايتهم، حديثاً مشبوهاً، فإذا ما قُيض لهذا الشعب للمرة الأولى في تاريخه، فرصة التمتع بالحماية، فإن أية قوات مولجة بأداء هذه المهمة سوف تُحتسب قوة احتلال. كانت أبسط مقتضيات المنطق تملي التفكير في طبيعة أي تفويض لقوة دولية: مهماتها، الجدول الزمني لوجودها، وعلاقة ذلك بالوضع السياسي وحق القطاع في الحرية إلى جانب الضفة الغربية المحتلة. أما المسارعة للزعم بأن الحماية الدولية بمثابة احتلال جديد، فهو في منزلة وصفة لمعاقبة الذات وتمكين المحتلّين من مواصلة استهداف المدنيين، ما يفسّر رفض سلطة الاحتلال المبدئي لوجود قوات حماية دولية. إن المرارة التي تعصف بالنفوس جراء الفظائع المشينة التي يرتكبها العدو، والفخر بالأداء الباسل للمقاومين في خوضهم معارك بطولية باللحم الحي مع قوة عاتية متفوقة، ينبغي أن لا يغيّب العقل ويطيح بمنطق الأمور، من قبيل الانزلاق إلى رفض حماية الشعب الأعزل، علماً أن هذا الهدف يستحق أن يندرج في طليعة أهداف المقاومة، جنباً إلى جنب مع مطالب الحرية والاستقلال. |
|
|||||||||||||