العدد 59 - حريات | ||||||||||||||
بثينة جوينات تُعطي قوانين التقاعد المعمول بها، سواء للمدنيين أو العسكريين، حق وراثة جزء من راتب المتقاعد، في حال وفاة الموظف، للمعالين من أسرته، فهل يضمن هذا الإجراء حياة كريمة لهم بعد وفاة معيلهم؟. يحدد قانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959، في المادة 31 منه، أفراد عائلة المتقاعد المتوفى ممن لهم الحق في راتب التقاعد أو المكافأة، على أنهم: الزوجة أو الزوجات، البنون الذين لم يكملوا السابعة عشرة من عمرهم، البنات العازبات أو الأرامل أو المطلقات، الأم الأرملة أو المطلقة، والأب شريطة أن يكون المتوفى أعزباً والمعيل الوحيد لوالده. وتوضح المادة 35 من القانون نفسه، أن 75 بالمئة من راتب المتوفى التقاعدي، يقسط على المستحقين من ورثته بموجب أحكام القانون. وعملياً، فإن ما يتقاضاه كل واحد من هؤلاء "المستحقين"، هزيل جداً، وقد لا يتجاوز في حالات كثيرة 15 ديناراً فقط. تشرح "هدى"، وهي شابة في العشرينيات من عمرها، كيف انقلبت حياة عائلتها رأساً على عقب بعد وفاة والدها المتقاعد من وظيفة حكومية، إذ باتت والدتها غير قادرة على تلبية نفقات العائلة، المكونة من ولدين وبنتين، حتى إنها باتت تبكي طوال الوقت، لعجزها عن إعالتهم بعد تآكل الراتب التقاعدي الذي لم يعد يكفي حتى لدفع إيجار المنزل.تضيف: "عشنا فقراً شديداً، وصرنا نستلم صدقات من محسنين وأقارب، بما في ذلك الملابس المستعملة التي لم أكن أقبل بها يوماً". وترى هدى أن من الضروري إعادة النظر في قوانين التقاعد، بحيث تراعي الظروف الاقتصادية وتساعد الورثة على العيش بكرامة بعد وفاة معيلهم. أما "رغدة"، التي توفي زوجها وترك لها ثلاثة أطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم أربعة عشر عاماً، فقد تراجع دخل أسرتها إلى أقل من ثمانين ديناراً شهرياً، ولم تعد قادرة هي الأخرى على سد احتياجات البيت الأساسية، من طعام، وشراب، وأجرة منزل، وفواتير، وأقساط مدارس. هكذا، لجأت إلى أهلها طالبة المساعدة المالية، بخاصة بعد أن تخلى أهل زوجها عنها، وقد اضطرتها هذه الظروف لتزويج ابنتها الوحيدة بعد نجاحها في الثانوية العامة مباشرة، رغم حصولها على معدل مرتفع. وتتساءل: لماذا يكون على الورثة أن يعيشوا هذه الأحوال، إلى درجة يضطرون معها إلى طلب المساعدة ممن حولهم حتى لو كانوا من الأهل والأقارب؟ ألم يحن الوقت لتغيير تلك القوانين التي وضعت في زمن غير الزمن الذي نعيش فيه، بحيث تستطيع الأرملة أن تعيش بكرامة، وكيف يكون الحال مع الأرامل اللاتي لا تجدن من يقف إلى جانبهن أبداً؟. "أم وليد"، توفي زوجها المتقاعد من القوات المسلحة، بعد أن أتم أبناؤها دراستهم الجامعية. باتت العائلة تتقاضى راتباً تقاعدياً لا يتجاوز مائة دينار، يوزع بينها وبين اثنتين من البنات غير المتزوجات. لكن البنات لا يحصلن على نصيبهن كونهن عاملات، وهكذا لا تنال العائلة من الراتب التقاعدي إلا نحو ثلاثين ديناراً، تمثل حصتها هي، ولا تكفيها حتى لشراء الخضار ومستلزماتها الشخصية الأساسية. لذلك رغم رعاية بناتها لها، فإنها تشعر بالأسى حين تضطر لأن تطلب منهن مساعدتها في نفقات البيت، أو حتى في تلبية طلباتها، لأن المال الذي لديها لا يقيها السؤال. ترى أم وليد أن قوانين التقاعد يجب أن تتغير، فقد وضعت –حسب قولها- حين كان الدينار يعادل 50 ديناراً بمقاييس هذه الأيام، وهي اليوم لا توفر للمرأة حياة كريمة بعد وفاة زوجها، وتقترح، على سبيل المثال، الإبقاء على الراتب التقاعدي كما هو بعد وفاة الزوج كي يتمكن الورثة من العيش بكرامة. قوانين التقاعد المعمول بها لا توفر شروطاً لحياة كريمة تراعي حقوق الإنسان، بالنسبة للورثة، وبخاصة غير القادرين منهم على إيجاد مصدر رزق بديل، ما يملي إعادة النظر بقوانين التقاعد وأنظمته. |
|
|||||||||||||