العدد 59 - اقتصادي | ||||||||||||||
السّجل - خاص تعكف الحكومة على إعداد خطة لإنقاذ القطاع العقاري تتضمن إجراءات مالية حكومية من شأنها توفير سيولة «بطريقة ما»، للشركات العقارية التي تعثرت أعمالها جراء نقص السيولة، ما تسبب بوقف مشاريعها في الآونة الأخيرة. اللجان الحكومية تدرس «سيناريوهات» متعددة من بينها إصدار سندات خزينة بمسمى جديد من أجل توفير سيولة سهلة منخفضة الكلفة مضمونة التحصيل، من أجل استكمال مشاريع عقارية مجمدة. ويبدو أن اللجنة الرئيسة المعنية بوضع الخطة التي يرأسها وزير العمل باسم السالم، وتضم ممثلين عن البنك المركزي، والقطاع الخاص، تبحث عن سُبل لمساعدة القطاع. لكن الآراء تتباين حول ضرورة وضع هذه الخطة، إذ يرى البعض أن هناك قطاعات أهم يجب دعمها مثل القطاع الزراعي، فيما يشدد أصحاب شركات عقارية على أهمية إيلاء شركاتهم اهتماماً خاصاً. لكن وضع هذه الخطة يجب ألا يبعدنا عن التفكير في التوقعات والتحذيرات التي صدرت خلال السنوات الماضية المطالبة بضبط إيقاع العقار، بل والمحذرة من أن النمو الكبير والمبالغ فيه لا يتجاوز «الفقاعة» التي سرعان ما تذوي ويخبو أوارها. الأصوات التي تعالت بضرورة تنظيم فورة هذا القطاع الذي توالى انتفاخه ليبدأ بالمولات وتليه المدن السكنية والأبراج في وقت يتواصل فيه الإعلان عن إقامة مشاريع جديدة، وكأن سكان الأردن سيتضاعفون مرة واحدة، أو أن المستثمرين سيتسابقون للأردن لدرجة تجعل من الصعوبة الحصول على مكتب. ولكي ترى خطط الحكومة النجاح، لا بد من توفير حزمة من العناصر أهمها وأولها تحديد المشكلة بدقة وتجرد، والاعتراف بأن مؤشرات الاقتصاد تلمح إلى انكماش قد يكون عميقاً، وهنا لا بد من تبني سياسات معنية بخلق وتحفيز الطلب، لأن ضعف الطلب يجذر الانكماش، بسبب شح السيولة أو عدم الرغبة في شراء السلع والخدمات تحوطا لأيام أكثر سواداً. يتطلب نجاح الخطة من الحكومة عدم استخدام الأموال التي ستخصصها للقطاع في أوجه غير تلك المتعلقة به، وضمان عدم ضخها ثانية في البورصة لشراء أسهم الشركات ذاتها بهدف تحريك الطلب عليها. عامل آخر مهم لنجاح الخطة يكمن في حيادية صانع القرار وانتفاء المصالح الخاصة لجميع أعضاء اللجان الفنية، حتى تنأى الحكومة بنفسها عن شبهة حل مشاكل بعض القطاعات على حساب القطاعات الأخرى، حتى لا يتخذ إصلاح قطاع ما كهدف معلن «ذريعة» يخفي الهدف الأساسي، وهو التدخل لحماية مجموعة ما. أمر مهم آخر هو ألا تفتح الحكومة باب الشيطان على نفسها حتى لا تتهم بأن لديها قطاعا معينا هو الأولى بالرعاية من غيره، فجميع القطاعات الاقتصادية تأثرت بشكل أو بآخر بالأزمة العالمية، ما يدفع قطاعات أخرى لطلب «خطة إنقاذ» على غرار قطاع العقار لنجدتهم. على الحكومة أن تحدد القطاعات التي تستحق المساعدة، وتمتاز بصفة الدخل المتكرر الذي يساعد على ديمومة الحراك الاقتصادي. وأخيراً، فعلى الحكومة أن تفكر ملياً قبل مساندة المنتجين الذين يعرضون السلع والخدمات حتى لا تساهم في زيادة المعروض وبالتالي تتعمق المشكلة، فالأصل أن توجه سياساتها إلى دعم مستهلكي السلع والخدمات، فهم المستهدفون وعليهم يعول تحريك النشاط الاقتصادي، إذا ما تم تحفيز قدراتهم الشرائية، فهي التي ستعمل على ضخ سيولة مناسبة للتخفيف من المعروض، وبذلك تبدأ دورة إعادة التوازن لقوى الطلب والعرض المرتبطة بحاجات الناس الحقيقية. يجب عدم تجاهل التحذيرات التي نبهت خلال السنوات الماضية، إذ ثبت أن هذا القطاع هو الأضعف في مواجهة تبعات أزمة الاقتصاد العالمي، كما كان أول القطاعات المنكشفة بشكل اضطر الشركات إلى وقف بعض مشاريعها أو تأجيل البعض الآخر. دعاة الالتفات إلى خطورة تضخم القطاع العقاري خلال السنوات الماضية لم يكونوا يتنبأون بحدوث الأزمة العالمية، لكنهم أدركوا مبكرا أن آثار هذا القطاع التنموية ودوره في حل المشاكل الاقتصادية محدود، والدليل على ذلك ثبات معدلات الفقر والبطالة نسبيا عند معدلاتها في العام 2005. إلى ذلك، فإن هذه الفئة قامت على أن مساهمة القطاع في نمو الناتج المحلي الإجمالي لم تنعكس واقعيا على مستوى معيشة المواطن، لا سيما وأن الغالبية العظمي للعاملين في هذا القطاع هم من العمالة الوافدة. وعلينا ألا ننسى أن دعم السياسة النقدية لهذا القطاع لم يكن مسبوقاً، إذ تزايد معدل تمويله من البنوك المحلية بقيم كبيرة منذ العام 2003، حيث بلغ في ذلك الوقت ما قيمته من 804 ملايين دينار تحت بند تسهيلات الإنشاءات، وصولاً إلى 2.3 بليون دينار حتى أيلول/سبتمبر من العام الماضي. وتضاف إلى المبالغ السابقة تلك القروض الممنوحة تحت بند جاري مدين، التي يمكن لمن يحصل عليها استخدامها لهذه الغاية أيضاً. في الماضي، دللت الحكومة قطاع العقاري، وجعلته على سلم أولوياتها لدرجة اعتقد البعض أن مجمل المشاريع المعلن عنها ستغير شكل عمان، وغض الطرف عن أخطاء كثيرة ارتكبت في إدارة هذا الملف الذي كاد أن يودي بقطاعات أكثر أهمية ومركزية منه للاقتصاد. أخطاء الماضي نحصدها الآن بعد أن فشل هذا القطاع وأخفق في استدامة مشاريعه ودخل حالة تباطؤ يعترف بها الجميع بعد ضعف حيلته في مواجهة تبعات الأزمة وحالة نقص السيولة، وتشدد البنوك التي بالغت هي الأخرى في تقديم القروض لهذا الاستخدام في الماضي. فشل القطاع العقاري لم يقتصر إذاً، على إخفاقاته في دعم مسيرة التنمية، بل تجاوز ذلك في تقصيره بحق نفسه؛ إذ لم يعد قادرا على الاستمرار أكثر، بيد أن ثمة محاذير على الحكومة أخذها بالاعتبار قبل التفكير بدعم القطاع، كما أن عليها أن تضع نصب عينيها مصلحة الاقتصاد والقطاعات الاقتصادية الأخرى. |
|
|||||||||||||