العدد 59 - اقتصادي | ||||||||||||||
محمد علاونة يرجح اقتصاديون حدوث انفراج في الإجراءات المتشددة التي تفرضها البنوك على منح التسهيلات البنكية في الربع الأول من العام 2009. ويبنى هؤلاء توقعاتهم على ما بدأ يراود تلك البنوك من مخاوف محتملة من تراجع أرباحها، وبالتالي تأثر ميزانياتها، كونها تعتمد أساساً في أعمالها على عوائدها من الفوائد المتراكمة من جراء التسهيلات الممنوحة. إجراءات التشدد البنكية كانت قد برزت عقب مخاوف شهدها قطاع المال في الأردن بعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت خيوطها تتكشف في الولايات المتحدة الأميركية أواسط شهر أيلول / سبتمبر في الولايات المتحدة مع انهيار مؤسسات مالية كبرى، وهو ما انعكس في صورة شكاوى صريحة من قطاعات مثل العقار، بينما بدأ الانخفاض في التسهيلات في أعقاب النصف الأول من العام 2008. تحفظ البنوك هذا أثر سلبا في حجم السيولة مثلما أثر في قطاعات أخرى من بينها قطاع العقار والتجارة، حيث جاءت شروط التسهيلات مغايرة تماما لتلك التي كانت قد منحت في النصف الأول من العام 2008، التي شدد عليها البنك المركزي في تقريره الصادر نهاية العام 2008 بالقول، «إن الاعتماد على الاقتراض من البنوك المرخصة لتوفير التمويل المطلوب للقطاع الخاص ما زال كبيرا في تلك الفترة، وذلك في ضوء عدم التطور الكامل لأسواق الأسهم والسندات»، فقد توسعت البنوك، بحسب «المركزي» في نشاطها الإقراضي في منتصف العام 2008 ليصل رصيدها إلى مستوى يزيد على اثني عشر بليون دينار. وبدا ذلك واضحاً عندما اشتكت نقابة تجار المواد الغذائية، وعلى لسان نقيبها خليل الحاج توفيق، من أن هنالك صعوبة في إجراءات اعتمادات الاستيراد، أما العقار فقد بيّن رئيس جمعية المستثمرين في القطاع زهير العمري، أن البنوك لم تعد متساهلة في منح القروض العقارية. وبعد فترة وجيزة أظهرت بيانات البنك المركزي أن إجراءات التشدد أسفرت عن حدوث انخفاض ملحوظ في حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك للقطاع الخاص، فقد أشارت البيانات الشهرية الصادرة عن «المركزي» إلى تراجع حجم التسهيلات من 13.544 بليون دينار في تموز/يوليو 2008 إلى 13.525 بليون دينار في آب/أغسطس منه، بينما كان في تصاعد مستمر منذ بداية العام، وبلغ الانخفاض تراجعه الأكبر في شهر أيلول/سبتمبر عندما انخفض حجم التسهيلات من 13.61 بليون دينار في الشهر المذكور إلى 13.424 بليون دينار في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2008. يذكر أن التسهيلات الاستهلاكية ارتفعت خلال النصف الأول من العام 2008 بما نسبته 7.9 في المئة، وذلك مقارنة بتراجع طفيف بلغ 2.2 في المئة في نهاية العام 2007. رئيس مجلس إدارة بنك الاتحاد للادخار والاستثمار عصام السلفيتي، أوضح في حديث أدلى به لـ«ے» أنه لا يمكن تجاهل التشدد الذي أبدته البنوك خلال العام 2008 تجاه تمويل عدد من المشاريع، مشيراً إلى أن ذلك كان «أمراً طبيعياً بوصفه ردة فعل يتخذها الجهاز المصرفي تجاه أي أزمة مالية عالمية أو محلية». بيد أن السلفيتي كشف عن أن قرارات البنك المركزي بخفض الفوائد ستذهب في اتجاه انفراجة تحتاج إلى مزيد من الوقت فيما يتعلق بمنح القروض وتوفير مزيد من السيولة. وكان المركزي الأردني قرر في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، تخفيض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار نصف نقطة مئوية نتيجة تراجع معدل التضخم والتوقعات المستقبلية بشأنه، وسط توقعات بأن يؤدي هذا الخفض إلى خفض مواز في هيكل أسعار الفائدة في السوق المصرفية، ما سيسهم في توسيع الائتمان. كما قرر تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي على ودائع العملاء بالدينار وبالعملات الأجنبية لدى البنوك المرخصة نقطة مئوية واحدة. لكن البنوك لم تستجب لقرارات المركزي المتمثلة في اتباع خفض للفائدة على التسهيلات الائتمانية. نائب رئيس الوزراء السابق جواد العناني، رجّح حدوث تغيير يمكن أن يطرأ على حجم الإقراض بالزيادة خلال العام 2009، فهو يعتقد بأن تشدد البنوك بلغ ذروته مع نهاية 2008، عندما حرصت البنوك على أن تكون حساباتها السنوية إيجابية وفي أفضل وضع ينعكس على أرباح أعمالها للعام 2008. التحفظ الذي انتهجته البنوك جاء متزامناً مع تحذيرات «المركزي» في تقريره، عندما أشار إلى أنه في الوقت الذي تعمل فيه التسهيلات على تمويل القطاعات الاقتصادية من أجل تسريع الاستثمار والنمو الاقتصادي، فإنها تخفي وراءها العديد من المخاطر، مثل حالات تعثر أفراد أو شركات في تسديد ديونهم، وبالتالي تتأثر رؤوس أموال تلك البنوك. وبيّن التقرير أن المبالغة في منح التسهيلات قد تغذي الضغوط التضخمية في الاقتصاد الكلي وترفع من احتمال التعرض لمخاطر الائتمان التي تنعكس ليس فقط على مؤسسات الجهاز المصرفي، وإنما على القطاعات المقترضة من الجهاز المصرفي، وبخاصة في ضوء عدم توافر بيانات كاملة لتقييم مخاطر المقترضين. مخاوف تلك البنوك من تأثر أرباحها سيدفعها لفتح باب الإقراض بشكل ميسر من جديد خلال العام 2009، بحسب الخبير الاقتصادي خالد الوزني. وتشير قراءة في البيانات المالية المجمعة للبنوك إلى أن مجموع صافي الربح لقطاع البنوك ارتفع في الربع الثالث من العام 2008 بنسبة 18.3 ليصل إلى 578.14 مليون دينار، مقابل 488.64 مليون دينار مقارنة بالفترة نفسها من العام 2007. وسجّل قطاع البنوك للفترة نفسها ارتفاعا في رؤوس أموال شركاته بنسبة 23.1 في المئة لتصل إلى 1.73 بليون دينار مقابل 1.48 بليون دينار في الفترة نفسها من العام 2007، وهي الأسهم المجانية التي قام البنك العربي بتوزيعها على المساهمين. الوزني يرى أن البنوك لا تستطيع أن تبقي على تشددها، وحذرها بسبب حالة تباطؤ يمكن أن يعيشها الاقتصاد الوطني، وإلا فسوف تكون الخاسر الأكبر في القطاعات الاقتصادية، وتحديدا في الشهور الأولى من العام الجاري. السُلف الشخصية استحوذت على نحو 25.2 في المئة من إجمالي التسهيلات الاستهلاكية في نهاية النصف الأول من العام 2008، مقابل ما نسبته 24.7 في المئة في نهاية العام 2007، بينما استحوذت تسهيلات شراء «السيارات الشخصية» على ما نسبته 9.5 في المئة في نهاية النصف الأول من العام 2008، مقابل ما نسبته 9.9 في المئة في نهاية العام 2007. «المركزي « ذكّر بأن المخاطر التي قد تواجهها البنوك من وراء التسهيلات الاستهلاكية تعود إلى الضمانات التي تطلبها البنوك مقابل السلف الشخصية، التي غالباً ما تكون أسهماً أو تحويلاً للرواتب فقط، لذلك غالباً ما يرافق تلك التسهيلات خطر التعثر «Default Risk»، الذي يزداد احتماله مع حجم القرض ومدته، كما يزداد احتمال حدوث حالات التعثر في الركود الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة. |
|
|||||||||||||