العدد 59 - دولي
 

صلاح حزين

حين تجري الانتخابات التشريعية والمحلية في جنوب إفريقيا بعد شهور، لن يكون حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الحزب الحاكم في البلاد حتى الآن، مثلما كان في الانتخابات السابقة التي جرت ثلاث مرات: عام 1994، عام 1999، وعام 2004.

فالحزب الذي قاد نضال البلاد إلى إلغاء نظام الفصل العنصري، لم يعد بمثل القوة التي كان عليها في السابق، وذلك بسبب عدد من التحديات التي برزت أمامه أخيرا والتي أشارت إلى أن الفساد ينخر الحزب في العظم، وأن المتورطين في هذا الفساد هم قادة الحزب الكبار، وليسوا فئة على هامش الحزب. كما أن الحزب، يخوض الانتخابات لأول مرة منقسما على نفسه، بعد انشقاق مجموعة عنه وتأسيسها لحزب جديد أطلق على نفسه اسم "حزب مؤتمر الشعب"، في أول عملية انشقاق سياسي في الحزب العريق.

لكن ذلك لا يبدو أنه يفت من عضد القائد الجديد للحزب، جاكوب زوما، والمنتظر أن يكون مرشح الحزب للرئاسة في الانتخابات المقبلة التي ستجري في شهر في نيسان/أبريل المقبل، حتى لو أتى دخوله الانتخابات في وقت تجري فيه محاكمته في عدد من القضايا من بينها الاختلاس والاحتيال والمضاربة، وغيرها من القضايا التي وجهت إليه والتي نالت من سمعته التي كان قد راكمها عبر عقود بوصفه مناضلا عنيدا، وسجينا لمدة عشر سنوات إلى جانب نلسون مانديلا ورئيسا لاتحاد نقابات العمال ذي النفوذ الكبير في البلاد.

الجديد بالنسبة لزوما هو صدور قرار من المحكمة العليا لجنوب إفريقيا بإعادة النظر في حكم كانت المحكمة قد أصدرته في شهر أيلول /سبتمبر من العام الماضي، وجد أن الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثابو مبيكي كان ضالعا في تلفيق قضية ضد خصمه السياسي جاكوب زوما. المحكمة بررت قرارها بأن "أخطاء عديدة" قد شابت قرار المحكمة المشار إليه، ما يعني ضرورة إعادة النظر فيه، وهو ما يعني أيضا عودة جاكوب زوما، مرشح الرئاسة المقبل وقائد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، أي أرفع شخصية سياسية في البلاد، إلى دائرة الاتهام مرة ثانية.

مثول زوما أمام المحكمة ليس جديدا على هذا السياسي المعروف بدهائه، فهو مثل خلال السنوات الست الأخيرة أمام عدد من المحاكم بتهم متعددة من بينها الاغتصاب، هو المتزوج من ثلاث نساء والأب لتسعة عشر ابنا، وهي تهمة برأته المحكمة منها. لكن الأمر الخطير هنا هو استفحال الصراع السياسي داخل صفوف حزب المؤتمر، فعلى خلفية هذا الصراع السياسي الذي بلغ ذروته في شهر أيلول / سبتمبر الماضي باستقالة ثابو مبيكي من رئاسة الدولة على خلفية الصراع بينه وبين زوما، حدث انشقاق حزب مؤتمر الشعب عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، حيث قامت مجموعة من "شباب الحزب"، من المعروفين بتأييدهم للرئيس السابق، مبيكي، بالانشقاق عن الحزب وانتخاب قيادة جديدة هي التي سيدخل الحزب الجديد الانتخابات تحت قيادتها.

ليس من المتوقع أن يشكل الحزب الجديد تحديا حقيقيا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بتاريخه العريق وبحضوره الواسع في البلاد، وكذلك بقيادته التي يمثلها جاكوب زوما المدعوم من أكثر القوى نفوذا في البلاد، وهي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا الذي يشكل ركنا أساسيا داعما لحزب المؤتمر، وأخيرا اتحاد نقابات العمال في البلاد، الذي يتمتع بنفوذ كبير في البلاد، ولكن الحزب يخوض الانتخابات هذه المرة في ظل تراجع اقتصادي يمكن تلمس صداه بتراجع قيمة الراند، عملة جنوب إفريقيا، وإن يكن بنسبة ضئيلة لا تتعدى الواحد في المئة، ولكن مثل هذا التراجع يثير التساؤل في اقتصاد يعتبر الأقوى في القارة السمراء، والذي بفضله أصبحت جنوب إفريقيا واحدة من بلدان العالم الواعدة على المستوى الاقتصادي، جنبا إلى جنب مع الصين والهند والبرازيل.

لكن التحدي الأكبر أمام زوما، هو أنه، بعد صدور حكم المحكمة العليا، بإعادة النظر في حكمها الذي أصدرته في شهر أيلول / سبتمبر من العام الماضي، يعود مجددا إلى دائرة الاتهام في قضية صفقة أسلحة بقيمة خمسة بلايين دولار سبق وأن أطاحته من منصبه كنائب لمبيكي عام 2005. فقد صدر قرار من المحكمة بسجن المستشار المالي لزوما 15 عاما بتهمة فساد على خلفية هذه القضية.

قرار مبيكي بتنحية زوما آنذاك بررت بأنها جاءت لمصلحة الوطن، ولكن

زوما شك في أن تلك الخطوة إنما جاءت لأن مبيكي رأى فيه منافسا محتملا، فبدأت بين الرجلين حرب لا هوادة فيها على الزعامة السياسية في البلاد، وكانت استقالت مبيكي من منصبه كرئيس لجنوب إفريقيا في أواخر العام الماضي واحدة من فصول تلك المعركة، حيث قررت المحكمة العليا آنذاك بأن مبيكي كان متورطا في اتهام زوما بالضلوع في صفقة الأسلحة.

اليوم، يعود زوما مجددا إلى دائرة الاتهام بعد نقض المحكمة لقرارها السابق، ويعود زوما إلى ساحة المحاكم التي اعتادها خلال السنوات الست الماضية.

جنوب إفريقيا: محاكمات قبل الانتخابات
 
15-Jan-2009
 
العدد 59