العدد 59 - اقليمي
 

محمود الريماوي

الحرب على غزة منذ 27 كانون الثاني/ديسمبر الماضي، مرشحة للتواصل على الأقل إلى أسبوع آخر. ودون الجزم بأي توقع نهائي نظراً لطبيعة الحرب المتحركة، فإن التوقعات المتشائمة تستند الى جملة معطيات منها:

ـ ما أعلنه وزير البنى التحتية بنيامين العازر، عن توقعه بتوقف الحرب الاثنين المقبل، 19 الجاري. العازر عمالي، وقريب من عرّاب الحرب وزير الدفاع، إيهود باراك.

ـ رفض حكومة الاحتلال وقف الحرب والامتثال للقرار الأممي 1860 الصادر الخميس الماضي الثامن من كانون الثاني/يناير الجاري، والتصريح أن تل أبيب سوف «تضبط تحركاتها وفق مصالحها الأمنية». الرفض يستند الى نهج مديد يقوم على الاستخفاف بكل قرار دولي لا يلبي المصالح التوسعية الإسرئيلية، وإلى دعم واشنطن التي امتنعت عن التصويت على القرار، فأعطت ضوءاً أصفر لمواصلة الحرب، إضافة للضوء الأخضر الضمني القائم على تأييد الحرب وإضفاء مسوغات عليها، علاوة على قيام واشنطن بتزويد تل أبيب بحزمة معدات حربية، بما يعيد الى الأذهان صفقة «الصواريخ الذكية» التي نفذت على عجل لصالح تل أبيب في أثناء حرب تموز 2006 على لبنان وحزب الله.

- تبع ذلك رفض تحديد سقف زمني لانتهاء حملة الإبادة، بداعي أن الحرب «لم تحقق أهدافها بعد». والمقصود إسكات الصواريخ ووقف التزود بأسلحة عبر الأنفاق مع مصر، وتدمير البنية التحتية لحركة حماس. أما الاهداف المضمرة والجاري تنفيذها، فتشمل عملية استئصال عرقي، يراد بها دفع أبناء غزة الى الانفكاك عن المقاومة، والتضحية بحقوقهم السياسية والوطنية مقابل تمكينهم من البقاء على قيد الحياة فقط مع تصفية بؤر المقاومة، وتحفيز مصر على القبول بإلحاق القطاع تحت إدارتها كما كان عليه الحال قبل حرب العام 1967، وهو ما أعلنت القاهرة مراراً رفضها له.

ـ من الدوافع الأخرى لإطالة أمد الحرب من جانب تل أبيب، إبلاغ الإدارة الديمقراطية الجديدة في واشنطن، أن لا مشروع سلام للشرق الأوسط سوى ذلك الذي يلبي المصالح الإسرائيلية، وأن على أوباما أن يأخذ علماً بذلك ويتقيد به، وذلك استباقاً لأية مبادرات للإدارة الجديدة، وكان الرئيس المنتخب أعلن في غير مناسبة أنه سيضع الشرق الأوسط في مقدمة أولوياته، وقبل أيام (الأحد الماضي 11 كانون الثاني/يناير الجاري) صرّح أنه سوف ينشغل بالشرق الأوسط «في اليوم الأول». استمرار الحرب حتى تولي الرئيس الرابع والأربعين سلطاته الدستورية، سوف يسمح بإبلاغه بهذه الرسالة السياسية، كما أن توقف الحرب بعد انتقاله الى المكتب البيضاوي، يتعين أن يُعد بمثابة «بادرة احترام وحسن نية» إسرائيلية تجاه الرئيس الجديد (. . . ) وبما يسمح بالاستخلاص أن الحرب بدأت في ولاية بوش الأخيرة وتوقفت مع تقلد أوباما لسلطاته.

ـ إلى ما تقدم رفضت حكومة أولمرت المبادرة المصرية، في الوقت الذي كانت فيه قيادة حماس في دمشق مندفعة لإظهار اعتراضها على المبادرة، وذلك في سياق التباعد الدائم بين حماس والقاهرة والمستند أساساً إلى التباعد السوري المصري. اعتراض حماس المعلن على الفضائيات العربية، غطى على الرفض الإسرائيلي، وذلك قبل أن يهمس بعضهم في آذان قادة الحركة، بترك أمر الاعتراض على المبادرة المصرية لتل أبيب.

- استدعاء الاحتياطي وقوامه لواء (عشرة آلاف جندي) وزجّ هؤلاء في الحرب منذ يوم الجمعة الماضية، وبعد صدور قرار مجلس الأمن، دليل آخر على عزم تل أبيب إطالة أمد الحرب، والدخول في «مرحلة ثالثة» بعد مرحلة الاقتصار على الغارات الجوية، والثانية التي تم فيها التسلل البري للقطاع مسنوداً بالقصف الجوي، وقصف الزوارق الحربية من البحر.

مع هذه الدوافع والحيثيات التي تشحن آلة القتل الإسرائيلية، فإن «المجتمع الدولي» أظهر تراخياً في إدانة الحرب والسعي الى وقفها. وزير الخارجية الألمانية فرانك شتاينماير، الذي زار تل أبيب لم يجد ما يقوله، حين أعلنت تسيبي ليفني في مؤتمر صحفي مشترك معه الأحد إن «قرار مجلس الأمن لا يعني إسرائيل بشيء». فيما ألمانيا تسعى لأن تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن.

ليس سراً أن التراخي الدولي مقصود، ولا يعكس فقط تباطؤاً في نبض الضمير الإنساني!. فاستهداف حماس مطلوب دولياً، حيث لا تجد الحركة محاوراً لها سوى لدى روسيا. فقد نشطت الحركة على مدار العام الماضي عربياً وبدت كجزء من معسكر عربي وإقليمي بعينه، ونشطت فلسطينياً لإظهار أنها تشكل رديفاً ونظيراً إن لم يكن بديلاً للسلطة الفلسطينية، لكنها لم تول اهتماماً لمخاطبة العالم الخارجي بلغة يفهمها العالم.

الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أظهرت عملياً لامبالاة بالحرب. فرنسا بعدما نشط رئيسها ساركوزي في التحرك، سعت الى تأخير صدور القرار الدولي ليوم أو يومين إضافيين، وحين صدر القرار وقوبل بازدراء إسرائيلي، لم يجد الفرنسيون ما يقولونه. الصين أرسلت منذ أسبوع مبعوثاً لها، لكنه ضل طريقه للمنطقة ولم يصل إليها بعد . روسيا اعترضت على الحرب ولم تجد وسيلة للضغط على تل أبيب. بريطانيا دعت لوقف الحرب وحملت حماس مسؤولية اندلاعها، بما وفر غطاء لتل أبيب للاستمرار فيها.

في هذه الأجواء بات القرار بأيدي المعتدين فحسب، ورهناً بحسابات الانتخابات المقررة في العاشر من شباط المقبل. الحرب بهذا المعنى، هي أحد مظاهر الحملة الانتخابية لليفني (حزب كاديما)، ولباراك (حزب العمل). لا شك أن هذا امتياز خاص للديمقراطية الإسرائيلية، لا يجد منازعاً ومنافساً له في بقية دول العالم الديمقراطية، بما يجعل النموذج الإسرائيلي شديد الخصوصية حقاً، وذلك بتوسل الحرب لتحقيق أهداف سياسية داخلية، وبالأداء العنصري المشين الذي يجعل من استهداف الأطفال والعائلات، روتيناً لا يستحق التوقف عنده ولا الإقلاع عنه. حتى وأن وزير الدفاع باراك فاخر في معرض استعراض «إنجازات حربه»، بأن نسبة الضحايا والمصابين في الحرب بين الجانبين لا مثيل لها: واحد إلى ألف تقريباً. مما يكشف هدفاً جوهرياً للحرب، وهو التطهير العرقي.

سباق الأسبوع الأخير

الأسبوع المرشح أن يكون الأخير دون أن يكون بوسع أحد الجزم بذلك، يشهد سباقاً بين المبادرات والتحركات. مجلس الأمن يعاود الاجتماع. بان كي مون، الأمين العام يقوم بجولة شرق أوسطية واسعة ليست مرشحة لإحراز أية نتائج، باستثناء دعم عمليات الأمم المتحدة في غزة، بعد أن حققت تل أبيب هدفها بإبلاغ المنظمة الدولية ازدراءها لها، مرة بالاستخفاف بالقرار الأممي، ومرة باستهداف مدرسة تابعة للأونروا وقتل أربعين مدنياً كانوا لجأوا إليها. قطر تراوح في مبادراتها بين عقد قمة طارئة غداً الجمعة في الدوحة، أو عقد مؤتمر وزاري طارىء في الموعد نفسه في القاهرة. علماً بأن الكويت سوف تشهد الاثنين المقبل 19 الجاري قمة عربية اقتصادية سوف تمثل فرصة لتداول القادة على هامشها بالحرب على غزة!. فيما تواصل أنقرة نشاطها مقترحة نشر قوات تركية على الجانب الفلسطيني من حدود غزة مع مصر.

في هذه الأثناء تدفع تل أبيب الوضع نحو الحسم حسب مخططاتها باحتلال وسط مدينة غزة، تتويجاً لما تعتبره إنجازاتها، وللمساومة على شروط وقف إطلاق النار وللإسهام في إلحاق المزيد من الدمار.

على أن ما سيبقى هو أن حرب «الرصاص المسكوب» هي أول حرب يخوضها الاحتلال مع الداخل الفلسطيني، ولم تكن مجرد اجتياح، كما كان عليه الأمر في عشرات المرات السابقة، وهو ما يملي على كل من يعنيه سلام الشرق الأوسط، استخلاص دروس سياسية لا عسكرية فحسب.

الحرب على غزة: الأولى مع الداخل الفلسطيني: مؤشرات على أسبوع آخر من سعار القتل
 
15-Jan-2009
 
العدد 59