العدد 59 - أردني
 

نهاد الجريري

في تشرين الأول/أكتوبر 2008، وصل التوتر بين مديرية الأمن العام ومنظمة هيومن رايتس ووتش ذروته، ففي ذلك الشهر أصدرت المنظمة الرقابية العالمية تقريرا حول aمراكز الإصلاح في المملكة، اعتبرته المديرية «بعيدا عن الدقة».

تقرير هيومن رايتس ووتش حول مراكز الإصلاح في المملكة تضمن أربع نقاط رئيسة هي: استمرار التعذيب في السجون، ضرورة تعديل تشريعات تضمن حرية الأفراد، ضرورة معالجة الشكاوى الواردة للجهات الأمنية حول سوء المعاملة في السجون، وضرورة معاقبة أفراد الأمن المتورطين في عمليات إساءة معاملة النزلاء. واللافت أن ثمة تقاطعا وتوافقا بين التقارير ذات العلاقة التي تصدرها المنظمات المعنية بحقوق الإنسان سواء أكانت دولية مثل هيومن رايتس ووتش أو إقليمية مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان أو محلية مثل المركز الوطني لحقوق الإنسان.

في هذا التقرير الذي أعده كريستوف ويلكه الباحث المعني بالأردن في المنظمة العالمية جاء أن «التعذيب في سجون الأردن منتشر حتى بعد مرور عامين على دعوة الملك عبد الله الثاني إلى فرض إصلاحات من أجل وقف التعذيب نهائياً».

التقرير اعتمد في ذلك على إفادات 66 سجينا من بين 110 سجناء تمت مقابلتهم عشوائياً في عامي 2007 و2008، ومن السجون السبعة التي تمت زيارتها من بين سجون الأردن العشرة. التقرير ذهب أبعد من ذلك عندما قال إن خمسة من مدراء السجون شاركوا شخصياً في تعذيب المحتجزين. ويفصّل التقرير «أشكال» التعذيب» الأكثر انتشارا، ويقول إنها تضمنت «الضرب بالكابلات الكهربية والعصي والتعليق من المعاصم إلى قضبان معدنية لساعات، وجلد السجناء أثناء ذلك».

شريف العمري مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، يقر ضمنا بوجود هذه الوقائع، عندما يقول إن التقرير استند إلى وقائع «قديمة» حدثت في عامي 2006 و2007. أما الوضع في 2008، فبات مختلفا بحسب العمري الذي «يشكك» في جدية المنظمة الدولية تجاه إحداث إصلاح في المراكز المعنية ويقول «عندما لا يجدون شيئا، يرجعون إلى الدفاتر العتيقة».

هيومن رايتس ووتش نشرت ردها في موقعها الإلكتروني في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. مرة ثانية، كتب ويلكه وتحت عنوان «قصة سجنين»، أن مديرية الأمن العام «سخرت» من نتائج التقرير، مؤكدا أن «الاتهامات» التي جاءت في التقرير ليست زائفة، بل إنها «تُظهر فشل مديرية الأمن العام في إدراك الحقيقة الخطيرة للحياة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة للمديرية».

في جانب آخر من انتقاد التقرير لإدارة مراكز الإصلاح، «يشكك» العمري في منهجية البحث الذي أعده ويلكه. ويعتبر أن العينة التي تم استجوابها لا تمثل أكثر من 2 بالألف من مجموع الذين يترددون على مراكز الإصلاح؛ سواء من الموقوفين أو المحكومين والذين يبلغ عددهم سنويا حوالي 50 ألف شخص. ويذهب أبعد من ذلك بقوله إن فريق هيومن رايتس ووتش كان أحيانا يطلب مقابلة نزلاء «بالاسم»، ما يعني، في رأيه، أن العينة لم تكن عشوائية، كما جاء في التقرير بل انتقائية.

لكن ويلكه يؤكد في رده أن وفد المنظمة لم يختر السجناء مسبقا؛ بل استثنى النزلاء من أصحاب الشكاوى السابقة عن التعذيب؛ وتحقق من «مزاعم» السجناء من خلال الحديث مع سجناء آخرين شهدوا على ما حدث لهم. في المقابل، يلفت ويلكه إلى أن فريق المنظمة طلب التحدث إلى «مجموعتين» من النزلاء، هما: السجناء الإسلاميون (التنظيمات) والمحتجزون الإداريون، من دون تعيين أسماء ضمن هاتين المجموعتين.

هاني الدحلة، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، يرى أن حالات الضرب والتعذيب تتعدى الحالات الفردية بما يؤهلها لتكون ظاهرة. ويقترح ترتيب جولات تفتيشية على مراكز الإصلاح كل 3 أيام للوقوف على آثار الإساءة، وحتى يطمئن النزيل إلى أنه لن يُعاقب إن تقدم بشكوى.

بأي حال، التقرير السنوي لعام 2007 الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، لاحظ «استمرار سوء معاملة بعض السجناء من قبل بعض مرتبات السجون»، وذلك عقب زيارات مفاجئة وشكاوى وردت إلى المركز منذ بداية العام 2007. التقرير أشار كذلك إلى مسألة «الضرب بالكابلات الكهربائية والعصي»، عندما تطرق لأحداث الشغب في سواقة في العام 2007.

مدير سابق لمركز إصلاح في إحدى محافظات الشمال، فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه، أقر بأن الضرب في السجون بات «ظاهرة». وفسرها بأنها تتعلق «بالكادر البشري» قبل كل شيء. ويقول إنه لا بد لمرتبات السجن من التعامل مع النزيل باعتباره مخالفا للقانون وليس «لتعليمات الفرد الشخصية». وهو اعتبر أن «العسكري الذي يفقد الثقة بنفسه هو الذي يلجأ إلى الضرب»، مشيرا إلى أن مرتبات مراكز الإصلاح يفتقرون إلى التدريب وقواعد التعامل مع النزلاء؛ ويذهب إلى حد القول إن «المغضوب عليهم» من مرتبات الأمن هم الذين يذهبون إلى مراكز الإصلاح.

في المقابل، قال مصدر تحدث لـ«ے» شريطة عدم ذكر اسمه، إن إساءة معاملة النزلاء لم تعد الآن كما كانت عليه في السابق. وأكد أن «الشكاوى الآن كثيرة، والشرطي بات يحسب ألف حساب، ويعد للخمسين قبل أن يضرب أي نزيل»، واختصر بقوله: «القاعدة في مراكز الإصلاح الآن، هي أن النزيل دائما على حق».

ويروي أن شرطيا وصفه بأنه «صاحب أخلاق عالية»، استُفِز مرة من قبل نزيل «شتمه وسبّ أمه»، فما كان من الشرطي إلا أن انهال عليه بالضرب. ويتابع أن نائب المدير عنّف الشرطي وصفعه. وتمّ حجز الشرطي لمدة أسبوعين.

في هذا الإطار، يشير العمري، مدير إدارة مراكز الإصلاح، إلى أنه افتتح في آب / أغسطس من العام الماضي مركزا للتدريب والتطوير ضمن أكاديمية الشرطة خاصاً بالعاملين في مراكز الإصلاح. هذا المركز يعقد دورات تدرب على كيفية التعامل الإنساني مع النزلاء ومهارات الاتصال، وإدارة الغضب وحقوق الإنسان وحقوق النزيل.

ويضيف العمري أنه جرت منذ بداية 2008، حركة تغيير في طواقم الإدارة العليا المعنية بمراكز الإصلاح؛ كما تم اختيار «ضباط الصف الثاني» بعناية وذلك بعد إجراء مقابلات معهم لتقييم مدى قدرتهم على العمل في بيئة السجن. زيادة على ذلك، تم اعتماد حوافز مجزية للعاملين في مراكز الإصلاح تفوق ما تتلقاه المرتبات نفسها في أجهزة أخرى تابعة للأمن العام.

وبالعودة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش، يبدو أن تفسير التقرير لاستمرار «التعذيب» وسوء المعاملة، بالرغم من برنامج إصلاح مراكز الإصلاح في العام 2006، جاء لأن «آليات منع التعذيب المطبقة حاليا من أجل تحميل القائمين بالتعذيب المسؤولية هي ببساطة غير مجدية». وفي هذا إشارة إلى مطلب بأن تتولى التحقيق في قضايا التعذيب جهات مستقلة عن جهاز الشرطة والأمن. إذ إن هذه القضايا وأفراد الشرطة المتورطين فيها يحولون إلى محكمة شرطية. ويقول تقرير المنظمة الدولية إن تردد مديرية الأمن العام في ملاحقة القائمين على التعذيب قضائيا ينبع من «رغبة في غير محلها للحفاظ على سمعة إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل».

ويدلل التقرير على ذلك بواقعة حكم محكمة الشرطة على مدير سجن سواقة بغرامة 120 دينارا لأنه «أمر بضرب 70 سجينا في آب 2007، وشارك في ضربهم»، فيما وجدت المحكمة ذاتها أن 12 حارسا آخرين ممن شاركوا في الضرب «غير مذنبين لأنهم كانوا ينفذون الأوامر».

وفي جانب آخر، وجد التقرير أن مسؤولي السجون يعتبرون «التعذيب والإساءة» جزءا من «تأديب العاملين داخليا»، وذلك بناء على إفادات مدراء ثلاثة سجون هي: الموقر، وقفقفا، وسواقة.

هاني الدحلة يعتبر أن إدارات السجون تتحمل 60 في المئة من المسؤولية عن حالات الإساءة. ويقول إن أكثر هذه الإدارات تعلم بما يجري، أو تغض الطرف عنه.

في هذا الإطار، نجحت المنظمات الحقوقية في تشرين الأول/ أكتوبر 2007، بالضغط في اتجاه تعديل قانون العقوبات ليصبح التعذيب، ولأول مرة، جريمة في الأردن.

إلا أن التعديل جاء «مجزوءا»، بحسب علي الدباس، مساعد المفوض العام ورئيس وحدة الشكاوى والخدمات القانونية في المركز الوطني لحقوق الإنسان. الدباس يشير إلى ضرورة إقرار نص بأن تقوم بالتحقيق في قضايا التعذيب سلطة قضائية مختصة، مستقلة ومحايدة لا تتبع للأمن العام، بالإضافة إلى بنود أخرى تتعلق بالتعويض عن الضرر المادي والأدبي، وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب.

الأنظار تتوجه الآن إلى تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان للعام 2008، للوقوف على تقييم حالة السجون في الأردن في ظل الإجراءات التصحيحية التي اتخذتها مؤخرا إدارة مراكز الإصلاح، والتقارير الدولية الأخرى شديدة الانتقاد لما تعتبره «تلكؤا» في متابعة شكاوى النزلاء ومعاقبة الأفراد المتورطين فيها.

تقارير المنظمات الدولية: غضب حكومي لم يمنع الإصلاح
 
15-Jan-2009
 
العدد 59