العدد 59 - أردني
 

حسين ابو رمّان

شهدت السجون الرئيسية في المملكة، لا سيما قفقفا، والجويدة، وبيرين، والموقر، وسواقة، خلال السنوات القليلة الماضية منذ العام 2006، أحداث شغب عنيفة، تخللها مصادمات مع الشرطة، وحجز رهائن، وضرب الذات بآلات حادة، وإضرام النار بالمهاجع، ووقوع وفيات.

أحداث الشغب التي جرت في سجني الموقر وسواقة في نيسان/أبريل الماضي التي شهدت احتراق ثلاثة نزلاء في الأول، ووقوع ما يشبه التمرد في الثاني، أسهمت في تسليط الضوء أكثر من أي وقت مضى على واقع الحال في مراكز الإصلاح، وبخاصة مشكلتا التعذيب وفصل النزلاء.

التقرير الصادر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية التي تعنى بمراقبة حقوق الإنسان، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعنوان «التعذيب والإفلات من العقاب في السجون الأردنية: فشل الإصلاحات في مواجهة الإساءات المنتشرة»، شكّل صدمة لإدارة مراكز الإصلاح، لجملة انتهاكات أشار نزلاء أنهم يتعرضون إليها، وتتعارض مع التزامات الأردن الدولية في مجال حقوق الإنسان.

مديرية الأمن العام وصفت تقرير المنظمة الدولية بأنه «بعيد عن الدقة»، ولم تسلّم بما ورد فيه، إلاّ أن المركز الوطني لحقوق الإنسان، قال في تعليقه على التقرير الدولي «إن الحكومة لم تتابع اتخاذ إجراءات تنفيذية من قبل أجهزتها المختلفة لتحسين ظروف الاعتقال، ومنع التعذيب في مركز الإصلاح والتأهيل»، مذكراً بتعليق التعاون معه بعد إصدار تقريره حول أحداث الشغب في سجني الموقر وسواقة.

المركز أشاد بجهود مديرية الأمن العام، لا سيما في مجالات إصلاح البنية الاحتجازية وتحسين ظروفها، السياسات والإجراءات، التدريب والتأهيل، والانفتاح على منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية، لكنه اعتبر أنها ليست كافية.

تغير اسم السجون إلى مراكز الإصلاح والتأهيل، وتشكلت إدارة موحدة لكل مراكز الإصلاح في المملكة مطلع العام 1986.

ترافق ذلك مع رؤية أمنية استشرافية، أطلقها مدير الأمن العام آنذاك عبد الهادي المجالي، الرئيس الحالي لمجلس النواب، وجرى بموجبها تحسين أوضاع رجال الأمن بشكل عام، وإجراء نقلة نوعية في أوضاع السجون، وليس مصادفة أن تكون كل مراكز الإصلاح القائمة قد بدأ العمل بها منذ العام 1986، وجاءت ذات بنية تحتية أكثر استجابة للوظائف الحديثة لمراكز الإصلاح والتأهيل.

مع ذلك، فإن تحديث هذه المراكز أو استبدالها بأخرى مصممة ضمن أسس معيارية تمكن من توفير الرعاية والحماية والتأهيل، يجب أن تكون مطروحة باستمرار على جدول أعمال الجهات المعنية، بما يكفل أن تعمل مراكز الإصلاح وفق قانونها، ووفق المعايير الدولية ذات العلاقة.

القانون لا يعرّف مركز الإصلاح والتأهيل، بل يكتفي بتحديد مهمته بـ«الاحتفاظ بالنزلاء وتأمين الرعاية اللازمة لهم وتنفيذ برامج إصلاحية تساعدهم على العودة إلى المجتمع وأخرى تأهيلية تمكنهم من العيش الكريم».

الفلسفة التي تقوم عليها مراكز الإصلاح والتأهيل، هي فلسفة أنسنة العقاب، كما يصفها أستاذ علم الاجتماع موسى شتيوي. فالحبس هو عقاب بحد ذاته، ويجب أن لا ينطوي على أشكال جديدة أو إضافية من العقاب غير تلك التي ينص عليها القانون كما يشدد شتيوي.

هذه الرؤية تستدعي التطبيق والتفعيل المتكامل لقانون مراكز الإصلاح، وفي مقدمة ذلك تفعيل دور اللجنة العليا للإصلاح والتأهيل، التي تتشكل من وزير الداخلية ومدير الأمن العام والأمناء والمدراء العامين لوزارات العدل والتربية والصحة والأوقاف والتنمية الاجتماعية ومؤسسة التدريب المهني وإدارة مراكز الإصلاح.

فهذه اللجنة ذات مسؤوليات على جانب كبير من الأهمية، إذ ينيط بها القانون أن تتولى مهمة وضع السياسة العامة لمعاملة النزلاء وإصلاحهم وتأهيلهم، تنفيذ خطط الإصلاح والتأهيل، اعتماد أسس برامج تدريب النزلاء وتشغيلهم، وأسس توفير الرعاية الاجتماعية والصحية للنزلاء والرعاية اللاحقة للنزلاء وأسرهم.

و«تشترط المعايير الدولية أن تكون مراكز الإصلاح خاضعة لسلطة مدنية»، بحسب رئيسة وحدة الإصلاح والتأهيل في المركز الوطني لحقوق الإنسان نسرين زريقات، وهو ما يمكن ترجمته من خلال إنشاء إدارة مستقلة تابعة لوزارة العدل. وفي أحدث ندوة حول أسس المعاملة العقابية للنزلاء في مراكز الإصلاح نظمتها الأسبوع الماضي كلية الحقوق في جامعة مؤتة بالتعاون مع كلية العلوم الشرطية في الجناح العسكري، خرجت توصيات بـ «فصل إدارة المؤسسات العقابية عن جهاز الأمن العام وإنشاء هيئة مستقلة لهذه المؤسسات تتبع لوزارة العدل»، مع التأكيد على تعديل القوانين والتعليمات القائمة بما يتلاءم مع هذا التوجه.

تعكس هذه الرؤية، حقيقة أن إدارة المؤسسات العقابية ينبغي أن تسند إلى فنيين وإداريين، يعدون مسبقاً لهذا العمل باعتباره امتداداً لعمل وأحكام القضاء. وبما أن مراكز الإصلاح «مرفق مهم يباشر اختصاصاً فنياً وتربوياً يستهدف تأهيل المحكوم عليهم»، بحسب إحدى توصيات الندوة المشار إليه، فإنه لا بد أن يسند هذا العمل إلى اختصاصيين.

الحق القانوني والإنساني للنزيل/النزيلة في الخلوة الشرعية يحتاج إلى تفعيل دون تأخير، لا سيما أن مدير مراكز الإصلاح شريف العمري كان قد صرّح في آذار/مارس 2008 بأنه «جرى تجهيز مراكز الخلوة الشرعية في مختلف المراكز».

يكفل قانون مراكز الإصلاح والتأهيل رقم 9 لسنة 2004 لكل نزيل محكوم عليه مدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي في مكان في المركز، يخصص لهذه الغاية تتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية. ومن الزاوية العملية، فإن ما ينقص لتفعيل الخلوة الشرعية بعد تجهيز الأماكن الخاصة بذلك هو صدور تعليمات الخلوة، وهو أمر منوط قانونياً بمدير الأمن العام.

تكمن أهمية الخلوة الشرعية في احترام هذا الحق الإنساني للنزيل، ذكراً كان أم أنثى، ولزوجه أيضاً الذي ينبغي أن لا يتحمل عاقبة جرم لم يقترفه. إضافة الى الحد من الانحرافات والاحتكاكات الجنسية.

وتشتمل تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان الخاصة بمراكز الإصلاح والتأهيل على توصيات متعددة لمعالجة الأوضاع فيها، منها: إعادة النظر في طريقة تصنيف السجون بالاستناد إلى وضع المحكوم عليه وخطورته وشخصيته وعمره وجنسه، ضرورة معالجة الشكاوى المتكررة حول طائفة من انتهاكات رجال الشرطة والخاصة بالتعرض للضرب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، معالجة موضوع التوقيف القضائي وطول أمده قبل المحاكمة وفي أثنائها وكذلك موضوع التوقيف الإداري، ضرورة تحسين الرعاية الطبية والنفسية والرعاية الاجتماعية للنزلاء والمحافظة على حقوقهم.

يبلغ عدد السجون العاملة في الأردن حالياً عشرة سجون تتسع لنحو 7500 نزيل، أقدمها مركز إصلاح وتأهيل الجويدة الذي افتتح العام 1986. وهناك ثلاثة مراكز إصلاح وتأهيل قيد الإنشاء. ويعد مركز إصلاح سواقة (70 كم جنوب عمّان) أكبر مراكز الإصلاح، ويتسع لما يزيد على ألفي نزيل، وهو أكثر المراكز تطوراً في مشاغله الحرفية، ومشاريع للإنتاج الحيواني والنباتي، مستفيداً من مساحة الأرض التي تحيط به، وتبلغ 13000 دونم.

أما السجون القديمة، فقد أغلقت جميعها، وكان آخرها سجن الجفر الذي أمر الملك عبدالله الثاني في كانون الأول/ديسمبر 2006 بإغلاقه وتحويله إلى مدرسة للتدريب المهني. «الجفر» الذي أنشىء في العام 1953 كان بمثابة منفى لبعده عن العاصمة عمان (250 كم جنوباً)، واشتهر بمعتقليه من السياسيين، وفي مقدمتهم الشيوعيون والبعثيون وعلى الأخص في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

سوء المعاملة فيها أكثر من “تصرفات فردية”: إخضاع مراكز الإصلاح لوزارة العدل وإدارة مدنية مدخل لمعالجة أزمتها
 
15-Jan-2009
 
العدد 59