العدد 59 - أردني | ||||||||||||||
منصور المعلا في غمرة المسيرات التي اجتاحت مدينة معان تضامناً مع غزّة، ظهر أنصار تنظيم القاعدة للعلن، لأول مرّة، منذ سنوات جنوبي البلاد، التي تحظر الفكر التكفيري وتطارد منتسبي هذا التنظيم. فمن بين الحشود هتف مؤازرو القاعدة: «الرد، الرد يا أسامة»، في إشارة إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المطارد من القوات الأميركية في أفغانستان. «الجزيرة» كانت الفضائية الوحيدة التي بثت مقتطفات مقتضبة من المسيرة لم تتجاوز 30 ثانية، من شريط تتجاوز مدته الأصلية 30 دقيقة، حسبما يقول مراسل الجزيرة القطرية في عمّان حسن الشوبكي. يشرح الشوبكي لـ«ے» أن الجزئية التي بثتها القناة «كانت الشيء الوحيد الصالح للبث»، بسبب حدّة الشعارات وتضمن الهتافات «مسبّات جارحة». علت الأصوات المؤيدة لابن لادن على وقع إطلاق أعيرة نارية في فضاء المدينة، بينما رفع مشاركون صور زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في العراق أبو مصعب الزرقاوي، الذي اغتالته القوات الأميركية منتصف 2006 قرب بعقوبة، شمال بغداد. وكانت المخابرات الأردنية وفّرت معطيات استخبارية ساهمت في تعقب الزرقاوي ورصده، المحكوم بالإعدام غيابياً في الأردن على خلفية مشاركته في عدّة عمليات من بينها اغتيال الدبلوماسي الأميركي لورنس فولي في خريف 2002. تصفية الزرقاوي جاءت بعد سبعة أشهر من تفجيرات عمّان الثلاثية التي أودت بحياة 60 شخصا، في عملية غير مسبوقة، أعلن الزرقاوي عن تنظيمها وتمويلها. الكاتب الصحفي موفق محادين، يرى في الظهور العلني لأنصار القاعدة «رسالة» إلى الدول الغربية مفادها أن «الفوضى في المنطقة ليست في صالح أحد، وأن البديل عن السلام والاعتدال هو التنظيمات الراديكالية». أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين بن طلال في معان ذياب بداينة، يرى «أن حمل صور زعماء تنظيم القاعدة ليس بالضرورة هو انتماء لهذا التنظيم». البداينة يرى «أن الإحساس بالظلم والشعور بالعجز الرسمي العربي يدفع الناس الى التشبث بزعماء يعتقد أنهم وجهوا ضربات الى الغرب المنحاز »، في المقابل يجد البداينة أن «تنظيم القاعدة هو من الجماعات الهامشية التي تعرضت الى الإقصاء في المجتمع الا أن الأحداث الكبيرة كأحداث غزة تدفع الناس الى في حالة اليأس الى التغني بالرموز التي تعد صدامية مع الغرب». في خلفية المشهد تزدحم المدينة التي توصف عادة «بالثائرة» بعشرات المتعاطفين مع الدعوات الجهادية التي تطلقها تنظيمات إسلامية راديكالية. في إربد تحول حفل زفاف إلى «تظاهرة»، تبارى خلالها خطباء وشعراء ينتمون إلى التيار السلفي الجهادي في الإشادة بمناقب الزرقاوي وتمجيد أعمال «القاعدة»، و«فتح الإسلام» شمالي لبنان و«الطالبان» في أفغانستان، حسبما ظهر في برنامج وثائقي بثتّه قناة «العربية» في برنامج وثائقي بعنوان «صناعة الموت»، بحضور أبو محمد المقدسي، الملقب بمنظّر السلفية الجهادية وعرّاب الزرقاوي، أنشد الحضور أبياتاً في مدح أسامة بن لادن، الزرقاوي والملاّ محمد عمر (زعيم الطالبان الذي أطاح به الغزو الأميركي خريف 2001). كما كان لافتاً تخصيص أحد الأناشيد لأحداث نهر البارد في لبنان، الذي كان يقطنه 30 ألف لاجئ فلسطيني قبل أن يدمر العام الماضي في اشتباكات بين الجيش اللبناني ومقاتلي فتح الإسلام، أودت بحياة 400 شخص. في الشريط الذي سجّل في 12 كانون الأول/ ديسمبر، هاجم «المحتفلون» أيضاً تيارات ترفع شعارات الجهاد في العراق، مثل: «الجيش الإسلامي»، و«كتائب العشرين»، بينما نالت «القاعدة» مع الجماعات القريبة منها، مثل: الطالبان وفتح الإسلام، نصيباً كبيراً من الإشادة والتأييد. حضر الحفل عشرات المؤازرين للقاعدة، على رأسهم المرجع الأبرز للتنظيم أبو محمد المقدسي، الذي سُجن مراراً، وأفرج عنه في آذار/مارس 2008. الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، يرى أن غالبية الشخصيات التي برزت في العرس وتحدثت فيه، هي: إما أنها كانت معتقلة في غوانتنامو، أو أنها كانت محكومة بقضايا جرميه في الأردن وخرجت من السجن والمعتقل. يرى أبو رمان أن تلك التيارات في الأردن «لم تجرِ إلى الآن مراجعات جذرية كالتي حدثت في مصر والسعودية على سبيل المثال، ليخرج خطاب جديد مختلف تماماً»: ويستدرك قائلا: «هنالك مراجعات جزئية قام بها أبو محمد المقدسي، وهي تتوقف في منتصف الطريق، لكنها لا تنأى عن السياق الأيديولوجي والخطاب الفكري للسلفية الجهادية في الأردن». وبالتالي يقول أبو رمّان، فإن «غالبية هؤلاء الأفراد ممن دخلوا السجن وخرجوا منه يتمسكون بهذا الخطاب، ويتمسكون بهذه الأفكار وحتى بالعواطف والانتماء». منذ مطلع العقد الماضي، اعتقلت السلطات مئات التكفيريين والسلفيين وفكّكت عشرات الخلايا بدءاً من الأفغان العرب وانتهاء بتنظيم القاعدة. حضر العرس أيضاً المهندس محمد الزهيري، الذي قدّم بكنية «شاعر القاعدة» الذي خرج من السجن أخيراً، إلى جانب محمد العبّادي، وكنيته أبو زايد، وهو معروف بقصائده الحماسية المروجة لأعمال تنظيم القاعدة. وكان العبّادي من أتباع أبو مصعب الزرقاوي، وقد أتم حكماً بالسجن ثلاث سنوات، على خلفية إدانته بنقل السلاح وبيعه. ومن الحضور أيضاً عمر مهدي زيدان، وكنيته أبو المنذر، وهو رفيق المقدسي والزرقاوي، سُجن معهما منتصف التسعينيات، وكان يعرف بخطبه التحريضية. كذلك شارك في الحفل الشيخ جواد الفقيه (أبو سراقة) الذي سجن على خلفية قضية تنظيم جيش محمد 1992، بعدما أطلق النار على حانات لبيع الخمور في منطقة الوحدات في عمّان. وسبق له المشاركة في القتال في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي إلى جوار القائد الأفغاني قلب الدين حكمتيار. بين «قاعدة» معان و«سلفية» إربد تعلو أصوات متشددة لتطغى على صوت الاعتدال، الذي يتقهقر أمام مشاهد دمار آلة القتل العسكرية الإسرائيلية وتواطؤ الصمت الأميركي. |
|
|||||||||||||