العدد 59 - أردني
 

حسين أبو رمّان

لم يكتف مجلس النواب بما حققه أعضاؤه من امتيازات على حساب الخزينة، بل استسهل فرض ضرائب جديدة على المواطنين المنهكين أصلاً تحت وطأة عشرات الضرائب والرسوم النافذة لدعم مربي الثروة الحيوانية.

مجلس النواب، اقر بأغلبية 37 نائباً من بين 66 نائباً في جلسة يوم 7/1 فرض ضريبة جديدة كمورد لصندوق دعم الثروة الحيوانية، بمقدار فلس واحد على كل كيلو واط كهرباء تستهلكه الأسرة، وكذلك فلس آخر «على كل دقيقة من كل مكالمة هاتفية داخلية أو خارجية أو على الهواتف النقالة على أن تتحملها شركات الاتصالات»، إضافة إلى ما يتم رصده في الموازنة العامة ضمن موازنة وزارة الزراعة.

الحصيلة التي تجمعها هذه الضريبة تبلغ أرقاماً مرتفعة تفوق حاجة قطاع الثروة الحيوانية للدعم. علاوة على ذلك، فإن هذه الضريبة على الكهرباء والاتصالات، مثلها مثل الضريبة على الإعلانات وعلى رسوم ترخيص المحطات الإذاعية والفضائية التي أقرها المجلس في الدورة العادية الأولى لصالح صندوق دعم الحركة الثقافية والفنية، تعمق التشوه في النظام الضريبي الوطني، وتفتح شهية الحكومة ومجلس النواب لفرض مزيد من الضرائب القطاعية.

«النيابي» كان قدّم للحكومة في دورته الأولى، اقتراحاً بقانون لدعم الثروة الحيوانية في البلاد، حين كان سعر برميل النفط يقترب عالمياً من 150 دولاراً، وكان سعر الطن من الأعلاف قد جاوز 300 دولار. آنذاك تم هناك توافق على أن وضع مربي الماشية صعب، إلى درجة أن الحكومة أبقت على الدعم للأعلاف، وأرجأت تحرير أسعار المحروقات.

الأفكار التي اقترحها المجلس النيابي على الحكومة قبل أن تخضع للتعديل، اشتملت على إنشاء صندوق لدعم الثروة الحيوانية وحمايتها، تتكون موارده من اقتطاع فلسين من ثلاثة فلسات، كان يعتقد أنها تجبى على فاتورة الكهرباء تحت مسمى فلس الريف، إضافة إلى فلس على كل دقيقة اتصال هاتفي أو خلوي وعلى كل دقيقة استخدام إنترنت.

لدى صياغة الحكومة مشروع القانون وتقديمه لمجلس النواب، كانت قد وقعت تطورات اقتصادية هائلة تمثلت بهبوط أسعار النفط وأسعار الأعلاف بنسب تتراوح بين 60 إلى 65 بالمئة. لذلك ارتأت الحكومة الاكتفاء بأن تتكون موارد الصندوق فقط مما يتم رصده له في الموازنة العامة، ضمن موازنة وزارة الزراعة.

لكن أنصار الضريبة الجديدة تمسكوا بالمقترح المقدم للحكومة، بل دخلوا في «مزاد»، فمنهم من أصر على فلسين على الكهرباء، مع أن كل فلس يعادل 13 مليون دينار بحسب أرقام وزير الطاقة خلدون قطيشات، ومنهم من اقترح ايضاً فلسين على الاتصالات بما في ذلك الإنترنت، وذهب نواف المعلا إلى حد اقتراح ثلاثة فلسات على الاتصالات بحجة أن شرائح المجتمع كافة تستخدم التلفونات الخلوية والأرضية «بالهبل»، وأن هناك بيوتاً فيها «10 خلويات أو 15». واقترح محمد القضاة عدم فرض ضريبة على الكهرباء مقابل رفع الضريبة على الاتصالات إلى ثلاثة فلسات بدعوى أننا «نستطيع أن نعيش بدون تلفونات» (...).

وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات باسم الروسان، أوضح أن قطاع الاتصالات من أنجح القطاعات، يعمل فيه 19 ألف موظف، كما يعمل فيه 60 ألف موظف بطرق غير مباشرة، وأنه وفّر للخزينة 290 مليون دينار للعام 2007، و368 مليون دينار للعام 2006، وكل زيادة في انتشار المحمول بنسبة 10 بالمئة تقابلها زيادة بنسبة 1.2 بالمئة في الدخل الوطني.

كما بيّن الروسان أن الحكومة قامت من أجل التشجيع على استخدام الإنترنت بتخفيض ضريبة المبيعات عليه من 16 إلى 8 بالمئة. وتمنى على المجلس اعتماد النص المقترح من الحكومة.

عدم شمول الإنترنت بالضريبة، واجه صعوبة في البداية، إلا أن خليل عطية نجح في إقناع زملائه بالتصويت لصالح استثناء الإنترنت من الضريبة، بعدما شدّد على أن الاشتراك في خدمة الإنترنت يتم شهرياً.

لقد لجأ عدد من مؤيدي الضريبة الجديدة إلى استخدام حجج «تبريرية»، للدفاع عن فرض ضريبة لدعم الثروة الحيوانية، رغم أن المناخ السائد في المجلس يناهض فكرة فرض ضرائب جديدة على المواطنين.

مجحم الخريشة حاجج بأن مشروع القانون تأخر ووصل بعد إقرار الموازنة لهذا العام التي لم يرصد فيها أي فلس للصندوق، معتبراً أن ذلك يعني وضع قانون «ليس فيه أي شيء يساعد الثروة الحيوانية»، مبرراً اللجوء لإيجاد مصادر أخرى، لأن الحكومة لن تقدم للثروة الحيوانية أي دعم حتى 2010، بحسب رأيه.

رئيس الوزراء نادر الذهبي رد موضحاً بأن صدور قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2009، لا يعني إغلاق الباب أمام توفير دعم للثروة الحيوانية، لأن هذا ممكن بإصدار ملحق للموازنة وتقديمه للمجلس للموافقة عليه. وكان وزير الاتصالات قد أكد ايضاً أن الحكومة ملتزمة بتوفير الدعم اللازم للثروة الحيوانية.

مبارك أبو يامين من جهته، تذرع برفض المقترح الحكومي، لأنه لم يأت مطابقاً للفكرة التي اقترحها المجلس باقتطاع فلسين عن الكهرباء وفلس عن المكالمات. لكن أبو يامين، وعدد من أقطاب المجلس الذين عبّروا عن أفكار مماثلة مثل: سعد هايل سرور، وعبد الكريم الدغمي، وعبد الله الجازي، ومجحم الخريشة، تناسوا أنهم قدموا اقتراحاً غير الاقتراح الأصلي، من خلال فرض فلسين على الكهرباء، عندما اكتشفوا عدم وجود ثلاثة فلسات للريف بل فلس واحد، وأن هذا الفلس هو جزء لا يتجزأ من أثمان الكهرباء، بحسب قرار ديوان تفسير القوانين رقم 19 لسنة 1980، كما أوضح وزير العدل.

معارضو الضريبة الجديدة توزعوا إلى قسمين. قسم طالب بالعودة إلى المقترح الحكومي بحصر الدعم بما يرصد في موازنة الدولة، ومن هؤلاء مفلح الرحيمي الذي اعتبر أن ما اقترحته لجنة الزراعة يعد بمثابة «فرض ضريبة جديدة على المواطن وليس على جهات أخرى»، وأيده في ذلك خالد البكار. وقال سليمان السعد إن فرض فلس على الكهرباء غير قانوني، وأن فرض ضريبة على الاتصالات سيزيد أسعارها، مشدداً على أنه «يكفي المواطن ما هو فيه». ومن هؤلاء أيضاً خلف الرقاد، وناجح المومني، وإبراهيم العموش، وعاطف الطراونة.

أما القسم الثاني، فقد سعى لحصر الضريبة إما على الكهرباء، وإما على الاتصالات. واقترح محمود الخرابشة «مساومة» بحصر الضريبة بنسبة 30 بالمئة من فلس الريف، وأيده في ذلك محمد أبو هديب.

نواب كتلة جبهة العمل الإسلامي الذين يتبنون مبدئياً موقفاً مناهضاً لفرض ضرائب جديدة، رجّح أربعة منهم، على الأقل، كفة المصوتين لصالح قرار فرض ضريبة فلسي الأعلاف.

هناك بوادر بعدم تمرير تعديلات مجلس النواب على مشروع الحكومة، صدرت عن لجان مجلس الأعيان، إذ رفضت لجنة مشتركة من لجان الشؤون القانونية والمالية والزراعية يوم 11/1، إضافة فلسين على فاتورة الكهرباء والهاتف، وتمسكت بحصر موارد صندوق دعم الثروة الحيوانية بما يرصد له في موازنة الدولة.

ومن المؤمل أن يوافق مجلس الأعيان على اقتراح لجنته المشتركة، ثم إحالة مشروع القانون معدلاً إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه، لا سيما أن عدد الذين صوتوا مع فرض فلسي الكهرباء والاتصالات تبلغ نسبتهم 34 بالمئة من مجموع أعضاء المجلس.

وفي حالة كهذه، فما دام الأمر يتعلق بفرض ضرائب على المواطنين وعلى قطاع محدد من الشركات، بعشرات الملايين من الدنانير، فإن «من الحكمة» أن لا يقل عدد المؤيدين لمقترح كهذا، من أجل أن يتسم بطابع تمثيلي لمجلس النواب، عن أغلبية عدد أعضاء المجلس ( 56 عضواً)، وليس أغلبية من الحاضرين بلغت 37 عضواً.

“النيابي”: ضريبة أخرى على الكهرباء والاتصالات بثلث الأصوات فقط
 
15-Jan-2009
 
العدد 59