العدد 59 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير وقته موزع بين متطلبات النقابة والنشاطات الداعمة لغزة وارتباطاته الاجتماعية، لكن بين هذا وذاك لا تفارق الابتسامة محياه. «أنا مواليد 1956، من برج الأسد» بهذه العبارة التي لا تخلو من تفاؤل، على الرغم من حلكة الأجواء في المنطقة، باغتني نقيب المهندسين وائل السقا ضاحكاً. ولّدته قابلة شهيرة في منطقة العبدلي تدعى نجلاء الأسي، في وقت كان اسم الداية يكتب فيه على شهادة الميلاد. رسخ في ذهنه الغض الطريق الضيق الذي كان يصعد تجاه العبدلي ويسمى طريق السلط، تحده جبال يحلو للعائلة أن «تشطح» في أرجائها. والده أكرم من مواليد السلط، انتقل للإقامة في العاصمة بعيد زواجه، وعمل مع خاله جميل الذهبي في النقل بين ضفتي الأردن، وحملت الشركة التي أسساها اسم الضفتين أيضا. لكن الأب بدل مهنته بعدئذ، وعمل مقاولاً ثم تاجر قطع سيارات شاحنة وما زال. لعب الأب دوراً في تحفيز أبنائه على إكمال تعليمهم، رغم أنه انقطع عن الدراسة في مدرسة السلط من الصف السادس الابتدائي. «والدي علمنا العصامية والشدة والاعتماد على النفس لكن والدتي نمت الإرادة فينا، فقد كانت أمية، علمت نفسها بنفسها القراءة والكتابة، فضلاً عن أنها كانت خياطة، أي مستقلة ماديا ولها مكانتها». درس وائل الابتدائية في مدرسة الأحنف بن قيس والرشيد، وأكمل دراسة الإعدادية والثانوية في مدرستي رغدان وكلية الحسين. لمع في دراسته كطالب متميز، ومبادر في أنشطة موازية مثل مجلة الحائط، كما كان عريف الصف. وعُرف عنه دعمه للأنشطة الفدائية، لدرجة أنه كتب قصصاً عن فدائيين يخوضون حربا مع الإسرائيليين ويحققون انتصارات. التزامه الديني جاء مبكراً، ارتاد المسجد وذهب لأداء العمرة في يفاعته في إطار رحلة مدرسية من الرحلات التي يستعذب تذكرها. كما خرج مع جماعة التبليغ والهجرة «وهي جماعة دعوية» الى مناطق نائية من الأردن. حاز التوجيهي العام 1974 والتحق بالجامعة الأردنية دارساً للهندسة المعمارية، وكان اتحاد الطلبة حل قبل عام، وأنشئت بدلا منه «الجمعيات العلمية»، فخاض غمار انتخابات جمعية الهندسة العام 1976، ونجح وقائمته من الطلاب الملتزمين دينياً، على الرغم من أن المنظمات الفلسطينية كانت فاعلة وفي أوجها. يصعب تحديد تاريخ لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين التي يفضل تسميتها بتسمية أوسع هي «الحركة الإسلامية»، لكنه يقر بأنه انتمى اليها إبان دراسته الجامعية «أنتمي للحركة الإسلامية بكل أبعادها». شارك في معارضة رفع الرسوم الجامعية من 27 ديناراً في الفصل الواحد إلى نحو 90 دينارا، كما عُرف بمعارضته السياسية، لدرجة أن جواز سفره حجز من يوم تخرجه حتى العام 1989 عام «الانفراج الديمقراطي». تخرّج في «الأردنية» العام 1980 وعيّن في وزارة البلديات لمدة 47 يوماً الى أن جاء كتاب توصية «بعدم تعيين المذكور»بحسبه. فقبض سبعة دنانير عن كل يوم عمل، وغادر الوزارة الى غير رجعة. تصادف أن طلبت جامعة اليرموك معيدين لتدريس الهندسة المعمارية فتقدم لها، فداوم يوماً ثم فصل سياسياً، وفقه. التحق بالعمل في القطاع الخاص في المكتب الاستشاري الحديث لصاحبه المهندس حسن النوري. « تعلمت الكثير من عملي في هذا المكتب في الفترة من 1981- 1983، ثم انتقلت للعمل في مجال الديكور حتى العام 1987 لأفتتح في ذلك العام مكتباً هندسياً خاصا بي، وما زال». تواصل عمله النقابي في إطار اللجان الهندسية منذ انتمائه للنقابة، وترشح في العام 1989 لانتخابات الشعبة لكن الحظ لم يحالفه. عاود الكرة في العام 1991 ونجح لست مرات ثم ترشح لمجلس النقابة لدورتين، وصار رئيس شعبة معمارية من 1996- 2000، العام 2003 ترشح لمنصب النقيب، وفاز لدورتين متتاليتين، تنتهي ثانيتهما بعد أيام. لا يتطلع الى دور سياسي ولا يعتزم الترشح لانتخابات مجلس النواب حتى الآن. فلسفته إسلامية المنهج «تقوم على عدم الفصل بين ما هو سياسي واجتماعي وثقافي ورياضي». الحياة من وجهة نظري متكاملة، أنا أمارس السياسة في النقابة، من يتكلم في الحريات والإصلاح والقضاء على الفساد وطرد السفير الإسرائيلي وتحرير الأوطان يمارس دوراً سياسياً». تزوج تقليدياً العام 1982، ورزق بالولد الأول في العام نفسه، مطلقاً عليه اسم يمان، تيمناً بالاسم الذي كان يمهر به مقالاته في الجامعة «أبو اليمان»، وله من الأولاد احمد، عبادة، أسيد، ولين. مثل أمام المدعي العام في العام 2004 على خلفية تصريحاته حول عدم صحة قرار محكمة العدل العليا، بخصوص النائب رائد قاقيش الذي حُكم له بعدم شرعية قرار مجلس النقابة بحقه والقاضي بعدم دعوته أو تكريمه في أي حفل للنقابة بسبب ارتكابه مخالفتين: الأولى إجراؤه لقاء مع قناة الحرة، والثانية موافقته على المشاركة في برنامج تلفزيوني مع أحد موظفي مكتب شارون. وناشد في العام 2005 بوصفه نائب رئيس مجلس النقباء الملك عبد الله الثاني وكبار المسؤولين بوقف ما أطلق عليه «الممارسات العرفية لوزير الداخلية سمير الحباشنة». تعوزه أوقات لا يكون فيها منشغلاً بواجباته النقابية والاجتماعية والعائلية « نقابتنا كبيرة فيها 76 ألف مهندس، منهم 25 الفا خارج الأردن نتواصل معهم، وكذا الحال مع مهندسينا في المحافظات وفي الضفة الغربية فرغم تعديل قانون النقابة العام 2000 الا أننا لم نفك الارتباط وما زال هناك مركز للنقابة في القدس». نقابي مخضرم يجادل بأن السقا «خدمته الظروف، فالإسلاميون الذين يسيطرون على النقابة أوصلوه بسلاسة إلى سدتها، مثلما سيفعلون مع غيره في انتخابات لاحقة ما دامت لهم اليد الطولى في النقابة». يغمز هذا النقابي من قناة بعض التجاوزات التي نشرتها مواقع إلكترونية منها «كثرة أسفار السقا بمياومات عالية لدرجة أنه لقب بالنقيب الطائر، فضلاً عن بعض التعيينات التي أجراها في النقابة». غير أن نقابياً آخر يرفض ما تفوه به زميله ويعتبر «أن السقا مثال للنقيب الناجح الذي يتعرض لهجمات من هذا أو ذاك». يعزو السقا للنقابة طائفة من إنجازات على مستويات عدة، ما يجعلها «متميزة على صعيد الوطن العربي». وتنقسم تلك الإنجازات الى ثلاثة أركان: «الاهتمام بالمهنة، المؤتمرات والتدريب والاستثمار، والدفاع عن حقوق الأعضاء.» تشرف النقابة على نحو 1200 مكتب هندسي استثماري، وخرّج مركز التدريب التابع لها نحو 30 ألف مهندس حتى الآن. وهي النقابة الوحيدة في العالم التي تدقق مخططات البناء حسب كودات البناء الموضوعة من مجلس البناء الوطني». «موجودات النقابة الاستثمارية تصل الى ثلث مليار دينار «330» مليوناً، وهدفها تأمين العيش الكريم للمهندس وأسرته بعد وفاته. النقابة نشطة على الصعيد السياسي، فهناك لجنة مقاومة التطبيع، ولجنة العراق لدحر الاحتلال، ولجنة الحريات العامة، ولجنة فلسطين لدعم أهلنا في غزة». لكن الحديث حين طال، أكملته ملصقات تدين الهجمة الإسرائيلية على غزة، وتنتصر لعيون أطفال أيقظها صوت انفجار قنابل فسفورية.. لا تنام. |
|
|||||||||||||