العدد 58 - أردني
 

سامر خير أحمد

خطفت الحرب على غزة، الدائرة منذ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، الأضواء من مختلف الأحداث والقضايا في العالم العربي. انطبق هذا الأمر على صعيد النشاطات الخاصة بالحريات العامة وحقوق الإنسان، إذ أفردت المنظمات الأهلية العربية المعنية بالحريات، جزءاً كبيراً من نشاطاتها لإدانة الهجوم الإسرائيلي على غزة، أو لحثّ الشعوب والأنظمة العربية على نجدة أهالي القطاع.

رصدت "ے" نحو 25 بياناً بهذا الخصوص، أصدرتها ثماني منظمات ناشطة في مجال الحريات العامة، من مصر وسورية والمغرب وتونس والسعودية، في أقل من أسبوع. من أمثلة ذلك، بيان أصدرته "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، اعتبرت فيه الهجمات الإسرائيلية "من قبيل حرب الإبادة الجماعية التي يجب أن يدينها القانون الدولي دون تحفظ "، وآخر أصدرته "جمعية حقوق الإنسان أولاً" السعودية، قال إن العمليات العسكرية الإسرائيلية تقع "تحت طائلة القانون الدولي وتخرق، بشكل فاضح لا لبس فيه، اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب"، وثالث أخذ المنحى نفسه، أصدرته "الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان"، معتبرة أن "الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تمثل انتهاكات حادة وجسيمة للقانون الإنساني الدولي كما عرّفته اتفاقيات جنيف، في ما يتعلق بكل من التزامات سلطة الإحتلال، ومتطلبات قوانين الحرب"، ثم بيان أصدرته "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" دعت فيه إلى "ممارسة الضغط من أجل فتح تحقيق أممي في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين"، وكذلك بيان أصدره "مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية" المصري، حثّ "المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني العربية وغير العربية المتعاطفة مع مأساة الشعب الفلسطيني على تكوين تحالف دولي يستطيع الضغط على المنظمات الدولية الأمنية والحقوقية، وبخاصة مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، ودفعها للتدخل الإيجابي في القضية"، إلى غير ذلك من البيانات.

ورغم ما ينطوي عليه هذا النشاط من إيجابيات، كونه يُظهر الوجه غير الأخلاقي وغير الإنساني لإسرائيل، فقد كان ملاحظاً أنه تزامن مع تراجع ملحوظ في متابعات المنظمات العربية لقضايا الحريات العامة في بلدانها.

في وجه من الوجوه، تبدو المنظمات العربية محقة في تصرفها، إذ بلغت الهجمات الإسرائيلية على غزة، حداً لا يمكن معه إلا تكريس كل الجهود، للتصدي أخلاقياً على أقل تقدير، لحالة القتل وانتهاك حقوق الإنسان القائمة في القطاع. لكن، من وجه آخر، فإن المنظمات العربية تبدو وقد أغفلت فهماً مفاده أن السعي لتوسيع مجال الحريات العامة في البلدان العربية، هو جزء لا يتجزأ من ضرورات تقدّم تلك البلدان، وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي، بما يمكّنها ليس فقط من خدمة شعوبها وتحقيق الرفاء لهم، بل أيضاً التصدي بفعالية لحالات العدوان العسكري وانتهاك حقوق الحياة، في محيطها.

الحريات العامة، وتحرير الأرض المحتلة والتصدي للعدوان عليها، قضيتان مترابطتان موضوعياً، فهما تشكلان معاً ضمانة "الأمن القومي" لأي بلد، ولا يمكن لشعوب لا تعيش حريتها، أن تنجح في تحرير أرضها.

هل يدل هذا السلوك على ضرورة مراجعة مضامين "ثقافة الحرية" السائدة لدى النشطاء في العالم العربي؟ ربما!

“ثقافة الحرية”: الترابط الموضوعي بين الحريات والتحرير
 
08-Jan-2009
 
العدد 58