العدد 58 - استهلاكي
 

محمد علاونة

تفاجأ المستهلك توفيق الزبن من السعر المعلن لطبق بيض في أحد المحال التجارية بالقرب من المنطقة التي يقطنها، لأنه وجد سعراً مختلفاً في محل آخر لا يبعد أكثر من 50 متراً عن الأول.

الزبن دفع مبلغ دينارين ونصف الدينار سعراً لطبق وزنه 2 كيلوغرام، بينما رفض شراءه بمبلغ 3.2 دينار من المحل الآخر.

التفاوت الكبير في أسعار السلع ما بين منطقة وأخرى يمكن أن يكون صحياً في ظل معادلة السوق الحرة، ووجود منافسة ما بين التجار، لكن الفرق الكبير الذي كان الزبن شاهداً عليه جعله يظن بأن التاجر الذي بخس من سعر السلعة، يبيع بضاعة غير صالحة، بينما يرغب الذي وضع سعراً عالياً بتحقيق أرباح «خيالية».

لكن تاجر المواد الغذائية عادل الزير، أكد أن شريحة من التجار يبيعون سلعاً غذائية أسعارها أدنى بكثير من كلفتها، نتيجة كسادها، وعدم وجود طلب عليها من المستهلكين الذين يعثرون على بدائل لها وبأسعار أقل. وهو ما يخالف القانون بحسب تعليمات المنافسة التي تنفذها وزارة الصناعة والتجارة.

ورغم أن قانون المنافسة حظر الممارسات المخلّة بالمنافسة، إلا أنه عُني أيضاً بحظر الممارسات المخلّة بنزاهة المعاملات التجارية وهي: إعادة بيع منتج على حالته بسعر أقل من سعر شرائه الحقيقي، مضافاً إليه الضرائب والرسوم المفروضة على المنتج ومصاريف النقل إذا كان الهدف من ذلك الإخلال بالمنافسة. بيد أن القانون استثنى من هذا الحظر المنتجات سريعة التلف والتنزيلات المرخص بها لأي بيع يتم لتصفية الأعمال أو تجديد المخزون بأسعار أقل.

الانخفاض الملحوظ الذي شهدته أسعار النفط خلال الشهرين الأخيرين من العام 2008، وتبعه إجراءات حكومية بتخفيض أجور النقل وأسعار المشتقات النفطية، انعكس بشكل ملموس على أسعار قوائم سلع، بينما بقيت سلع أخرى عند مستويات مرتفعة.

لكن الزيادة غير المسبوقة في أسعار النفط عندما سجل مستوى 140 دولارا قبل كل ذلك، وتبعه زيادة في أسعار المشتقات النفطية وأجور النقل، انعكس على أسعار السلع التي ارتدّت في ما بعد انخفاضاً، لكن هامش الزيادة الذي شهدته الأسعار شجّع كثيراً من التجار على المبالغة في أسعار السلع، ودفع يبعضهم إلى عدم القبول بنسب أقل من 30 في المئة كأرباح على المنتجات التي يبيعونها.

وهو ما بدا واضحا في مسألة أسعار الألبان عندما طلبت الحكومة في الشهر الأخير من العام 2008 من منتجي الألبان خفض الأسعار، تبعاً لكلف الإنتاج وأسعار المحروقات التي تراجعت بشكل ملحوظ أخيراً.

مصانع الألبان استجابت في الأسبوع الأخير من العام 2008 بخفض الأسعار بنسبة 7.5 في المئة. لكن النسبة بقيت أقل بكثير من ما طلبته الحكومة، وهي 13 في المئة.

النسبة التي ترغب بها الحكومة قد تكون أكثر قرباً من واقع كلف الإنتاج لتلك المصانع، مع الإبقاء على ربح مجزٍ لتجار التجزئة. وهو ما كشفه الاجتماع الأخير بين الحكومة وهؤلاء المصنّعين، الذي سبق استجابة المصانع ولوحت فيه الحكومة بالتدخل وتحديد الأسعار.

المادة السابعة من قانون الصناعة والتجارة خوّلت الحكومة بتحديد أسعار السلع بوصفها سلعا أساسية.

وحددت الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الصناعة والتجارة وتعديلاته رقم 18 لسنة 1998 بأن لمجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير، أن يحدد أسعار أي من المواد الأساسية، فيما عرّف القانون نفسه المواد الأساسية، بتلك المواد التي يقرر مجلس الوزراء عدّها مواد أساسية.

الاجتماع كشف أن مصانع الألبان تقوم بشراء الحليب الطازج من المزارع بسعر 47 قرشاً، وبعد إضافة كلف التشغيل (15 قرشاً) تصبح كلفة إنتاج الكيلو الواحد من اللبن 62 قرشاً، في حين أن المصانع تبيع كيلو اللبن بسعر 1.15 قرش.

مصانع الألبان والأجبان رفعت أسعارها بعد قيام الحكومة برفع الدعم عن الشعير قبل سنتين، بينما رفعت مزارع الأبقار في ذلك الوقت أسعار الحليب الطازج المورَّد إلى مصانع الألبان والأجبان من 27 قرشاً إلى 35 قرشاً، ثم 37 قرشاً.

كما أن مزارع الأبقار رفعت سعر كل كيلو حليب أكثر من 10 قروش، مما يغطي بالكامل فرق الدعم لمادة الشعير والأسعار المرتفعة للأعلاف التي كانت بأسعار مرتفعة جداً في بدايات العام 2008.

ولذلك عُدَّ مستهجناً أن مزارع الأبقار ومصانع الألبان قامت برفع أسعار الحليب الطازج المورَّد من المزارع إلى المصانع من 37 قرشاً إلى 47 قرشاً، ثم 50 قرشاً، رغم انخفاض أسعار الأعلاف.

إلى ذلك، تقوم مراكز تجارية كبرى بممارسة مخالفات صريحة للقانون من خلال عروض تقدمها على عدد من السلع، تدفع المستهلكين إلى شراء مواد لا يرغبون بها، بربطها بشراء سلع أخرى تتمتع بتخفيض على أسعارها.

تعليمات وزارة الصناعة والتجارة تضع ذلك في إطار «إساءة استغلال وضعية الهيمنة»، الذي يأتي تنفيذاً لقانون المنافسة الذي يمنع الممارسات المخلّة بها.

تقول الوزارة في شرحها لركائز سياسة المنافسة في الأردن، إنه يوجد في بعض الأسواق مؤسسات تتمتع بقوة سوقية أكبر من منافسيها، كما توجد في حالات قصوى مؤسسة وحيدة تعمل في السوق دون وجود منافسين لها.

وقد تنشأ وضعية الهيمنة هذه عن عوامل عدة، كأن تكون هذه المؤسسة قادرة على الإنتاج بنجاعة وفعالية وكلفة أقل، أو أن تملك أجهزة حديثة وموظفين متميزين وقادرين على الإبداع لإنتاج سلع عالية الجودة، وهي جميعاً أمور مستحبة.

لهذا السبب، لم يحظر قانون المنافسة، بحسب الوزارة، وضعية الهيمنة بحد ذاتها، بل وضع ضوابط لضمان عدم استغلالها للإساءة للمنافسة.

فقد تقوم الشركات ذات الوضع المهيمن بالسعي لإخراج منافسيها الصغار ومتوسطي الحجم من السوق، فتحدّ بذلك من خيارات المستهلك، وتفرض سلعها عليه بأسعار مرتفعة.

القانون حظر على المؤسسات ذات الوضع المهيمن في السوق أو جزء مهم منه، إساءة استغلال هذا الوضع للإخلال بالمنافسة أو الحدّ منها بما في ذلك:

- تحديد أو فرض أسعار أو شروط البيع للمستهلك.

- عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق أو إقصاؤها منه.

- تعريض مؤسسات أخرى لخسائر جسيمة بما في ذلك البيع بالخسارة.

- التمييز بين العملاء في العقود المتشابهة.

- إرغام عميل لها على الامتناع عن التعامل مع مؤسسة منافسة لأعمالها.

- السعي لاحتكار موارد معينة ضرورية لممارسة مؤسسة منافسة.

- رفض التعامل مع عميل دون مبرر موضوعي.

- الربط بين شراء سلعة بشراء سلعة أخرى أو بشراء كمية محدودة، والأمر نفسه ينطبق على تقديم الخدمات.

يلجأ له تجار لتفادي كساد السلعة: البيع بسعر أقل من الكلفة يخالف قوانين المنافسة
 
08-Jan-2009
 
العدد 58