العدد 58 - اقتصادي
 

محمد علاونة

شهد قطاع الصرافة الأردني خلال العقدين الأخيرين نموا واضحا حوّله من قطاع متواضع إلى أحد القطاعات الحيوية التي تتعامل ببلايين الدولارات وتخدم شريحة كبرى من المتعاملين، حيث برز دورها في تأمين متطلبات المواطنين من العملات الأجنبية والاستجابة لحاجات السوق من العملات على اختلافها.

لكن القطاع تعرض لما تعرضت له قطاعات الصرافة في المنطقة، التي كانت قد تمكنت من إحراز تقدم كبير عكسته مساهماتها في المستوردين والمصدرين كونها عملت كوسيط لتوفير الأموال من العملات المختلفة، فقد اصطدمت هذه القطاعات في السنوات الأخيرة بقيود تشريعية وقانونية حدت من وتائر نموها، وهي قيود طاولت البيانات الشخصية للمتعاملين مع القطاع سواء كانوا أفرادا أو مستثمرين.

فعلى سبيل المثال لم يعد بقدرة الصرافين تحويل أموال للبنوك، باستثناء تحويلها لصرافين معتمدين في دول الجوار، وعلى الصراف أن يفصح عن أي مبلغ يقوم بتحويله.

وفي هذا الإطار شكل تعرض الولايات المتحدة الأميركية إلى تفجيرات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، نقطة تحول سلبية في عمل قطاعات الصرافة في بلدان المنطقة، حيث وجدت الدول العربية، ومنها الأردن والسعودية والكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، نفسها مضطرة لإصدار قوانين مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، وهو ما قلل من سهولة انسياب الأموال من تلك الدول وإليها.

بدأ قطاع الصرافة في الأردن نشاطه العام 1942، أي قبل نشوء مجلس النقد الأردني الذي تأسس العام 1950، والبنك المركزي الأردني الذي تأسس العام 1964. وكان أول تعامل في هذا المجال بالريال السعودي المصنوع من الفضة، الذي كان يستبدل بالجنيهات الفلسطينية، التي كانت مستخدمة في الأردن، لغايات شراء الإبل.

وما زالت ذاكرة رئيس جمعية الصرافين الأردنيين السابق، مطيع الكباريتي، تعود لتعاملات أول محل صرافة في الأردن، الذي أسسه عمه علاوي صالح الكباريتي العام 1942.

تطور القطاع سريعا، ليدخل مرحلة جديدة مع حلول العام 1949، بعد أن بدأ تداول الدينار العراقي بجانب الريال السعودي لخدمة الجيش العراقي الذي شارك في حرب فلسطين.

واليوم يمكن للمتجول في المثلث القريب من الجامع الحسيني وسط العاصمة عمان أن يلحظ الزيادة المطردة لمحلات الصرافة في تلك المنطقة القريبة من المركز التجاري، حيث يسهل العثور عليها من قبل المواطنين الذين يستقبلون حوالات من الخارج، والوافدين الذين يرغبون في تحويل مبالغ مالية لبلدانهم.

مطيع الكباريتي أبدى تشاؤما حول مستقبل القطاع الذي أصبح يدر القليل من الإيرادات، كما يقول، وذلك في ظل التذبذب الحاد الذي تشهده أسعار صرف العملات ودخول البطاقات الإلكترونية على قطاعات المال، إضافة الى الرسوم المرتفعة التي تدفع بدل ترخيص كل عام.

إلى ذلك، فإن ذريعة مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، أعقبها تسارع في أدوات سوق المال، ما شكل قيودا مشددة اعترضت نشاط القطاع، وأبقت حجم السيولة المتداولة عند مستويات متواضعة، وذلك رغم الزيادة المطردة في أعداد التراخيص بفتح مكاتب جديدة.

فواز، وهو ابن مطيع الكباريتي، الذي تابع مهنة أبيه، ذهب إلى أبعد من ذلك، بالقول إن قطاع الصرافة أصبح محاربا من قبل أدوات قانونية ومالية مختلفة ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، التي دمرت برجي مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأميركية.

قطاع الصرافة في الأردن شهد نقلات نوعية في تعاملاته وحجم تبادلاته المالية، مكملاً بذلك دور القطاع المصرفي والمالي، إضافة إلى أنه أحد أوجه نظام الحرية الاقتصادية والمالية.

يرى فواز أن بداية التغيير الجوهري في القطاع الذي تقدر تعاملاته السنوية بـنحو 3 بلايين دولار سنويا، أعقب ظهور مسميات مثل «الحرب على الإرهاب» و«غسيل الأموال».

يعلق والده ساخرا: «كيف يمكن أن يكون هناك غسيل أموال ونحن نسمع يوميا عن إفلاس التاجر الفلاني وتصفية تلك الشركة، فذلك لا يحدث في حال وجود غسيل أموال».

وكان البنك المركزي الأردني قد أصدر تعليمات خاصة بمكافحة غسل الأموال لشركات الصرافة المرخصة في شهر آذار/مارس 2008، وجاء في الأسباب الموجبة، «تعزيز الإجراءات الوقائية التي يجب إتباعها من قبل هذه الشركات ومنع استغلال أنشطتها في أعمال غير مشروعة،» وجاءت هذه التعليمات منسجمة مع أحكام قانون غسيل الأموال للعام 2007، وكذلك متطلبات المعايير الدولية والاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة.

قانون غسل الأموال أثار جدلا عندما تم إدراجه خلال دورة استثنائية لمجلس النواب في 2006، كمشروع لمكافحة تبييض الأموال وتحفظت عليه نقابة الصرافين، معتبرة أن صيغة المشروع تحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية والتدفقات النقدية لتحويلات المغتربين.

نقابة الصيارفة انتقدت نصا يتيح للوحدات المشابهة خارج الأردن والسلطات الخارجية الحصول على معلومات مالية عن أي شخص في الأردن من دون الحصول على إذن قضائي. ويستنتج فواز الكباريتي من ذلك أن القطاع يتعرض لضغوط كبيرة تحد من عمله، مع ظهور الحوالات السريعة التي اعتبرها من أدوات تضييق الخناق على القطاع، إضافة إلى إلزام الصرافين بأخذ بيانات تفصيلية عن المتعاملين معهم، وهي غير متوافرة دائما وتحدث إرباكا، كما يقول.

إجراءات مباشرة البنك لأعماله استكملت في اليوم الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر العام 1964، ليخلف مجلس النقد الأردني الذي كان قد تأسس العام 1950.

يحكم نشاط شركات الصرافة قانون أعمال الصرافة رقم 26 لعام 1992، الذي يشترط ألا يقل رأسمال شركة التضامن عن ربع مليون دينار داخل حدود العاصمة ومئة ألف دينار للشركات الواقعة في المحافظات الأخرى.

العلاقة المباشرة ما بين البنك المركزي وقطاع الصرافة بدأت فعليا في ذلك العام عند صدور القانون، الذي يراه الكباريتي غير مواكب لتطورات، المرحلة، ويحتاج لكثير من التعديلات، بخاصة أن تطورات قد طرأت على الصعيد العالمي بعد القانون، أبرزها ما أسماه «ثورة النفط».

جُل نشاط قطاع الصرافة ينصب على خدمة شريحة من الأيدي العاملة سواء الأردنية العاملة في الخارج أو الأجنبية العاملة في الأردن. وتعتبر تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج أحد المحركات الرئيسية لقطاع الصرافة، حيث تشهد الشركات نشاطا ملحوظا في عدة أوقات من السنة مع ذروة القيام بالتحويلات، وبخاصة في مواسم الأعياد والعطل. وبلغ إجمالي هذه التحويلات خلال الربع الثالث من العام 2008 نحو 1.73 بليون دينار، بحسب بيانات صادرة عن «المركزي».

وكانت التحويلات قد بلغت العام 2007 نحو 2434,8 مليون دينار، أي بزيادة مقدارها 390,5 مليون دينار محققة نموا نسبته 19,1 في المئة عن مستواه المسجل خلال العام 2006.

ويقدر عدد الأردنيين العاملين في الخارج بنحو 400 ألف شخص، يعمل غالبيتهم في دول الخليج العربي. ويرى مطيع الكباريتي، أن إهدار الأموال في مشاريع تتناقض والجدوى الاقتصادية، خصوصا في دول الخليج، أدخل خللا في المعادلة الاقتصادية لقطاعات اقتصادية حيوية ومنها «الصرافة»، ويقول: «حتى العاملون في الصرافة اتجهوا نحو موارد مالية أخرى مثل قطاع العقار في ظل انخفاض الدخل الذي يقابله ارتفاع ملحوظ في المصروفات من بدلات رخص ورسوم سنوية».

ومع دخول شركات جديدة إلى السوق مع نهاية العام 2008، يقدر أن تكون رؤوس أموال شركات الصرافة العاملة قد ارتفعت إلى حوالي 30 مليون دينار تعود إلى 130 شركة.

حين أوقفت الحكومة عمل الصرافة لأربع سنوات العام 1988 بلغ نشاط محلات الصرافة ذروته مع التوسع الكبير الذي شهده القطاع، وتحول بعض الصيارفة إلى ممارسة أعمال إضافية إلى جانب عمله الأساسي؛ تبديل العملات، مثل تحويل الأموال، ما اعتبر تعديا على عمل قطاع البنوك الذي تقدم بشكوى رسمية للحكومة.

الحكومة أوقفت الصرافة خارج إطار البنوك، وأغلقت محلات الصرافة لمدة أربع سنوات؛ من 1988 إلى 1992.

لكن عملية الصرافة بقيت مستمرة ولكن في الخفاء، أي في «السوق السوداء»، حيث كان أدلاء تابعون لمحلات صرافة أغلقت رسميا، يتجولون في شوارع العاصمة، وتحديدا في منطقة «الشابسوغ» يسألون المارة إن كانوا يرغبون بتبديل العملات.

وقد شهدت السوق السوداء ذروتها خلال أزمة الخليج التي بدأت مع احتلال العراق للكويت في صيف العام 1990، حيث صُرف الدينار الكويتي الذي كان يساوي ثلاثة دولارات و350 فلسا بربع دينار أردني، وبعد تحرير الكويت، عاد الدينار الكويتي إلى سعره القديم بقرار أميري، ما در على صيارفة السوق السوداء أرباحا طائلة، حين بدلوا الدنانير الكويتية التي كانت قد بدلت بأسعار متدنية أثناء احتلال الكويت بالسعر المرتفع الجديد.

وبقيت محلات الصرافة مغلقة رسميا حتى العام 1992، حين صدر قانون أعمال الصرافة الأردني الجديد رقم «26 لسنة 1992» وعادت محلات الصرافة لممارسة أعمالها مجددا.

**

حين توقف عمل الصرافة لأربع سنوات

عام 1988 بلغ نشاط محلات الصرافة ذروته مع التوسع الكبير الذي شهده القطاع، وتحول بعض الصيارفة إلى ممارسة أعمال إضافية إلى جانب عمله الأساسي؛ تبديل العملات، مثل تحويل الأموال، ما اعتبر تعديا على عمل قطاع البنوك الذي تقدم بشكوى رسمية للحكومة.

الحكومة أوقفت الصرافة خارج إطار البنوك، وأغلقت محلات الصرافة لمدة أربع سنوات؛ من 1988 إلى 1992.

لكن عملية الصرافة بقيت مستمرة ولكن في الخفاء، أي في «السوق السوداء»، حيث كان أدلاء تابعون لمحلات صرافة أغلقت رسميا، يتجولون في شوارع العاصمة، وتحديدا في منطقة «الشابسوغ» يسألون المارة إن كانوا يرغبون بتبديل العملات.

وقد شهدت السوق السوداء ذروتها خلال أزمة الخليج التي بدأت مع احتلال العراق للكويت في صيف العام 1990، حيث صرف الدينار الكويتي الذي كان يساوي ثلاثة دولارات و350 فلسا بربع دينار أردني، وبعد تحرير الكويت، عاد الدينار الكويتي إلى سعره القديم بقرار أميري، ما در على صيارفة السوق السوداء أرباحا طائلة، حين بدلوا الدنانير الكويتية التي كانت قد بدلت بأسعار متدنية أثناء احتلال الكويت بالسعر المرتفع الجديد.

وبقيت محلات الصرافة مغلقة رسميا حتى عام 1992، حين صدر قانون أعمال الصرافة الأردني الجديد رقم «26 لسنة 1992» وعادت محلات الصرافة لممارسة أعمالها مجددا.

قطاع الصرافة: انتعاش أعاقته قوانين مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال
 
08-Jan-2009
 
العدد 58