العدد 58 - اقتصادي | ||||||||||||||
محمد علاونة من المتوقع أن يحصد الأردن نصيبه من موجة ركود دخلتها بعض الدول، وما تزال أخرى بانتظارها. حصة الأردن على الأغلب ستتمثل بدخول الاقتصاد حالة تباطؤ في معدلات النمو، في وقت تؤكد فيه التقارير الدولية أن اقتصادات الدول المتقدمة بما فيها أميركا وأوروبا واليابان ستسجل معدلات نمو سالبة العام 2009. أحد هذه التقارير، تقرير صدر عن البنك الدولي في الشهر الأخير من العام 2008 حول تأثير الأزمة المالية الحالية على نمو إجمالي الناتج المحلي في مختلف أنحاء العالم، مشيرا إلى حدوث تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي في جميع الأنحاء. وتتزامن هذه التوقعات مع دراسات لهيئة الطاقة الدولية تشير إلى إمكانية انخفاض الطلب على النفط على الأقل في النصف الأول من العام 2009، بما مقداره 500 ألف برميل يومياً، بعد أن تراجع في حدود 90 ألف برميل يومياً العام 2008 ليصل إلى 8ر85 مليون برميل يومياً. وتشرح الهيئة أن تراجع أسعار النفط سيؤثر في القطاعات غير النفطية نتيجة الأزمة المالية العالمية وما نشأ عنها من شح في الائتمان وتقلص في السيولة، ما يدفع أكبر اقتصادات في دول الخليج مثل السعودية والإمارات والكويت باتجاه تسجيل تباطؤ حاد في معدلات النمو خلال 2009، وبنسب أقل من 1 و 1.5 و 1 في المئة على التوالي. إلى ذلك، سيتأثر الأردن، بشكل أو بآخر، بما ستواجهه تلك الدول وسط توقعات بتراجع استثمارات دول الخليج أو المساعدات المقدمة من قبلها، إضافة إلى حوالات عاملين أردنيين هناك. بيد أن الخبير الاقتصادي خالد الوزني يرى أن الحديث عن تراجع حاد في النمو لدرجة الكساد أمر مبالغ فيه، رغم أنه يقر بوجود تأثيرات تتمثل بتباطؤ في معدلات النمو ولن تمتد إلى أبعد من الربع الأول من العام 2009. وبيّن الوزني أن دولة مثل الأردن ستحقق نمواً حقيقياً خلال العام الجاري رغم أنه سيكون أقل من المتوقع ودون 6 في المئة، في حال بقيت أسعار النفط بحدود الأربعين دولارا للبرميل. أما إذا راوحت الأسعار ما بين 50 و70 دولارا، وهو ما يتوقعه، فلن تكون هنالك تأثيرات جوهرية على الاقتصاد الأردني. البنك الدولي في تقريره يرى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد شهدت أداءً جيداً في العام 2008، حيث لم يطرأ أي تغير على معدل النمو البالغ 5.8 في المائة في العام 2008، إلا أنه يعتبر أن الأرقام الإجمالية تخفي في ثناياها تقلبات كبيرة في أوضاع التجارة والحساب الجاري، ومتطلبات التمويل الخارجي. ومع تناقص إيرادات الدول المصدرة في العام 2009، من المتوقع أن يكون معدل النمو في المنطقة في حدود 3.9 في المائة في العام 2009. الخبير الاقتصادي إبراهيم سيف اتفق مع الوزني حول عدم حدوث ركود في العام 2009 بالمعنى الحقيقي، وإن كان يرى تباطؤا يلوح في الأفق. ثلاث جزئيات، فندها الوزني قد تكون لها علاقة مع انخفاض معدلات النمو في الخليج، حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي، وهو أكبر الاقتصاديات العربية، بنسبة تقل عن 1 في المئة، بينما ينتظر أن يتراجع نمو الناتج المحلي في دولة الإمارات إلى 1.5 في المئة. أولى الجزئيات هي إمكانية حدوث تراجع في تدفق الاستثمارات الخليجية إلى الأردن، حيث يرى أن ذلك أمر متوقع، لكن هنالك وجها مشرقا، يتمثل في أن الأردن ما زال مستقرا ماليا ونقديا، في ظل التغيرات الجذرية التي ستحدثها الأزمة العالمية في موازنات الدول الخليجية. أما سيف فاعتبر أنه في حال تأثر حجم الاستثمارات المتدفقة، فلن تكون الآثار جوهرية على اعتبار أن حجم الاستثمارات في الأردن لا يتجاوز بلايين محدودة من الدولارات وفي إطار مشاريع قائمة، مقارنة مع تأثر دول الخليج بما تستثمره الصناديق السيادية من تريليونات الدولارات في الأسواق العالمية. الثانية، تراجع متوقع في المساعدات المباشرة وغير المباشرة من دول الخليج للأردن، وهي ما اعتبرها الوزني ذات تأثيرات محدودة يمكن أن تحدث خللا في ميزان المدفوعات والموازنة، إلا أن بقاء أسعار النفط حول 40 دولارا، وهو ما يتوقعه سيف، سيساهم باستقرار موازين المدفوعات وتخفيف العبء عن كاهل الصناعة والمواطن. وفيما يتعلق بحوالات العاملين الأردنيين في الخارج يرى كل من الوزني وسيف أن الحديث عن تأثيراتها ما زال مبكرا، كونه لا يتوقع أن تتبلور مفاعيلها قبل 6 أشهر على الأقل، وهي الفترة الكافية لتظهر آثار عودة العديد من العاملين في دول الخليج، أو تراجع مداخيلهم. وبلغ إجمالي هذه التحويلات خلال الربع الثالث من العام 2008 نحو 1.73 بليون دينار، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي. وكانت التحويلات قد بلغت العام 2007 نحو 2434,8 مليون دينار، أي بزيادة مقدارها 390,5 مليون دينار محققة نموا نسبته 19,1 في المئة عن مستواه المسجل خلال العام 2006. ويقدر عدد الأردنيين العاملين في الخارج بنحو 400 ألف شخص، يعمل غالبيتهم في دول الخليج العربي. وهناك تخوف من إمكانية خسارة حوالي عشرة بالمائة من العاملين العرب في دول الخليج لوظائفهم وأعمالهم، وبالتالي هناك إمكانية أن يعود تدريجياً إلى كل من لبنان أو الأردن آلاف العمال، إضافةً إلى خمسة إلى عشرة آلاف متخرج جديد سوف يدخلون سوق العمل مع انتهاء العام الدراسي في شهر حزيران / يونيو المقبل، ومعظم هؤلاء أيضاً لن يستطيعوا الحصول على فرص عمل لهم في دول الخليج هذا العام. لذلك يتوقع أن يكون تأثير الأزمة المالية أكبر وأوضح في العام 2009، ولقد ظهرت بوادر ذلك في الركود الذي أصاب قطاعات العقارات والسفر والسياحة وصادرات المناطق الصناعية المؤهلة والتعدين والتجارة. لذا يتوقع أن يشهد العام 2009 تراجعاً في معدلات نمو الناتج المحلي في الدول العربية غير النفطية ليصل إلى حوالي نصف المعدلات التي كانت سائدة خلال السنوات القليلة الماضية. |
|
|||||||||||||