العدد 58 - دولي | ||||||||||||||
صلاح حزين بعد نحو شهرين على هجمات مومباي الإرهابية التي توجهت فيها أصابع المتهمين إلى متطرفين باكستانيين، وأسفرت عن مقتل 170 شخصاً، وصلت حرب الكلمات بين الجارتين اللدودتين: الهند وباكستان، ذروة جديدة بخطاب ألقاه رئيس وزراء الهند مانموهان سنغ، اتهم فيه باكستان بالضلوع في الهجمات التي احتل فيها المتطرفون الباكستانيون فندقين في المدينة الهندية، وقتلوا عدداً من الهنود والأجانب بينهم ستة أميركيين. هذه الاتهامات جعلت بعض المعلقين (الصحفي البريطاني من أصل باكستاني مصطفى قادري)، يتساءل عما إذا كانت حرب الكلمات هذه سوف تتصاعد لتتحول إلى حرب حقيقية بين البلدين. حرب الكلمات بين الهند وباكستان ليست جديدة، فهي بدأت والهجوم الإرهابي على الفندقين قائم، حتى قبل الكشف عن هوية المنفذين، لكنه بلغ ذروته بالاتهام الذي وجهه رئيس وزراء الهند لباكستان بالضلوع في العملية الإرهابية أخيرا، والذي تزامن بدوره مع ملف حول العملية يحمل وجهة نظر الهند فيها، سلمته الهند لباكستان أخيراً. سنغ برر اتهامه للهند بأن باكستان تريد وقف مسيرته التنموية التي وضعته بين دول العالم الواعدة، كدولة كبرى مع غريمتها الثانية والصديقة التقليدية لباكستان: الصين. أما سنده في الاتهام فكان أن الدقة التي خطط فيها للعملية والتي تم بها تنفيذها تشير إلى ضلوع ما أسماه سنغ "وكالات رسمية" باكستانية في العملية. هذا الاتهام الذي جاء بعد مرور كل هذه المدة على العملية، لم يقع موقعاً طيباً على باكستان التي رفضت الاتهام، مشيرة إلى أن باكستان الرسمية لا تملك سيطرة على ما تسميه الهند "الوكالات غير الحكومية"، وأنها على الرغم من ذلك قامت بإغلاق مقرات "جماعة الدعوة" وهي الواجهة السياسية لمجموعة "عسكر طيبة" المنظمة العسكرية التي تدعو إلى تحرير كشمير من "النير الهندي"، واعتقلت نحو 50 شخصاً في حملتها التي شنتها على المتطرفين في باكستان ،كبادرة حسن نية وتعاون مع الهند، وكذلك الولايات المتحدة التي يشارك منها ممثلون من مكتب الاتحاد الفدرالي الأميركي (إف بي آي) في التحقيقات الجارية في هذا الشأن. في هذا المجال، يمكن إيراد ملاحظة حول نقاط ضعف في كل من الموقفين الهندي والباكستاني. نقطة ضعف الموقف الهندي، تأتي من أن اتهاماتها لباكستان ليست دقيقة تماماً، وذلك رغم ما هو معروف من أن منظمات متطرفة مثل "عسكر طيبة" كانت تتمتع بدعم رسمي باكستاني خلال العقدين الماضيين، وبخاصة خلال حكم برويز مشرف، لكنها لا تستطيع أن توجه اتهاماً واضحاً بذلك للحكومة المدنية الحالية برئاسة آصف سرداري، والتي وقعت الهجمات خلال وجوده في السلطة. لكنها، أي الهند، مضطرة للتحرك وإبداء الاهتمام بالعملية التي هزت الهند عبر تصديها الحازم للإرهاب، حيث إن حزب المؤتمر الهندي الحاكم كان متهماً على الدوام بأنه غير حاسم في هذا المجال، وهو اتهام توجهه له أحزاب المعارضة الهندية، وبخاصة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يطمح للعودة إلى السلطة في الانتخابات التشريعية، التي ينتظر أن تجري خلال أشهر من الآن. وكي يثبت سنغ أنه جاد هذه المرة في تعقب الإرهاب، فقد حرك بعضاً من وحداته العسكرية إلى الحدود مع باكستان، التي قامت بدورها بتحريك قوة مقابلة لها، ما يجعل الحديث عن حرب محتملة بين البلدين قائماً، بخاصة أن البلدين خاضا مع بعضهما ثلاثة حروب حتى الآن؛ الأولى عام 1962، والتي انتهت بوفاه رئيس الهند آنذاك لال بهادور شاستري في الوساطة التي قام بها آنذاك الاتحاد السوفياتي، والثانية عام 1971، والتي أسفرت عن انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وتحولها إلى دول بنغلادش، في حين احتفظت باكستان الغربية بالاسم القديم، والثانية، والثالثة عام 2001. لكن الهند تعرف، مع ذلك، أن أي عمل عسكري تقوم به ضد باكستان يعني قيام انقلاب عسكري على الحكم المدني، وعودة البلاد إلى حكم العسكر الذي يتخذ، تقليدياً، موقفاً متشدداً من النزاع الهندي الباكستاني، وهذا ما لا تريده الهند التي ما زالت تدرس خيارات التصعيد، إذا ما تحولت الحرب الكلامية إلى حرب حقيقية بين البلدين. باكستان، في المقابل، تشعر بضعف موقفها بسبب عدد من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها، فهي تعرف تماما بأن الإرهابيين الذين نفذوا عملية مومباي هم باكستانيون، حتى أن وكيل وزارة الداخلية الباكستاني حاول أن يدعي بأن محمد أجمل قصب، وهو الناجي الوحيد من المنفذين العشرة لهجوم مومباي والمعتقل في الهند الآن حيث يخضع للتحقيق، "ليس باكستانياً تماماً" بحسب تعبيره، ولكن سعيد شاه الصحفي البريطاني من أصل هندي، أكد في تقرير له من باكستان نشرته صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية، أنه باكستاني، باعتراف أسرته التي قابلها الصحفي. ويزيد من ضعف موقف رئيس الوزراء الباكستاني، الذي يحكم تحت رقابة قوية من المؤسسة العسكرية من جهة والمؤسسة الأمنية من جهة أخرى، أن باكستان بلد يحتوي عدداً من بؤر الإرهاب، وأنه يتعرض إلى ضغوط قوية من جانب الولايات المتحدة، وكذلك من جانب الصين والسعودية، وهي الدول الثلاث الأكثر تأثيرا عليه، ببذل مزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب وتفكيك بناه التحتية، بخاصة أن الهند قد دخلت على الخط بقوة بوصفها بلداً مستقراً وقوياً ويلعب دوراً مهماً في إطار مكافحة الإرهاب على المستوى العالمي، وبخاصة بعد أن تحسنت علاقاته مع الولايات المتحدة بعد شنها الحرب على أفغانستان لإسقاط حكم طالبان في العام 2001. هذه الحقائق جميعا تجعل من الموقف على صعيد العلاقات الهندية الباكستانية، بامتداداتها الإقليمية والدولية، موقفاً قابلاً للانفجار بين البلدين في أي لحظة، لكن انفجار الموقف قد تترتب عليه عواقب خطيرة، فالبلدان تتمتعان بقدرات نووية في نهاية الأمر، ولكن حتى اشتباكات محدودة مثل تلك التي جرت عام 2001، أو عام 1962، أو حتى حرب شاملة مثل تلك التي جرت بينهما عام 1971، لن تكون أمراً سهلاً على الطرفين، وكذلك على عالم أصبح فيه مكافحة الإرهاب جزء من أجندته السياسية، وربما كان هذا تحديداً سبب تدخل الولايات المتحدة بقوة على خطة المواجهة بين حليفتها التقليدية، رغم أنها تعاني من مشاكل داخلية لها انعكاساتها على الخطة الأميركية في مكافحة الإرهاب: باكستان، وبين صديقتها الجديدة وداعمتها في هذا المجال: الهند. |
|
|||||||||||||