العدد 58 - أردني
 

السّجل - خاص

حين انتهى اجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، سئل رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم آل ثاني عن رأيه بالنتائج، وأهمها إرسال وفد وزاري برئاسة الرئيس محمود عباس إلى مجلس الأمن، فأجاب أنها لا ترضيه كمواطن عربي، غير أنه لم يكن ممكنا الخروج بأفضل منها. كانت الدوحة ترغب بأن يتبنى الاجتماع عقد قمة عربية طارئة، تجاوبت معها دول منها سورية واليمن والسودان والجزائر، ولم تمانع أخرى إذا تم التوافق مبدئيا على قراراتها. وبدا أن عدم حماسة مصر والسعودية للفكرة لن يجعلها تتحقق، كما أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي لم يساندوها في مؤتمرهم الذي عقدوه في مسقط الأسبوع الماضي.

في العام 2006 دخلت قطر على خط الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان وحزب الله، فسيرت طائرة الى مطار رفيق الحريري (مطار بيروت)، وكسرت الحظر الإسرائيلي على استخدام المطار آنذاك، مستفيدة من علاقات غير دبلوماسية نسجتها الدوحة مع تل أبيب منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو الفلسطيني ـ الإسرائيلي. كما زار أمير دولة قطر الضاحية الجنوبية للعاصمة التي تقع تحت سيطرة حزب الله ما أن سرى اتفاق وقف إطلاق النار في 15 آب/أغسطس من العام نفسه، فيما اعتبر سابقة ومبادرة لا نظير لها على المستوى الرسمي العربي.

يتكرر المشهد مع الحرب الجارية على غزة. فمع اشتداد العدوان جواً وبراً، وارتفاع أعداد الشهداء والجرحى، ومع الخيبة غير المفاجئة من أداء مجلس الأمن، جدّد أمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني الأحد الماضي دعوته للقمة، في خطاب يعدّ مختلفاً عما لوحظ في عواصم عربية من تردد وغموض ولغة دفاعية. ومن دون أن يؤشر إلى أيّ قرارات يمكن الخروج بها من القمة، قال الأمير إنه في حال توفر الإرادة، يمكن أن يتخذ العرب قرارات مؤثرة على الساحة الدولية وعلى إسرائيل. وبدا شديد الوضوح في دعم مطلب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو أن وقف إطلاق النار الذي تجهد التحركات السياسية لتحقيقه يجب أن يشمل رفع الحصار وفتح جميع المعابر. بذلك، تتأكد رؤية الدوحة السياسية التي لم تجهر بمثل وضوحهاأيُّ عاصمة عربية. ولم يُغفل الخطاب الذي أثنت عليه حماس، وتبّنى وصف حرب الإبادة، ووصف الحصار المتواصل على أهل غزة بأنه غير إنساني وغير قانوني، وسببه أن الشعب الفلسطيني تعامل مع الديمقراطية بجدّ، وقرر خياراته، لكن دون إشارة إلى «الحسم العسكري» الذي نفذته حماس في غزة حزيران 2007، الذي أوقف المسار الديمقراطي والتوحيدي، كما خلا الخطاب من التلويح بخطوة أو مبادرة عملية وضاغطة على إسرائيل والولايات المتحدة تكون فاعلة ومؤثرة باتجاه مراجعة تل أبيب وواشنطن انحيازهما للعنف العسكري حلاً مع حماس، وهو ما يتطلع إليه الرأي العام العربي من القمة التي تتحمس الدوحة لعقدها وربما استضافتها، فتشكل رصيدا لها، إذا أصدرت قرارات دعم فعلي لشعب فلسطين في محنته الراهنة في غزة، وإذا نجحت في التخفيف من وطأة الاصطفافات والخلافات العربية غير الخافية، التي من جديدها التباعد الطارىء بين الدوحة والقاهرة. ولا يخفى مغزى التلميح في دعوة أمير قطر إلى وجوب أن تصل المساعدات إلى قطاع غزة مباشرة، بما يزكي استياء كشفت عنه انفرادات إخبارية في قناة «الجزيرة» عن بقاء ثلاث طائرات إغاثة قطرية أياما في مطار العريش قبل إفراغها ونقل حمولاتها إلى داخل القطاع، وكذلك عن عدول الدوحة عن إرسال مستشفى ميداني جهزته لعدم تمكين السلطات المصرية له من الدخول والعمل. عدا عن تصريحات مسؤولين قطريين عن «عرقلة» القاهرة وصول المساعدات، وبطء إجراءاتها الروتينية. يُضاف إلى هذا إبراز الجزيرة ووسائل إعلام قطرية أخرى آراء خبراء وقانونيين عن «عدم مشروعية قانونية وسياسية» إغلاق معبر رفح.

تسعى الدوحة إلى أن يكون لها موقع متقدم في النشاط السياسي العربي والدولي، وفي العمل الإغاثي والإنساني في المحنة الجارية في غزة، وتتطلع لإنجاح المصالحة الفلسطينية بعد جلاء غبار العدوان وتبيان نتائجه الميدانية، ومسوّغها في ذلك أنها على تواصل جيّد مع حماس وزعمائها المقيمين في دمشق، وأحيانا في العاصمة القطرية، كما مع أركان السلطة الفلسطينية في رام الله، وأن السعودية قامت بما تستطيعه في اتفاق مكة، وأن القاهرة أخفقت.

بانتظار تفحص آثار العدوان، تسعى قطر، بقدر ملحوظ من النجاح، لتعزيز مكانتها، هي التي حاولت قبل اتفاق مكة، في زيارات إلى رام الله وغزة، قام بها رئيس الوزراء حمد بن جاسم. علماً أن استنكاف القاهرة عن مبادرات في الأزمات العربية، في لبنان ودارفور مثلا، جعل لمبادرات قطرية بديلة مكاناً لها في غير مسألة، منها ما يجري في غزة.

قطر: ابتعاد عن مصر واقتراب متزايد من حماس
 
08-Jan-2009
 
العدد 58