العدد 58 - أردني
 

محجوب الزويري

عادت دوائر السياسة للعمل في العالم كله بعد إجازة رأس السنة الميلادية، حراك دبلوماسي أوروبي بدأ الاثنين 5 كانون الثاني/ يناير 2009 لوقف عدوان إسرائيل على غزة؛ حراك سبقته مساعٍ إقليمية غير ناجحة، كانت أسيرة تجاذبات سياسية واتهامات متبادلة سيطرت عليها سياسة المحاور بين معتدل وممانع دون أن تلتفت للدم الغزي، ولا تتذكر حقيقة عظيمة هي أن هناك احتلالاً لا يراعي إلاً ولا ذمة.

مجلس الجامعة العربية، عبر وزراء الخارجية العرب، خرج بنتيجة إرسال الملف إلى مجلس الأمن للحصول على قرار أممي مع أن تجارب سابقة أظهرت أن واشنطن لن تسمح بإدانة إسرائيل، أو أنها، على الأقل، قد تسمح بإدانة للطرفين؛ حماس وإسرائيل. وأكثر من ذلك، كشف اجتماع وزراء الخارجية العرب عن انقسام كبير، كما هي العادة في المواقف العربية، وبدا واضحا أن قطر وسورية واليمن مع عقد مؤتمر قمة عربي طارئ، في حين تحفظت كل من مصر والسعودية والأردن؛ مواقف أعادت القضية إلى مربعها الأول حيث الحكومات العربية مختلفة في نظرتها إلى إسرائيل، وهو اختلاف، يتجاوز مسألة توقيع معاهدة سلام، إلى خلل في تعريف مفهوم التهديد ومصدره. ما يحدث هو أن الدول العربية تفتقر إلى إجماع على أن إسرائيل هي قوة احتلال وأنها مصدر تهديد، لذلك نرى دائما أن هذا الخلل ما يلبث أن يعود من خلال تباين المواقف العربية.

حالة الانقسام العربية وتعزيز صورة المعسكرين تبدو تكرارا لحالة حرب تموز/يوليو 2006، لكنه هذه المرة أقل حدة من حيث لوم حماس. كما سبق وأشير، فإن قطر وسورية بدتا متحمستين لعقد القمة العربية الطارئة، لكن هذا الأمر يبدو أنه لم يلق تشجيعا من مصر والسعودية والأردن. التركيز على الدور المصري جعل مصر تبدو وكأنها المعارض الرئيسي لعقد القمة، لا سيما أن هناك انتقادات متزايدة للدور المصري لعدم فتح معبر رفح، ولما يقال عن عدم قيام مصر بوساطة نزيهة بين حماس وإسرائيل.

في هذا السياق يبدو أن مصر قلقة من الدور القطري والسوري وذلك لانفتاح البلدين على إيران، بل وترحيبهما بدور إيراني لوقف العدوان على غزة. هذه العلاقة مع إيران لا تلقى ارتياح مصريا، لا سيما وأن هناك توترا كبيرا في العلاقات بين طهران والقاهرة خلال الفترة الأخيرة بسبب الانتقادات الإيرانية المباشرة لمصر وسياستها تجاه غزة، الأمر الذي انعكس في حرب إعلامية معلنة بين البلدين، انعكست بدورها على حماس باعتبار أنها، وفق بعض النخب السياسية المصرية والعربية، تقوم بتنفيذ أجندة إيرانية في المنطقة العربية.

من جهة أخرى هناك قلق مصري من سياسة قطر تجاه إيران، والتي تبدو أقل تشددا، إذ دعت قطر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور قمة قادة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة العام 2007، كما أنها لم تشارك في حملة القلق من سياسة إيران الإقليمية. قطر أيضا رعت اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية، والذي يبدو أن الدوحة استعانت للتوصل إليه بإيران لضمان إتمام المصالحة اللبنانية، وقطر أبدت موقفا متباينا مع الموقف المصري من حرب إسرائيل على لبنان في صيف 2006، حيث لم تحمل قطر على حزب الله كما فعلت مصر ولم تحمله مسؤولية الحرب. قطر كذلك بدت داعمة لنتيجة الانتخابات الفلسطينية في شباط/ فبراير 2006، باعتبار أن نتيجة الانتخابات أنما هي خيار الشعب الفلسطيني، في هذا السياق يبدو أن مصر غير راضية عن هذا الموقف القطري الذي يفهم بأنه مساندة لحماس كفصيل فلسطيني.

في هذا السياق فإن موقف قطر من حماس ربما يعكس عدم وجود قناعة لدى قطر بأداء السلطة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، وهو الأمر الذي يتعارض مع السياسة المصرية التي ترى أن منظمة التحرير وفتح هما الخيار الشرعي للشعب الفلسطيني.

هذا كله يأخذنا إلى الخلل في تعريف الدول العربية لما هو التهديد. هذا الخلل ما لم يتم التعامل معه بوضوح، سوف يبقي يدفع بالتجاذبات العربية إلى مراحل من الخصومة السياسية. في هذا السياق يبدو واضحا أن الدبلوماسية الإيرانية ستكون محدودة التأثير باعتبار أن من يتولون الجهد الدبلوماسي مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي يعملون من خلال مصر، ومصر لا يبدو أنها ترحب بدور إيراني طالما أنها أبقت الباب مفتوحا مع حماس حتى في ظل عدم ارتياح كل طرف لأداء الآخر.

بقاء الدبلوماسية أسيرة التجاذبات والاختلافات العربية دفع بقوة إلى تدخل لاعبين إقليميين آخرين هما: تركيا وإيران. تركيا بدأت تحركها دون الالتفات إلى حالة الانقسام العربي بين معتدل وبين ممانع، فزار رئيس وزرائها سورية(معسكر الممانعة وفق التعريف السياسي الموجود الآن)، كما زار الأردن ومصر والسعودية (معسكر الاعتدال). وكذلك جرى تواصل مع قطر. هذا الحراك التركي يبدو أنه مدفوع بأمرين مهمين:

الأول، هو الشعور بالإهانة التي وجهتها إسرائيل لتركيا ووساطتها التي تقوم بها في ما يتعلق في سورية. تركيا ترى إن ما تقوم به هو استكمال لما يسمى مسيرة السلام التي بدأت العام 1991 في مدريد، وبالتالي فإن قيام إسرائيل بالعدوان على غزة بعد أسبوع من زيارة رئيس الوزراء المنتهية ولايته إيهود أولمرت. في هذا السياق فإن رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته اللذين قادا جهد الوساطة بين سورية وإسرائيل وحققا تقدما كبيرا، وجدا أن عدوان إسرائيل سيؤثر في وساطتهما، وهو الأمر الذي حدث، إذ أوقفت سورية كل اتصالاتها مع إسرائيل، وبالتالي هناك خشية من عودة أي مفاوضات في المستقبل إلى المربع الأول.

الثاني: تركيا تقدم نفسها كوسيط بلا أجندة سياسية إقليمية، كما يقال حول إيران؛ وسيط مقبول من الجميع، لكنه في الوقت نفسه يجني ثمار هذه الوساطة والدور الذي يقوم به. نالت تركيا شهادة تقدير على تلك الدبلوماسية عندما صوتت الجمعية العامة لصالح انضمام تركيا لأوروبا كعضو مؤقت في مجلس الأمن ضمن مجموعة الدول ال11. الدبلوماسية التركية أيضا سيكون لها انعكاسها على طلب عضويتها في الاتحاد الأوروبي، لا سيما وأن هذه الدبلوماسية النشطة لقيت إعجاب كثير من الدول الأوروبية التي تبدو مطمئنة للدور التركي في الشرق الأوسط. تركيا تعلم أيضا الحرص الإسرائيلي على العلاقة مع أنقرة، لأن الاستراتيجية الإسرائيلية، منذ أن تأسست الدولة العبرية، كانت دائما تركز على علاقاتها مع دول شرق أوسطية خارج الدائرة العربية، ويزداد هذا الحرص في ظل حالة العداء الإيرانية الإسرائيلية.

الحراك الدبلوماسي لإيقاف عدوان الدولة العبرية على غزة يبدو بطيئا بالنظر لفعل آلة الحرب الإسرائيلية، لكن هذا البطء والتأخر في ظهور نتائج هذه الدبلوماسية إنما يدفع إلى حالة من إعادة الفرز السياسي في المنطقة. تلك الحالة التي من شأنها أن تضعف القوى الداخلية العربية وتفتح المجال للتدخلات الخارجية، الأمر الذي يبدو أنه مرشح للتزايد إذا ما استمر العرب في حالة الاختلاف هذه.

الحراك الدبلوماسي والعدوان على غزة: انقسام عربي، تراجع إيراني وتقدم تركي
 
08-Jan-2009
 
العدد 58