العدد 58 - أردني
 

عدي الريماوي

يترقب حوالي 120 ألف مواطن من قطاع غزة يعيشون في الأردن، ما يحدث من الحرب الدائرة على القطاع بكثير من القلق والحزن، ومع الأوضاع المتردية التي تشهدها غزة والمدن المجاورة لها، يعاني الغزيون في الأردن أوضاعاً صعبةً كذلك، تظهر في مختلف جوانب الحياة، إلى ظروف معيشية تفتقر إلى "أبسط مقومات العيش"، كما يذكر لنا أهالي المخيمات التي يقطنها هؤلاء.

"مخيم غزة" الذي يقع على مشارف مدينة جرش، والذي سمي بهذا الاسم لأن معظم سكانه، والبالغ عددهم 20 ألف نسمة، من أهالي القطاع، وهم يقيمون في مخيم لا تتعدى مساحته 750 مترا مربعا، أي أقل من 1 كم، بحيث يصبح هذا المخيم صورة مصغرة عن قطاع غزة الذي يتميز بكثافة سكنية هي الأعلى في العالم. وتبلغ 26400 مواطن لكل كم مربع. ويرزح معظم سكان المخيم تحت خط الفقر؛ هذا الفقر وذلك البؤس والإنهاك الذي لازمهم طوال فترة وجودهم فيه، بدا وكأنه استقر على وجوه الساكنين. فمن العربات التي تجرها الحمير، إلى وعورة الطريق، والمحال البسيطة التي تضم أبسط المواد التموينية؛ إنها الحياة بأبسط معانيها.

منال الغانم، تعمل في مكتب تنمية المجتمع المحلي التابع للـ"أونروا" في المخيم، تقول عن المكتب الذي تأسس منذ حوالي سنة، إنه يعمل على رفع المستوى المعيشي لأهالي المخيم، من خلال عدة مشاريع، مثل التدريب المهني والتوجيه الوظيفي والبعثات الدراسية، إلى تحسين المستوى التعليمي للشباب، "حتى يقوموا بدورهم الطبيعي في العمل والتنمية" كما تقول. ويعد هذا المكتب جزءاً من مشروع للاتحاد الأوروبي، الذي يلاقي، بحسب الغانم، تجاوباً كبيراً من قبل أهالي المخيم، وخصوصاً فئة الشباب من داخل المخيم، ومتطوعين من الخارج قرروا التعاون مع سكان المخيم بعدما لمسوا المعاناة التي يمر بها أهالي هذه المنطقة. وتؤكد منال أن عدد المتطوعين في مخيم غزة هو الأعلى بين باقي المخيمات. ويقومون بأعمال مختلفة مثل إعطاء الدورات البسيطة، والمشاركة في تنظيم المشاريع التي يعمل عليها المكتب. "لقد عملنا من خلال هذا المكتب على التواصل المباشر مع الناس، والعمل على تفهم احتياجاتهم ومطالبهم. عمل وكالة الغوث كان في البداية مقتصراً على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، ولكننا عملنا على تحسين هذه الخدمات وتقريبها من حاجات المجتمع". وتذكر بأن هذه الخدمات لا تتوافر في مخيمات أخرى، وربما يرجع هذا الأمر إلى الأوضاع الصعبة لأهالي المخيم، التي تعد أصعب من باقي المخيمات.

يتحدث أهالي المخيم، بحرقة عند ذكر أهاليهم في القطاع، والاطمئنان على أحوالهم الصعبة ومعاناتهم جراء القصف المستمر عليهم، يقول أبو سامر، الذي يسكن المخيم منذ ثلاثين عاماً، في حين يسكن أخوته وأقاربه في القطاع، "بنحكي معهم تلفونات، في اليوم مرتين وثلاث، معنوياتهم مرتفعة والحمد لله .. ما بقولوا غير الحمد لله". في حين يشير أبو الحارث إلى أن الأهل في غزة قد وصلوا إلى درجة مرتفعة من اليأس والوحدة، فعندما كلم أخته في الهاتف قالت له "ما بدنا أكل ولا شرب من حدا، الله بغنينا عن الجميع". ولكنه عندما يتحدث مع أخته وأطفالها في غزة ينصحها بالاختباء "لما تخافي لمّي ولادك، وتخبي في قرنة بطرف الغرفة، بلاش يجيكوا حاجة من القصف"، ويؤكد أنه يرتعب كلما يرن هاتفه، خوفاً من أن تكون المكالمة "بشارة" باستشهاد أحد أقاربه هناك. وتجوب المخيم سيارات "بكب" تجمع التبرعات من أهالي قطاع غزة، الذين يحتاجون هم أنفسهم إلى التبرعات. قبل أسبوع أقيم في المخيم "عرس" لأحد سكانه الذي استشهد في القطاع، أمّه معظم السكان واستمر ثلاثة أيام.

حافظ عليان، شاعر وصحفي يسكن على مشارف المخيم، يقول إن ما يحدث في القطاع هو مخطط لإبادة الشعب الفلسطيني، "تأتي هذه الهجمة كجزء من هذا المخطط، أكثر منها رداً عسكرياً دفاعياً كما يدّعي العدو، وأكثر منه أيضاً رداً سياسياً يستهدف حركة حماس، المسألة بوضوح تتعلق بمجازر ترتكب ضد المدنيين من السكان الآمنين، وهذا يحتاج حملة إعلامية حقيقية على مستوى العالم لكشف هذا المخطط". عليان يرى أنه بعد هذه الحرب البشعة "تسعى إسرائيل لترك القطاع مفرغاً من أي حركة سياسية، وإعادته في النهاية إلى مصر"، ويؤكد أنه وجميع أهالي المخيم يرفعون شعاراً موحداً "إما العودة وإما العودة".

ويترقب باقي سكان غزة الذين يسكنون في مناطق متفرقة من عمان، ومعظمهم في عمان الشرقية، ما يجري في القطاع بخوف وقلق، فهم على اتصال يومي بأهاليهم هناك، ويسعون على الدوام لمعرفة أخبارهم. سليم شاهين، أحد اللاجئين إلى غزة، يقول إن المصدر الأساسي للمعلومات عن أهالي القطاع هي القنوات الفضائية، "بنحكي معهم كل يوم على التلفون، ومرات عبر الإنترنت، ما بنصدق يلقط معنا الخط، أوضاعهم صعبة والله يعينهم". ويؤكد شاهين أن إسرائيل تترصد جميع الفلسطينيين "القصة مش قصة فتح ولا حماس، عدونا بيحاول يبيدنا بأي طريقة، القصف على غزة ما بفرق بين مقاتل ومدني، ولا بين رجل وطفل، إسرائيل تقصف في كل مكان حتى المساجد والوزارات".

مدير شرطة سابق في غزة، فضل عدم ذكر اسمه، يقول إنه لا يجوز تحميل حركة حماس أي مسؤولية بما حدث، "حماس ظاهرة شعبية كحركة فتح، ولكنها التزمت بقضية مقاومة المحتل، وتعمل على إخراج جيل قادر على المقاومة، وإسرائيل تعمل على استهداف كل من يحاول مقاومتها". ويضيف أن ما يجري في غزة هو جريمة بحق البشرية، والعالم كله عاجز عن إيقاف هذا العدوان "إسرائيل صاحبة القرار وهي تسيطر على كل شيء، ودولة بلا قيم ولا أخلاق، فالصهيونية قائمة على إلغاء الآخر، وتعمل على إبادة الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال". ومدير الشرطة "اللواء" خرج من غزة في 2006، في زيارة إلى الأردن، ورافقت زيارته تردي الأوضاع في القطاع، وسيطرة حماس على الأجهزة الأمنية هناك، ما منعه من العودة، "لن أعود لغزة حتى ولو تحسنت الأوضاع، أنا من الرملة، فأنا لاجئ في غزة وأنا هنا لاجئ .. لن أعود إلا لقريتي ومكاني".

“إما العودة أو العودة”: الغزيون في الأردن: تبرعوا لدعم القطاع رغم حاجتهم لمن يتبرع لهم
 
08-Jan-2009
 
العدد 58