العدد 58 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة
ثلاثة آلاف شخص تجمعوا ليلة رأس السنة الميلادية في شارع الأعمدة وسط عمان تضامنا مع أهل غزة. الفكرة بدأها محمد المصري، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، والذي أرسل رسالة قصيرة على الهاتف النقال، إلى مجموعة كبيرة من أصدقائه ومعارفه، الذين قاموا بدورهم بإرسالها إلى أصدقائهم وهكذا. هدف الرسالة كان جمع الناس في لحظة يستقبل فيها العالم عاما جديدا بالألعاب النارية، ليقفوا وقفة تضامن مع أهل غزة الذين استقبلوا عامهم الجديد بألعاب نارية، ولكن من نوع مختلف. طارق زريقات، أحد الذين اشتركوا في الاعتصام علّق على هذا التجاوب غير المتوقع بقوله: «إذا تمكنت من جمع ثلاثة آلاف شخص مع أطفالهم في ليلة قارسة البرد برسالة على الموبايل، فلماذا إذن تشكو الأحزاب والتنظيمات الأخرى من ضعف قواعدها الشعبية؟» ما كشفته أحداث غزة أن الأحزاب والنقابات، لم تكن بالضرورة هي الجهات الوحيدة الفاعلة على ساحة التضامن مع أهل غزة، ربما كانت هي الجهات الوحيدة التي حرصت على الترويج لنفسها، فملأت بأعلامها ويافطاتها وهتافاتها واجهات وسائل الإعلام، ولكن كان هناك كثير من الأفراد والجماعات الذين عملوا في الخفاء، فقاموا بمبادرات فردية استثمروا فيها علاقاتهم الشخصية وإمكانياتهم المحدودة؛ أشخاص لا ينتمون إلى أي تيارات سياسية أو تنظيمات حزبية، فلم يكن لديهم بالتالي خطاب يسعون إلى فرضه ولا برامج صارمة تسير التظاهرات وفقها، وبحسب المصري فإن «هناك من بدأ الفكرة، ولكن كل الذين جاءوا كانوا شركاء فيها، ونفذوها كل بطريقته». هذه الفكرة عبرت عنها ميري نزال بطاينة، محامية وتحمل دكتوراه في حقوق الإنسان. لقد جمعت ميري عن طريق الموبايل والفيس بوك ما يقارب الألف شخص ثالث أيام العدوان في شارع الثقافة في الشميساني، وقامت هي، مع مجموعة من أصدقائها، بتوزيع يافطات بيضاء وأقلام تخطيط وأصباغ على الحاضرين. ميري التي تحملت كامل التكاليف، رفضت فرض أي نوع من الوصاية على الشعارات المكتوبة: «كان الناس يأتون ويسألوننا ماذا نكتب؟ وكنا نقول لهم اكتبوا ما في قلوبكم. والملاحظ أنه لم تكن هناك أي شعارات ذات توجهات حزبية». اعتصام الرابية كان أيضا واحدا من هذه المبادرات الخارجة عن أطر الأحزاب والتنظيمات النقابية، فقد كانت نواته الأساسية مجموعة من الشباب والشابات، طلاب جامعات وموظفون شاركوا في مسيرة كبيرة خرجت في اليوم الثاني للعدوان متجهة إلى مبنى السفارة الإسرائيلية، ولكن رجال الأمن أوقفوا المتظاهرين في منطقة مسجد الكالوتي ومنعوهم من التقدم، فنصب هؤلاء خيمة في أرض فضاء خلف المسجد، وأعلنوا اعتصاما مفتوحا محددين مجموعة من المطالب منها: وقف العدوان على غزة وفك الحصار عنها وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. الاعتصام نواته مئة شخص تقريبا، ولكنهم يستقبلون متضامنين يوميا يصل عددهم في ساعات المساء إلى نحو ألف شخص. ويحظى الاعتصام بكثير من الدعم، فقد زارته شخصيات سياسية مثل: توجان فيصل، ممدوح العبادي، خليل عطية ومحمد الرشدان، إضافة إلى الدعم الذي يقدمه جيران الخيمة من سكان الرابية، الذين يزودونهم بالطعام والشراب والأغطية والكهرباء والغاز والحطب. الاعتصام سلمي، لذا، لم تحدث أي صدامات مع رجال الأمن، باستثناء ما حدث يوم الثاني من كانون الثاني/يناير كما أسلفنا، والذي كان بحسب محمد المحسيري، أحد المعتصمين، مجرد «سوء تفاهم»، فقد خرجت تظاهرة من مسجد الكالوتي بعد صلاة الجمعة، وبدأ بعض الشباب فيها أعمال شغب اشتبكوا على إثرها مع رجال الأمن، ففر هؤلاء الشباب إلى الخيمة، ومنها بدأوا في رشق رجال الأمن بالحجارة، فقام رجال الأمن بدورهم بمهاجمة الموقع وهدم الخيمة، ولكن الأمور سويت بعدها وأعيد نصب الخيمة. اعتصام الرابية كان أوفر حظا من غيره، فهو حظي ببعض التغطية الإعلامية، وربما كان هذا سببا لأن تكون هناك محاولات من قبل بعض الأحزاب لتجييره لصالحهم. فبحسب طالب الخمايسة، أحد المشاركين فيه، فإن الإخوان المسلمين حاولوا إقناعهم برفع أعلام الحزب والهتاف لحماس، ولكنهم رفضوا. ساندرا ماضي، إحدى المعتصمات أكدت أن مجموعة اليسار الاجتماعي بذلت محاولة مشابهة لم تكن أنجح من سابقتها: «كان مبدؤنا واضحا من البداية، هو أننا لا نريد لهذه التظاهرة أن تأخذ طابعا حزبيا معينا، ولكن تلك الجماعات رفضت ذلك، وكانوا يطرحون أنفسهم في الإعلام بصفتهم من صنع الاعتصام، وعندما رفض المعتصمون ذلك انسحبوا». السؤال هو: هل هناك تأثير حقيقي لتظاهرات مثل هذه؟ نزال ليست متأكدة من تأثيرها على سياسة الحكومة، ولكنها متأكدة من أن تظاهرات مثل هذه «تقول للصهاينة إنهم غير مرحب بهم في البلاد العربية وأن عليهم أن يغادروا». أما المصري، فإنه يرى لها تأثيرا كبيرا، فعدا عن أنها تكشف بوضوح أن قضية فلسطين ما زالت هاجسا لدى الشعوب العربية، رغم أن الفلسطينيين هم من يدفع الثمن، فإن هذه التظاهرات تحقق هدفا آخر ثمينا: «إنها تكرس قيمة العمل التطوعي لدى الناس، وهي تكرسه ضمن شروط الفكر المستنير، فتجدهم شبابا وفتيات يعملون جنبا إلى جنب دون هاجس الفصل بين الجنسين، وأشخاص من أصول مختلفة دون هاجس الإقليمية». المبادرات لم تقتصر على الاعتصامات والتظاهر، بل تعدتها إلى حملات لجمع التبرعات، مثل الحملة التي قامت بها مجموعة من الشباب والفتيات هم مجموعة من المدونين، ويمتلك هؤلاء مدونة مشتركة اسمها (حبر). المجموعة مكونة من خمسة أشخاص هم: مريم أبو عدس ولينا عجيلات و نسيم طراونة و شادن عبد الرحمن و رمزي تسدل. قامت المجموعة بإعلان حملة لجمع التبرعات، حددوا لها يوم 30 من كانون الأول/ديسمبر 2008، لمدة ساعتين في موقع محدد في الدوار السابع، ولكن الحملة التي كان يفترض أن تستمر ساعتين استمرت ستة أيام، حتى ساعة كتابة التقرير، فقد فوجئ هؤلاء بالكم الهائل من المساعدات العينية التي بلغت في اليوم الخامس 40 طنا. ولأنهم كانوا عاجزين عن التعامل معها، فقد أعلنوا في موقعهم عن حاجتهم إلى متطوعين، وكان يتوافد عليهم يوميا بين 150 و 250 شابا وفتاة يعينون في عمليات فرز المساعدات وتغليفها. المجموعة استعانت بشركة أرامكس، التي وفرت لهم، وعلى امتداد هذه الأيام، مستودعا مجانيا، وقامت بعملية نقل البضائع من موقع الحملة وإليه، وقامت أيضا بتوفير موظفين يدربون المتطوعين على عمليات الفرز والتغليف المرهقة. وهي مرهقة لأن السلطات الإسرائيلية وضعت شروطا قاسية لإدخال التبرعات، فمنعت دخول السوائل واللحوم المعلبة والملابس المستعملة، كما أنها منعت إدخال أي بضائع من منشأ سوري أو سوداني أو ليبي أو عراقي. هالة أبو الرب، أم لخمسة أبناء تراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والتاسعة والعشرين، عملت هي وأولادها الخمسة طوال أيام العدوان في جمع التبرعات العينية من محال السوبر ماركت والملابس والصيدليات. المصري يقول إن نجاح مبادرات كهذه يقود إلى مبادرات أخرى، وهذا صحيح، فهناك مجموعة من الشباب والشابات يعملون في مشروع تسجيل رسائل فيديو وتوجيهها إلى قيادات عالمية مثل أوباما وبراون وساركوزي. وبحسب سلوى الشخشير، إحدى العاملات في المشروع، فإن المجموعة ستقوم، وبجهود ذاتية، بتسجيل مجموعة من رسائل الفيديو لا تتجاوز الدقيقة، لأردنيين يمثلون مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية. وسيكون هدف هذه الرسائل عرض وجهة النظر العربية فيما يحدث في غزة. |
|
|||||||||||||