وفاء يوسف

القدس - من المبكر استخلاص نتائج  الهجوم البري الإسرائيلي على قطاع غزة  بعد سبعة أيام من القصف الجوي وقتل نحو ستمائة فلسطيني، ورغم من أن حماس سارعت إلى إعلان النصر بعد ساعة فقط من بدء الحرب البرية  وإعلان إسرائيل عن مقتل جندي إسرائيلي.

في هذا الوقت أكد القادة الإسرائيليون أن الحرب سوف تستمر حتى تحقيق أهدافها المتمثلة في إضعاف حماس، وتلقينها درسا، ومنعها من إطلاق الصواريخ على إسرائيل.

ولكن المعركة، أيا كانت نتائجها وبغض النظر عن انتصار أي من الطرفين، فقد بات المشروع الوطني الفلسطيني برمته في مأزق كبير، حيث إن المشروع التفاوضي لم يحقق أية نتائج، فيما المشروع الإسلامي أدخل الفلسطينيين في نزاعات وأحدث شروخاً  لا سابق لها في تاريخ العمل الفلسطيني الحديث، وفشل الفلسطينيون في إيجاد بديل لأي من هذين المشروعين المتناقضين، والسؤال المطروح الآن هو: ماذا بعد الحرب؟

لقد أعادت الحرب التي تشنها إسرائيل الدبابات الإسرائيلية إلى قطاع غزة وقسمته كما كان عليه الوضع قبل انسحابها من جانب واحد سنة 2005، بالإضافة إلى أن التواجد العسكري الآن بات على طول ممر فيلادلفيا – على الحدود بين مصر وقطاع غزة - حيث لم تعد المطالبة الفلسطينية بوقف إطلاق النار الآن كافية، فهناك تواجد عسكري إسرائيلي قد لا ينتهي  حتى بعد وقف إطلاق النار.

لقد أعلنت إسرائيل أكثر من مرة أن هدفها ليس إعادة احتلال قطاع غزة، وإنما إضعاف حركة حماس وليس سحقها، وإيجاد قوة ردع إسرائيلية تمنع إطلاق الصواريخ، والحصول على ضمانات دولية لتثبيت ترتيبات أمنية جديدة على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، لمنع تهريب الأسلحة عبر الأنفاق إلى القطاع. ويرى المحللون الفلسطينيون أن مصلحة إسرائيل هي الإبقاء على سلطة ضعيفة برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية، ونظام ضعيف في قطاع غزة، وبالتالي ترسيخ الانقسام الفلسطيني.

ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن في إمكانهم تحقيق  أهدافهم في ظل التمزق الفلسطيني والضعف العربي، والانقسام الأوروبي والدعم الأميركي، ومع ازدياد عدد الخسائر في الجانب الفلسطيني من قتلى وجرحى، فإن كلا من عباس وحماس يخسران سياسياً.

المحلل السياسي باسم الزبيدي يشكك في قدرة إسرائيل على إيجاد قواعد أمنية جديدة، وفي الوقت نفسه لا يعتقد أن حماس ستخرج من هذه الحرب بالشكل الذي كانت عليه سابقا، ويرى الزبيدي أنه "إذا انتصرت حماس، فإنها ستشكل تحديا  كبيرا لعباس وسلطته، وستقول له: هزمتك سياسياً في انتخابات 2006، وهزمتك عسكريا في انقلاب 2007، وهزمتك الآن في هذه الحرب، وسيجد عباس نفسه مضطرا إلى تقديم تنازلات لحماس  والدخول في مأزق جدي لأنه لن يستطيع التوفيق بين التنازلات التي سيقدمها لحماس وتلك التي سيقدمها لإسرائيل».

ولكن، ماذا لو هزمت حماس، في هذه الحالة سوف تضطر إلى النزول  تحت الأرض، والعمل من خارج النظام، وتخريب أي مشروع لسلطة عباس التي تعتبرها نظاما عميلا.

**

القدرة الصاروخية لحماس

موفق ملكاوي

في كانون الثاني/يناير 2001، انطلقت صواريخ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من قطاع غزة باتجاه سديروت (2.5 كم) و«النقب الغربي»، لتعلن حالة من الهلع بين سكان تلك المناطق.

تلك كانت البداية فقط، فكثافة النيران ازدادت كثيرا، وطالت عدداً من المستعمرات الإسرائيلية القريبة من غزة، وهو الأمر الذي بدا واضحا بعد سيطرة حماس على القطاع في منتصف حزيران/يونيو 2007.

عدد الصواريخ وقذائف الهاون التي انطلقت من قطاع غزة على سديروت والنقب الغربي، بلغ حتى اليوم أكثر من 11 ألف صاروخ وقذيفة هاون.

المفاجأة التي أربكت الجانب العسكري الإسرائيلي، أن حماس لم تعد تكتفي بقصف المستعمرات المجاورة، إذ تعدى الأمر ذلك نحو قصف بئر السبع، وقواعد عسكرية مهمة، ليقفز مدى الصواريخ الفلسطينية من بضعة كيلومترات في بدايتها، إلى أكثر من 40 كيلومترا حتى الآن.

الجهات العسكرية الإسرائيلية غير مطمَئنّة لهذا التطور، ومصادرها الأمنية تؤكد أن حماس تمتلك صواريخ أخرى قد يصل مداها إلى أكثر من ستين كيلومترا، وهو ما يضع مرافق حيوية مهمة في مرمى تلك الصواريخ، وبخاصة أن هنالك خشية حقيقية أن يكون مفاعل ديمونة الإسرائيلي هدفا محتملا لصواريخ حماس.

خبراء يرجعون التطور الكبير في القدرة الصاروخية لحماس إلى السيطرة على معبر رفح، وإلى الأنفاق التي أدارت فيها الحركة معركة مهمة.

الفريق المتقاعد والخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية غازي الطيب، يرى أن «حماس نجحت في هذا المنحى بشكل كبير».

ويبين أن التطور يدل على التنظيم والإنجاز، وبخاصة أن ذلك تم في ظل حصار خانق على القطاع.

ويؤكد أن النجاح تبدى في «تحديد الحركة أهدافها بصورة واقعية»، شارحا أن حماس كانت تدرك بأنها في حاجة ماسة إلى سلاح دفاعي يسهل حمله وإخفاؤه، في ظل مساحة محدودة يتحرك فيها المقاومون، والمتمثلة في قطاع غزة المحاصَر في الأصل، والخاضع لجميع أجهزة المراقبة عن بعد.

يرى الطيب أن إسرائيل كانت تراودها شكوك في أن حماس قامت بتطوير قدرتها الصاروخية، غير أن الأمر ثبت خلال المواجهة الأخيرة، وهو ما ينقل المعركة بين الطرفين إلى آفاق جديدة، وبخاصة إذا فشلت إسرائيل في القضاء على التنظيم، وتدمير قدراته العسكرية.

إلا أنه يرى أن تطور هذه القدرة غير كافٍ ليخلق توازنا في الرعب بين الطرفين: «أسلحة إسرائيل فتاكة، وقادرة على اقتراف المجازر بسهولة. القوة غير متوازنة نهائيا بين حماس وإسرائيل».

لكنه يؤكد أن حركات المقاومة تلجأ في العادة إلى امتلاك أسلحة عملية، تساعدها في الصمود خلال عمليات الدفاع، وهو ما استطاعت حماس توفيره.

تمتلك حماس العديد من المقذوفات والصواريخ التي تؤرق الجانب الإسرائيلي، مثل صواريخ القسام، التي قد يبلغ مداها في نسختها المطورة (قسام 4) من 15 إلى 17 كم، وقذائف الهاون، وصواريخ الكاتيوشا من طراز غراد، التي يصل مداها إلى 20 كم، وغيرها من الأنواع.

منذ الوقت الذي بسطت فيه حماس سلطتها على القطاع غزة وحتى منتصف حزيران/يونيو 2008، سقط داخل إسرائيل 1508 صواريخ و1799 قذيفة هاون.