العدد 58 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

شاشة التلفزيون تبث أحداث غزة، لحظة استقبلني في مكتبه، حيث بادرني بالتأكيد على قدرة المقاومة على الانتصار، و«تقزم» إسرائيل أمامها.

«حين كنت أكتب تعليقاً سياسياً للإذاعة الأردنية مطلع السبعينيات، كان هاجسنا حديث العدو عن إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، انظر اليوم أين صارت إسرائيل وجيشها، الذي يعجز عن حماية مواطنيه في عسقلان وسيدروت بفعل المقاومة».

والده الشهيد خلف العدوان الذي لاقى وجه ربه في معركة كفار عصيون يوم 13/5/1948، عندما تطوع ورفاق له من الجيش العربي لاقتحام أسوار المستعمرة التي كانت تهدد منطقة الخليل، نجح الهجوم وأسر 130 إسرائيلياً جلبوا الى معسكر اعتقال في منطقة «أم الجمال» شمال الأردن.

رأى طاهر العدوان النور العام 1944 في مدينة صويلح التي كانت تنقسم الى ثلاث حارات: حارة الشيشان،حارة الشركس، والحارة الوسطى التي يقطنها العرب. و«الكل يعيش في وئام وانسجام».

درس الابتدائية والإعدادية في مدرسة صويلح التي كانت تمتاز بحدائقها الغناء، وتنافس مدرسة خضوري الزراعية في منطقة طولكرم، بما تحتويه من حدائق بتنسيق جميل وترتيب «للأسف كل أراضي المدرسة استقطعت وتحولت إلى غابات من الإسمنت والحجر».

أمَّ المدرسة طلاب من خلدا، وتلاع العلي، والبقعة، وأم الدنانير، وصافوط، وكثير من طلاب تلك الأيام صاروا أصحاب مناصب لا يرغب في ذكر أسمائهم.

من الأساتذة الذين تركوا أثرا فيه البعثي «عدنان أبو رمان»، ومحمد المدني.

وعيه السياسي تفتح على القضية الفلسطينية، وصورة والده الشهيد تزين صدر البيت، فانبرى إلى المشاركة في التظاهرات التي اندلعت في الخمسينيات ضد «النقطة الرابعة» وحلف بغداد واعتداءات إسرائيل المتكررة، وخط غضب وآمال تلك السنين في روايته «حارة الصفصاف».

أنهى دراسته الثانوية في كلية الحسين بعمان، وحاز التوجيهي العام 1963، بعد إقراره في السنة التي سبقت، وانتسب لجامعة دمشق دارساً للفلسفة التي أحس بقربه منها، لكن ظروف العائلة المادية لم تتح الفرصة لإكمال دراسته.

سافر وراء لقمة العيش إلى السعودية موظفاً في شركة أرامكو، وهناك تعرف على أغلب رموز الثورة الفلسطينية «ماجد أبو شرار» استشهد في روما يوم 9/10/1981، أنيس الخطيب، وعبد العزيز شاهين. وفي السعودية بدأ الكتابة في صحيفة «الأيام»، حيث نما عنده التوجه للكتابة السياسية.

شارك في التظاهرات التي اندلعت هناك إبان هزيمة 1967، كما كان من منظمي إضراب العام 1970، وجرى توقيفه وترحيله من السعودية.

مطلع العام 1971 عمل معلقاً سياسياً في الإذاعة الأردنية، ثم كاتباً في صحيفة «الرأي» اعتباراً من شهر تموز/ يوليو 1971، إلى أن تفرغ للعمل في تحرير الصحيفة. ثم صار سكرتير تحريرها العام 1972، في وقت لم يكن فيه هناك رئيس للتحرير.

في تلك الآونة انتسب لجامعة بيروت العربية دارساً للاقتصاد، ونال البكالوريوس العام 1974. وكان تزوج مبكراً، وله من الأبناء ثلاثة أولاد وابنتان، أكبرهم حسام الذي يعمل مهندس اتصالات.

عد أيامها من إعلاميي الصف الأول في الأردن.

في أحد اجتماعات المجلس الإعلامي برئاسة وزير الإعلام عدنان أبو عودة، وقع خلاف كبير بينهما لأسباب يضن بذكرها «انتهى بأن غادرت البلد إلى بيروت».

قبلها جرت محاولة للسفر للذهاب إلى ليبيا والعمل في إعلامها، لكن الليبيين كانوا يريدونه لاجئا سياسيا، ما دعاه للرفض.

في بيروت انخرط بالعمل في الإعلام الفلسطيني، ثم انتقل للقاهرة للعمل في «صوت فلسطين» لثلاث سنوات.

عاد الى بيروت مجدداً في خضم سنوات «المنفى والنضال والغضب»، وعمل مديرا لإذاعة الثورة الفلسطينية، وشهد بداية الحرب الأهلية هناك كما شهد حصار بيروت 1982.

«يذكرني حصار بيروت بما يجري حاليا في غزة، فقد دكت المدينة بمئات الاف القنابل من البحر والجو والأرض، شهدت الوحشية الإسرائيلية، لكن المقاومة اثبتت أن إسرائيل قوة كرتونية، جيشها جبان ومنهزم يعتمد على قوة نيرانه وما يمتلكه من سلاح متقدم».

ويذهب في التذكار: «كان غالب هلسا يقدم برنامجاً يوميا في الإذاعة الفلسطينية، يعده أثناء تنقله اليومي بين خنادق القتال في مناطق بيروت الأشد التهاباً. ومرة شاهدت إنزالاً بحرياً إسرائيلياً مهدت له الطائرات بقصف استمر أياماً، فطلع لهم أحد الشباب وقذف ناقلة جنود برمائية بقذيفة أربي جي سفن وأصابها، فتراجعت القوة الإسرائيلية المهاجمة فوراً».

ويعطف على الحاضر قائلا: «لو عند الغزازوة سلاح حقيقي لصارت مشكلة إسرائيل كيف تدافع عن تل أبيب لا عن عسقلان».

غادر بيروت مع المقاتلين الفلسطينيين على متن سفينة الى بانياس في سورية، حيث جرى لهم استقبال ضخم شارك فيه أهل بانياس عن بكرة أبيهم. «لدي قناعة بأن الكلمة السحرية التي توحد العرب هي فلسطين».

انتقل بعد أيام الى دمشق، فقبرص حيث شغل منصب رئيس تحرير مجلة «الحقيبة» الإخبارية والوثائقية الصادرة عن اتحاد إذاعات الدول العربية.

أمضى زهاء العام في قبرص قبل أن يشد الرحال في العام 1983 الى عمان التي طال اشتياقه لها. «بقيت في الفترة من 1983-1989 ممنوعا من السفر والكتابة والعمل».

أصدر في العام 1984 كتاب «الفلسطينيون بين حربين» ورواية «وجه الزمان» 1986.

مع عودة الديمقراطية في العام 1989 شارك مع شخصيات وطنية في إنشاء «التجمع الوطني القومي الديمقراطي»، الى جانب «إبراهيم بكر، مشهور حديثة، علي أبو الراغب، صالح ارشيدات، ممدوح العبادي، وفارس النابلسي.

«التجمع كان يوازي الإخوان المسلمين أهمية وسير تظاهرات ضخمة إبان الحرب على العراق 1991، لكنه انتهى بعد صدور قانون الأحزاب».

عاد الى مهنة المتاعب منذ 1989 وبدأ يكتب مقالة يومية في صحيفة «الدستور»، الى تأسيس «العرب اليوم» العام 1997 التي صار رئيسا لتحريرها، وما زال، بعد فترة ابتعاد من 1999 الى 2000.

ارتبط بصداقة قوية مع صالح القلاب، وكانا معاً قادا «العرب اليوم» في بداية صدورها، لكن السبل لم تلبث أن فرقت بينهما.

يصفه موظفو «العرب اليوم» بأنه «شخصية جادة قريبة من الصحفيين، ويحظى باحترامهم».

«أي احتلال هو خط أحمر، ومن غير المقبول تأييد المثقف لهذا الاحتلال أو ذاك تحت أي مبرر، بل إن المثقف هو الذي يجب أن يحافظ على موقفه ويبقى متمسكا بالمباديء والكرامة حتى لو استسلم الناس جميعاً». بهذه العبارة يجمل طاهر العدوان موقفه ويرتد طرفه، دون تقصد إلى شاشة التلفزيون.. حيث ما زال الشهداء يسقطون والفعل المقاوم يتصدر المشهد.

طاهر العدوان: مسكون بهاجس المقاومة
 
08-Jan-2009
 
العدد 58