العدد 58 - بورتريه
 

خالد ابو الخير

بقبعة تذكر بقبعة بيكاسو وتوفيق الحكيم وطائفة من الفنانين السرياليين، يستهل بحركة يده الرشيقة والقلقة رسم لوحته للواقع العربي، كما يراها، في نحو عشرين مؤلفاُ حتى الآن، وكثير من الدراسات والمؤتمرات والمشاركات التي ترصد ذلك الواقع وتحاكمه وتستشرف أفاق نهضته».

ولد ابراهيم بدران في مدينة نابلس عام 1939، وترجع ذكرياته الأولى الى منطقة رأس العين، في المدينة التي تنام على سرير جراحها بين جرزيم وعيبال.

الحديث عن ذكرياته المدرسية الأولى في الروضة التابعة لكلية النجاح جامعة النجاح لاحقاً، وفي مدارس الحكومة، يقود إلى الحديث عن الواقع التعليمي هذه الأيام «كان المعلم هو الرجل المثالي، له مكانة بارزة ومهمة، وكنا نعتبر التعليم قضية حياة أو موت، أن نكون أو لا نكون، نعتبرالمدرسة مركزاُ تنويرياً للمدينة والمجتمع والحي. الآن وأنا عضو في اللجنة الملكية لتطوير التعليم أرى بأسف كيف تراجعت المدرسة وتراجع التعليم والمعلمين. وجزء من جهودنا تنصب على إعادة الاعتبار للمدرسة والمعلم».

ويضيف: «المجتمعات مثل جسم الانسان تصيبها مواطن ضعف وخلل، وتساعدنا ذكريات الدراسة وهي زاد حتى هذه الايام، فضلا عن القراءة لاكتشاف مواضع الخلل ومعالجته».

«تقدم الشعوب، النهوض والانتقال من حالة التخلف إلى التقدم، الذي يصنع المحتمعات الحديثة، الفكر العلمي والعقل العلمي، الديمقراطية والمؤسسية والقانون وقضايا المجتمع» بعض من عناوين عريضة انكب يعمل عليها، لفترة زمننية تراوحت بين عشرين وثلاثين عاماً.

«قبل نحو ثلاثة شهور استضافتني قناة الجزيرة الى جانب فاروق الباز، للتعليق على خبر إطلاق الهند لقمرها الصناعي، فأشرت إلى التعليم والعلم وكيف أنهما يقفان وراء التقدم الهندي. جهود هائلة من البحث والتطوير والإنفاق على البحث العلمي تبذل هناك، بينما الدول العربية ما زال انفاقها على البحث العلمي ضعيفاً، والعقل السياسي فيها يرى العلم موضوعا للمدرسة والأكاديمية وليس لغدارة الدولة وحل مشكلاتها المستعصية سواء كانت اقتصادية او اجتماعية اوثقافية او سياسية. لذلك يعتمد هذا العقل السياسي في أدائه على التقدير والانطباع، على العكس تماماً مما هو الحال في الهند، فقد درج الساسة الهنود منذ نهرو على اعتبار النهضة العلمية هي الأساس والمنقذ الوحيد للخروج من ساحة التخلف».

بعد أن أنهى المقابلة وعاد الى بيته الكائن أعلى رابية عالية في عمان، رن جرس هاتفه، وكان صوت محدثه مألوفاً وهو يثني عليه، بعدها سأله: هل تعرف من يحدثك؟.

أجاب: لا.

فقال: أنا عادل سقف الحيط.

كان المتصل أحد أساتذته الذين درسوه في مراحل دراسته الإلزامية، وتركوا أثراً في نفسه.

وعيه السياسي بدأ بالتكون في سنوات الخمسينات والستينيات، حيث كانت التناقضات تعصف بالوطن العربي، وشدته وجيله نحو أفكار الوطنية والقومية والوحدة العربية، كما انبرى يتساءل عن أسباب تقدم المجتمعات وتخلفها. رغم علاقاته مع كثير من الحزبيين «أخوان وتحريريون وبعثيون وشيوعيون، إلا أنه بقي على مسافة من كل الأحزاب « يجوز أن طبيعة تفكيري الليبريالية تجعلني لا أحب أن اضع نفسي في قوالب جامدة وأعتقد أن الفكر متجدد دائما».

في حقبة شبابه كانت وسيلة الترفيه الوحيدة هي الكتاب، فانكب على دراسته، وقراءاته من معين الثقافة العربية والعالمية فقرأ أعمال سلامة موسى، عبد الرحمن الكواكبي، ماركس وانجلز، مكسيم غوركي وشكسبير وغيرهم. « أقارن هنا كيف بنينا كجيل ثقافتنا الفكرية والعلمية وكيف اختفت. الآن لا يقرأ الطلاب كتبا خارج المنهج، بل لا يقرأون إلا أجزاء من المقررات».

قدم التوجيهي المصري عام 1960 في القدس، وكانت لجنة مصرية تأتي إلى القدس لهذه الغاية، والنتائج تخرج من القاهرة.

سافر إلى «المحروسة» لدراسته الهندسة جامعة القاهرة عام 1960، « كانت القاهرة عالما ضخماً ومفتوحاً ، وما زالت تحتفظ بالكثير من رونقها، فلم تكن الهجرة إليها من الريف بهذه الكثافة وعدد سكانها بحدود ثلاثة ملايين نسمة».

انكب على الدراسة لسبع أو ثمان ساعات يومياً، «لأنك لايمكن أن تنجح بدون دراسة متواصلة، وحين أقارن متوسط ما كنا ندرسه أيامها، مع متوسط دراسة الطالب الجامعي في أيامنا هذه، البالغ ساعة أو ساعة ونصف الساعة، يمكن ببساطة أن نرى الفرق».

حاز البكالوريوس في الهندسة الكهربائية عام ،1963 وسافر الى الكويت التي عمل فيها لغاية عام 1966، وأسهم في بناء شبكة كهرباء «السالمية والرميثية».

من شاطيء الخليج شد الرحال إلى عاصمة الضباب، لإكمال دراسة الدكتوراه في تخصصه في جامعة لندن. وهي الفترة التي امتازت بغناها الثقافي، مع ما فيها من انفتاح على الثقافة والحضارة الغربية « أثناء وجودي في لندن أدركت الفرق بين الموضوع الثقافي والحضاري، وأيقنت أننا في العالم العربي نعيش الحالة الثقافية ولم نعش الحالة الحضارية المعاصرة».

لطالما سار أيام السبت بمحاذاة جدار الهايد بارك يطالع لوحات الفنانين في المعرض المفتوح، ولا شك أنه حلم بمعرض آخر في وطن عربي ما زالت ألوانه بانتظار من يرسمها.

تردد على المتاحف والمكتبات والمسارح، وشاهد أعمال شكسبير وصموئيل بيكت وغيرهما.حال حصوله على الدكتوراة سافر الى الجزائر كمهندس زائر، ثم انتقل للتدريس في جامعة طرابلس بليبيا حتى العام 1974، ومنها سافر إلى عاصمة الرشيد حتى العام 1976 حيث عاد إلى الاردن وعين مهندس مواصفات في سلطة الكهرباء الأردنية، ثم مديراً للمواصفات والتخطيط.

غداة تعيين مدير السلطة المهندس علي النسور وزيرا للصناعة والتجارة في الشريف عبد الحميد شرف 1979 انتدب من السلطة مديراً لمديرية الطاقة في وزارة الصناعة والتجارة التي أنشئت لأول مرة.

صار أميناً عاماً للصناعة والتجارة في العام نفسه، ثم صدرت الإرادة الملكية بتعيينه عضواً في مجمع اللغة العربية.

عين عام 1985 أميناً عاماً لوزارة الطاقة التي أنشئت عام 1983، وبقي فيها حتى العام 1990.

عاد الى الصناعة عام 1990، وانتقل منذ مطلع 1991 مستشاراً في رئاسة الوزراء.

اختير عام 1993 عضواً في الوفد المفاوض مع اسرائيل ومنسقاً عاما لمفاوضات السلام، وبقي في موقعه حتى أواسط 1995.

عمل بعدها لفترة قصيرة مديراً لمؤسسة نور الحسين ومديراً عاما لدائرة الشؤون الفلسطينية 1998- 1999 حيث تقاعد، واتجه للعمل في جامعة فيلادلفيا.

لم ينقطع طوال عمله الحكومي عن أبحاثه ودراساته، ولم يكن غريباً عن الجو الأكاديمي. من مؤلفاته « مشكلات العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي.العلم والتكنولوجيا والتنمية في الوطن العربي. موسوعة العلماء والمخترعين. حول التاريخ والتقدم في الوطن العربي.نحو استراتيجية وطنية للثقافة المجتمعية. في الفكر والثقافة والتقدم وأفول الثقافة. وله مسرحيتان مثلتا في بغداد ودمشق هما:»القضية «1387 و»سربيكا أو مشقة الانتظار».

جهده انصب على قضايا الطاقة والعلم والتكنولوجيا والاقتصاد الاجتماعي والتعليم.. وما زال يتابع رسم لوحته وقلما يخفض قبعته سواء جاء «غودو» أو استرسل في غيابه.

إبراهيم بدران: طاقة متجددة لخبير التعليم والطاقة
 
08-Jan-2009
 
العدد 58