العدد 57 - اعلامي | ||||||||||||||
فتحت مقالة للزميل ياسر أبو هلالة في يومية «الغد» نشرت في الحادي والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعنوان «انتخابات الجامعة الأردنية.. خطوة في الطريق الوعر»، الباب واسعا أمام ردود غاضبة مستنكرة. المقالة انتقدت شعارات وأهازيج «فئوية» و«مناطقية»، وفق الكاتب، رُددت أثناء انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية التي جرت قبل أسبوعين، وُوجهت بتعليقات لاذعة عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة، وفي موقع «عمون» الإلكتروني الذي أعاد نشر المقالة. الردود على المقالة لم تقتصر على القراء، فقد انبرى للرد الكاتب والمحامي محمد الصبيحي عبر موقع «عمون»، ورأى أن المقالة «مست السلط، وساق كاتبها اتهامات لأبنائها». كتب أبو هلالة في مقالته: «هتفوا للديرة السلطية بوصفها (كبيرة كبيرة وقوية)، لم يكن هذا الهتاف وحده مستغرباً في كلية الحقوق التي يفترض أن تدرس الناس مفاهيم المواطنة وسيادة القانون والدستور. أكمل الطلاب السلطيون أهزوجتهم عمرها مروان الحمود بالدعسة الفجائية!». رأى الكاتب أن أولئك الطلبة مغتربون عن تاريخهم، وترديدهم لشعارات لا ينم إلا عن فئوية ضيقة، يشرح من خلال مقالته فيقول: «قلت لمحمد النابلسي، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، إن هؤلاء أحفاد الحزب الاشتراكي الذي حقق حضوراً سياسياً كبيراً للسلط من خلال قياداته عبد الحليم النمر، وسليمان النابلسي، وصالح المعشر.. سألناهم: هل تعرفون عبد الحليم النمر (والد مروان الحمود)، فأجابوا بالنفي، هل تعرفون سليمان النابلسي؟ اختصر محمد حفيد سليمان، وقال إنهم لا يعرفون مروان الحمود، وهو لا يقبل بمثل هذه الهتافات». لمزيد من التوضيح ودرءاً لسوء الفهم كتب أبو هلالة: «اعتمد مروان الحمود على إرث والده، باعتباره واحداً من الشخصيات التي تركت بصمات في تاريخ الأردن السياسي في حقبة الخمسينيات. وكان من مدرسة ذات أفق قومي يتجاوز السلط والضفتين، أما (الدعسة الفجائية) فهي شلّة من الشباب المتمرد في السلط انحاز أكثر أتباعها إلى السلفية الجهادية، وقضى بعضهم في العراق، وكردستان، وأفغانستان. وهي شلة تعبّر عن انقسام سلطي تقليدي بين الحارة ووادي الأكراد». هتافات طلبة «الحقوق» في الجامعة الأردنية، لم تثر أبو هلالة وحده، وإنما لقيت إدانة في كلمات نواب تحت قبة البرلمان، فعبّر النائب عن محافظة البلقاء محمد عقل عن إدانته لمثل تلك الهتافات، ورأى انها «تمثل توجهاً يجب وضع حدّ له». رد عقل جاء في سياق مناقشة واقع التعليم في المملكة لهذا الموضوع، الذي قال عنه إنه «ينخر في النسيج الوطني، ويقوّض العلاقة بين مكونات الشعب الواحد» . مدير مكتب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، لامس في مقالته مناطق يبتعد عن ملامستها الرسميون والمعنيون وأصحاب العلاقة، ويكتفون بالتأشير على القضية دون التطرق إليها بشكل مباشر. مقالة أبو هلالة اقتربت من قضية يجري «التعامي» عنها أو إخفاؤها بـ«غربال»، فلامست انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية، وأشرت إلى هتافات إقليمية، وفئوية، وعصبية وحتى طائفية، انطلقت من أفواه طلبة علم. يقول أبو هلالة في المقالة عينها: «لا يجوز أن نضع رؤوسنا في الرمال وننكر هذه الأزمة التي لا تحل بالهتافات والنوايا الحسنة، وعلى الواهمين أن يدخلوا الجامعات ويراقبوا ألوان (الشماغات) التي تعبر بشكل فاقع عن الهوية، ومن يقفون في وجه الإسلاميين ليسوا تيارات سياسية قومية أو ماركسية أو ليبرالية أو وطنية. يقف أفراد تجمعهم هويتان يعبر عنهم بشكل رئيسي (وطن) و(الوحدة الطلابية أو الطلائع)، أي بالمعنى الرياضي فيصلي ووحدات». الصبيحي رد في اليوم التالي قائلاً: «كنت أتساءل عما إذا كان الزميل ياسر أبو هلالة يريد أن يقدم أبناء السلط وكأنهم العقبة العشائرية الأخيرة في طريق الديمقراطية الجامعية التي تحقق الآن نجاحات هائلة على يد خالد الكركي». يحدد الصبيحي رؤيته للهوية العشائرية ويقول: «هناك فرق كبير بين الانتماءات العشائرية وبين الهوية الوطنية، ولكن لا يوجد تعارض بينهما، مع ذلك فالزميل لا يميز بين الانتماء العشائري ويسميه (الهويات الفرعية) في مواجهة الهوية الوطنية الجامعة (الأردنية). وهذا خلط، فالهتاف للسلط أو لمعان إنما هو انتماء للعشيرة والمدينة الحاضنة الأولى الأصغر في الوعاء الكبير (الوطن)، وليس هوية فرعية». رد الصبيحي قوبل في اليوم التالي برد من أبو هلالة فقال: «كنت أدرك حساسية الكتابة في أزمة الهوية، وأتوقع ردود الفعل التي ستثيرها مقالتي عن انتخابات الجامعة الأردنية. وفي الصحافة سواء كانت مقالات رأي أو أخباراً، على الصحفي أن لا يتردد في الخوض في كل القضايا الإشكالية. فهو ليس مرشحاً للانتخابات يسعى لكسب الأصوات. وإنما طبيبٌ يشخص العلل ولا يجامل مرضاه» . يعيد الكاتب تمسكه وقناعته بما كتب ويقول: «هذا موقفي لا أتراجع ولا أعتذر عنه، أما من التبس عليه الأمر أو دلس عليه وأساء الفهم فله حق التوضيح (...)، ومع أني مدين بالتوضيح لمن أساء الفهم أو من لبس عليه، إلا أنني في الوقت نفسه أرفض الإصغاء لمتكسبين يرتزقون من الذين هددوا هوية الوطن بسياسات وأفعال لا بهتافات ومقالات». انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية التي أثارت هذا الجدل، وضعت حداً لمصادرة رأي الطالب من خلال التعيين، بيد أنها أعادت التذكير بأهمية عدم وضع الرؤوس في الرمال، والنظر إلى عصبيات ظهرت وانتشرت، وبات التعامل معها بحاجة لأكثر من إجراء انتخابات في جامعة: لقوانين ديمقراطية ناظمة للحريات ترعاها ولا تنتقص منها ولا يجري استغلالها. خطت الجامعة الأردنية خطوة في الاتجاه الصحيح، وما زال الطريق طويلاً أمامها. والخطوة نحو الأمام تظل خيراً من الرجوع للخلف أو المرواحة في المكان نفسه. والإصلاح السياسي يبدأ في الجامعة ولا ينتهي بها. |
|
|||||||||||||