العدد 57 - كتاب | ||||||||||||||
ثلاثة متغيرات، أو انخفاضات ملموسة في أسعار سلع محورية، بدأت وتعمقت منذ شهر آب/أغسطس الماضي، وتمثلت في تدهور سعر النفط الخام بنسبة 70 في المئة، وهبوط في أسعار المحصولات الحقلية والمدخلات الغذائية، وفي تراجع في أسعار صرف اليورو والعملات الأخرى مقابل الدينار. وكان من المنتظر، وما زال، أن تنعكس هذه الحقائق اقتصادياً في حركة هبوط موازية في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات كافة. ولكن ما كاشن متوقعاً لم يحدث ونحن على مشارف نهاية 2008، إذ باستثناء قيام الحكومة بإقرار سلسلة من التخفيضات في أسعار المشتقات النفطية (ثماني مرات على التوالي)، وبنسبة تجاوزت 50 في المئة، تماماً كما كانت تسارع إلى رفع الأسعار مع كل زيادة في أسعار النفط الخام وبوتيرة أسرع وأعلى، وتجاوب القليل جداً من شركات القطاع الخاص بذلك (الإسمنت نموذجاً)، فإنه، وللغرابة، لم ينعكس انخفاض أسعار العوامل الثلاثة الأساسية السابقة في هبوط موازٍ في أسعار معظم السلع والخدمات الأخرى. هذه الحقيقة ليست ناجمة عن اجتهاد أو تحسس ذاتي من قبلنا، بل هو واقع ملموس في السوق المحلية في مختلف مواقعه، وقد أكدته آخر البيانات والدراسات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة. فبحسب ما صدر عن هذه الدائرة، ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك بنسبة 15.4 في المئة، خلال الشهور الأحد عشر الأولى من العام 2008 مقارنة بالفترة نفسها من 2007، وتشكل هذه النسبة تراجعاً محدوداً هامشياً بنسبة 0.2 في المئة، عن رقم التضخم خلال الشهور العشرة الأولى البالغ 15.6 في المئة، أي ما يساوي رقمه خلال الشهور التسعة الأولى البالغ 15.4 في المئة، وأكثر من النسبة البالغة 14.9 في المئة، خلال الشهور الثمانية. وعند تحليل نسبة التضخم العامة (الرقم القياسي لأسعار المستهلك)، إلى مكوناتها الرئيسة، نلاحظ ثبات الارتفاع تقريباً عند 32 في المئة، لمجموعة سلع «الحبوب ومنتجاتها»، 33 في المئة لمجموع سلع الألبان ومنتجاتها والبيض، وانخفاضاً محدوداً في أسعار مجموعة «خدمات النقل» إلى 24 في المئة، ومجموعة اللحوم والدواجن إلى 16 في المئة، فيما لم يزد الهبوط في مجموعه «خدمات الاتصال» مستوى 1 في المئة، رغم ما يقال عن تنافس واسع بين شركاته في الأسعار، كما في الخطط المفيدة وغير المفيدة. وليس مقبولاً تبرير هذا الوضع، سواء من قبل الحكومة أو من فعاليات ومنظمات المستوردين والمنتجين في القطاع الخاص، بوجود مخزون من السلع ومدخلاتها مشتراة بتكلفة عالية ولم تنفذ بعد، إذ إن هذا المبرر ليس حقيقياً في معظم الحالات. وحتى لو وجد مخزون كهذا، فإنه ليس مانعاً من تخفيض الأسعار حتى لو اختفت الربحية أو نجمت عنه خسارة، فالتجارة، بحسب المقولة المشهورة، تتحمل الربح والخسارة في ظروف غير احتكارية، وكما نتذكر، فإن المستورد والمنتج كان يسارع إلى رفع الأسعار فوراً للسلع ومدخلاتها المشتراة منه بالأسعار القديمة المنخفضة. ورغم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية والصعبة لنهج كهذا في السوق في التطور والتنمية الاقتصادية، وفي توازن العدالة الاجتماعية، فإن الحكومة كانت تقف، وما زالت، مكتوفة اليدين أمام تجاوزات العديد من المنتجين والمستوردين في التحكم الاحتكاري بالأسعار، وتكتفي «بمناشدات لفظية لطيفة»، لهم للتخفيض ولو قليلاً من الأسعار، ودون أن تجد لها صدى أو استجابة، طالما أن الحكومة تخلت عن دورها ونشاطها الاقتصادي وعن المشاركة والتأثير فيه، باستخدام الأدوات والأسلحة الاقتصادية، التي يمكن لها أن تمتلكها وتستخدمها بأكثر من وسيلة، وتركت الحبل على الغارب، لبعض حيتان الإنتاج والوساطة، التحكم ليس فقط بالأسعار، بل بمعظم مفاصل التوجهات والسياسات والقرارات الاقتصادية تحت يافطة «تحفيز وجذب الاستثمار والمستثمرين، وتوفير المناخ والبيئة الحاضنة، وإزالة العقبات (المزعومة) من طريق مساره وتطوره!!» |
|
|||||||||||||