العدد 57 - اقليمي
 

محجوب الزويري

تنقضي أيام العدوان الإسرائيلي سريعا على غزة. الأرقام تتحدث عن شهادة 120 شخصاً يوميا وجرح 500 يوميا. العملية العسكرية التي بدأتها الحكومة الإسرائيلية وأطلقت عليها اسم «الرصاص المصبوب» تستهدف، بحسب المصادر الإسرائيلية، البنية التحتية لحماس والأجنحة العسكرية للتنظيمات الفلسطينية، الآراء تختلف حول الادعاء الإسرائيلي، وسوف تبقى مختلفة.

عملية الرصاص المصبوب تأتي في توقيت يجدر التوقف عنده، لأن التوقيت هو الذي سيكون أحد أهم المرجعيات لتقييم مدى نجاح إسرائيل أو إخفاقها في تحقيق أهدافها من العملية. القصف الإسرائيلي يأتي بعد اقل من أسبوع على وقف الهدنة التي بدأت بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية بقيادة حماس؛ هدنة بدت هشة لكنها كانت الخيار المفضل للطرفين؛ الإسرائيلي والفلسطيني. الفلسطينيون، ولا سيما حماس، أظهرت براعة سياسية في إدارة هذا الملف وإقناع بقية الفصائل بالالتزام بالهدنة، كما أنها في الوقت نفسه التفتت لترتيب الوضع العام في غزة بعد سيطرتها عليها في العام الماضي، كما أنها كانت معنية بإرسال رسالة للإقليم بأنها الطرف الآخر في الشرعية الفلسطينية بعد مؤسسة الرئاسة، وبخاصة وأنها أثبتت أنها قادرة على القيام بالمناورات السياسية إذا ما كان الهدف مصلحة الشعب الفلسطيني. على صعيد آخر كان لإسرائيل، وما زال مصدر قلق وتهديد أمني آخر هو الطموح النووي الإيراني والتقدم المحرز في ذلك المجال. لذلك جاءت التهدئة، على ما يبدو، والحكومة الإسرائيلية تأمل في ألا تذهب الإدارة الجمهورية قبل أن تستخدم الخيار العسكري ضد إيران، لا سيما وان القرار الأممي 1803 كان قد هدد إيران باتخاذ خطوات أكثر قسوة إذا لم توقف إيران تخصيب اليورانيوم.

لم تأت السفن بما تشتهيه رياح إسرائيل، وبالتالي، ومع مجيء الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تحدث عن حوار غير مشروط مع إيران، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية لم تنجح، وأصبح من الضروري البحث عن حدث يحرك الركود الذي تعيشه البيئة السياسية الإسرائيلية، لا سيما بعد استقالة إيهود أولمرت بسب قضايا الفساد ضده.

إسرائيل تبدو قلقة من التغير المحتمل-ولو كان شكليا- في السياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما المتعلقة بالحرب على الإرهاب، والتي يبدو أنها، وبحسب تصريحات الرئيس الجديد باراك أوباما، ستركز على أفغانستان، وبالتالي فإن الغطاء الذي استعملته إسرائيل لتبرير القتل والاستهداف للتنظيمات الفلسطينية تحت دعوى أنها حركات إرهابية سيزول، من هنا -وبالنسبة إلى إسرائيل- كان من الضروري تذكير العالم ولا سيما الإدارة الأميركية الجديدة بالتزامها نحو أمن إسرائيل من خلال شن هذه العملية العسكرية.

إسرائيل كذلك تبدو وكأنها تصورت أن الرأي العام لن يكون قويا في رده باعتبار أن حماس هي المسؤولة المباشرة عن محاصرة المجتمع الدولي لقطاع غزة، وبالتالي فإن الافتراض بتراجع شعبية حماس دفع إسرائيل بقوة للإسراع بالعملية بعد أن اختارت الأحزاب الإسرائيلية ممثليها للمشاركة في الانتخابات البرلمانية في شباط/فبراير 2009.

العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة وضع الدولة العبرية في مكانة الصديق سيء الصيت الذي يجلب دائما الشتيمة لأصدقائه، فإسرائيل بما تفعله أحرجت الدول المتصالحة معها وكذلك الدول التي تفكر في التعامل معها، كما أنها تحيي وبقوة أكبر ما تسميه حالة الاستقطاب الإقليمي التي تزعج دولا إقليمية وغير إقليمية. فبالإضافة إلى الإحراج الذي وضعت فيه النخبة الإسرائيلية نفسها -ولمصالح انتخابية محضة- معسكر الاعتدال، أعادت حماس إلى المربع الذهبي بوصفها حركة مقاومة وممثلاً للشعب الفلسطيني معا، بعد أن كادت تفقده في ظل عدم تحقق أي مصلحة فلسطينية بموجب الهدنة التي دامت ستة أشهر. ما يجري في غزة فيه إشارة صريحة إلى أن المستهدف هو في الحقيقة من حاز ثقة غالبية الشعب الفلسطيني، وبالتالي فسؤال الشرعية سيطرح بقوة بعد انتهاء هذا العدوان حول من له الحق في الحديث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني.

لم تتعلم إسرائيل، ولا حليفتها واشنطن، من تجربة حرب ال 33 يوما العام 2006، فالترويج للحرب بأنها كانت لتدمير البنية التحتية لحماس، وهو نفسه ما قيل سابقا عن حزب الله، لا يزيد هؤلاء اللاعبين غير الحكوميين إلا قوة في الحضور السياسي. ومن لم يقتنع فإن عليه أن ينظر ويقارن الحضور السياسي لحزب الله قبل تموز/ يوليو 2006 وبعده. ليس دقيقا أن المسؤول عن هذه القوة هو فقط التعاطف الإيراني أو السوري مع هذه الحركات، بل في الحقيقة منطق الاستهداف الذي يدفع الرأي العام دائما إلى مراجعة تقييماته ومواقفه.

حماس أيضا ليست بعيدة عن هذا التقييم، فسيطرتها على غزة تركت آثاراً سيئة عليها، ورغم تبريراتها فإن سمعتها تأثرت، لكنها رممت ذلك بالتوقيع على اتفاق مكة الذي كان ردا غير مباشر على أولئك الذين يصورون حماس على أنها أداة إيران في المنطقة، ثم جاءت الهدنة لترسل رسالة سياسية أخرى بأن حماس حركة سياسية قادرة على التعاطي مع المتغيرات. وهكذا فقد تجاوزت أزمة السيطرة على غزة، وهي وفق ما نرى، ستكون أقوى مما كانت عليه قبل هذا العدوان الإسرائيلي.

إسرائيل بما فعلته العام 2006 في لبنان، وفي هذه الأيام في غزة، تأخذ العالم كله وبشكل لا إرادي إلى المربع الأول، حيث الصراع العربي الإسرائيلي هو جوهر حالة عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، وإسرائيل بذلك تقدم على طبق من ذهب تأكيدات لقناعات تروج لها دول تصنف أنها في محور الشر، مثل إيران وسورية، بأن إسرائيل هي المسؤولة عن غياب الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فإيران على سبيل المثال تعود للحضور السياسي في المشهد الإقليمي بسبب تلك السياسات.

إن حالة التردي التي يشهدها كل من المشهد السياسي الداخلي الفلسطيني والعربي جعلت الساحة مفتوحة لكل اللاعبين؛ اليوم تأخذ تركيا زمام المبادرة في محاولة إصلاح ذلك الضعف، ومحاولة التوصل إلى تسوية توقف العدوان الإسرائيلي. إن من الضروري أن يتذكر أهل السياسة في المنطقة أن الولايات المتحدة في العام 2009، قد لا تكون هي نفسها الولايات المتحدة، وأن من الواجب التفكير في خطط بديلة لمواجهة تحديات المنطقة والعمل في إطار الإقليم، لعل ذلك يقلل من المصائب التي قد تحل بها.

العدوان على غزة: إسرائيل مسؤولة عن زعزعة الاستقرار
 
01-Jan-2009
 
العدد 57