العدد 9 - ثقافي | ||||||||||||||
ينقض شاب يرتدي لباسا أسود على مكتبة حديدية تحتوي على 300 كتاب، قبل أن يشعل فيها النار، بينما تحاول فتاة ترتدي قفطانا تراثيا عراقيا أزرق بنقوش عربية أن تنقذ ما تبقى من الكتب، في رقصة احتفالية تمثل المأساة التي ألمت بمكتبات في العراق في أعقاب الحــرب الأنجلو-أمريكية الأخيرة. هذا المشهد السينمائي الذي يتكون من إحدى عشرة دقيقة هو من إخراج الفنان العراقي التشكيلي قيس السندي الذي يحاول تصوير ما وصفه بـ “المشهد البشع” الذي عاشه بعد الحرب، من خلال أعماله الفنية التي تضم فن الفيديو ولوحاتٍ وتركيباتٍ إنشائيةً تصور الخسائر التي تعرضت لها حضارة العراق و عملية دمار المكتبات. ويقول السندي، الذي يعيش ويعمل ما بين عمان وبغداد “هناك صراع بين الخير والشر، صراع من أجل بقاء الثقافة والمعرفة ضد الجهل والتدمير” في هذا المشهد السينمائي الذي يصور اغتيال مكتبات العراق، ولكننا، على حد تعبيره “ لا نريد أن نبكي على دمار حضارتنا، بل نريد أن نبني حضارة جديدة”. وبعد سقوط النظام العراقي الأسبق في نيسان عام 2003، قام مجهولون بحرق مكتبة العراق الوطنية وأرشيفها الذي كان يحتوي على كم هائل من المصادر والكتب والوثائق المرجعية، وأحرقت كذلك أغلب المكتبات في الكليات الجامعية المختلفة التي لم يتبق من محتوياتها سوى الرماد، في وقت عمت فيه الفوضى في البلاد. اختتم السندي معرضا له الأسبوع الماضي في «دار الأندى» في جبل اللويبدة في عمان تحت عنوان «حروف لا تحترق». وهو يأمل في إقامة معرضه هذا في الأقطار العربية والأوروبية ليسلط الضوء على ما يسميه «اغتيال الحضارة والمعرفة». وعن ذلك يقول: « المعرض رسالة مباشرة للعالم عما حصل ويحصل في العراق في الوقت الحاضر. نحن نريد أن نوقف التراجيديا الإنسانية التي لم تقتصر على تدمير الحياة الإنسانية والبنية التحتية والأبنية فحسب، وإنما طالت المعرفة والثقافة وفنونا عريقة تعود إلى أكثر من سبعة آلاف عام». وتركز لوحات السندي المرسومة بالألوان الزيتية والأكرليك، وأخرى نفذت بوسائط متعددة، على قضية الصراع بين الخير والشر بأسلوب تعبيري وبألوان براقة يحاول الفنان أن يوازن فيها على ألوان السواد الموجودة في المجسمات وفن الفيديو. ومن خلال تركيب إنشائي installation، يحمل مياه دجلة وكتابا يطفو على سطح النهر، عكس الفنان الأحداث التاريخية عندما اجتاح هولاكو المغولي بغداد عام 1258 وأحرق مكتبتها وألقى بكتبها المحروقة في نهر دجلة ، فتغير لون النهر وازْرَقَّ على مدى أربعين يوما. وتحمل ثلاث أسطوانات معروضة كيلو غراما من رماد الكتب المحروقة جمعه السندي من بقايا مكتبة الفنون الجميلة في جامعة بغداد التي تخرج منها بدرجة ماجستير الفنون الجميلة عام 2004. كما يعرض مثلثا عليه أشعار المتنبي منذ 500 عام، تذكيرا لما تعرض له شارع المتنبي وسط بغداد عام 2006 من انفجارات بسيارات مفخخة. وكان المثقفون يقصدون هذا الشارع أيام الجمعة لشراء الكتب. وكان السندي قد شارك في معارض مختلفة في عدة دول منها العراق والأردن وهولندا والإمـارات والبحـرين وقـطر ومصر. وهو يقول إنه استلهم فكرة المعرض الأخير الذي أقيم في عمان عندما عاد لمواصلة دراسته في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد عام 2003، ولكنه فوجئ بأن “المكتبة قد أحرقت بالكامل، وتحولت خزاناتها وخزائنها من الكتب النفيسة إلى حطام.” |
|
|||||||||||||