العدد 57 - أردني
 

دلال سلامة

ثلاثة أيام فقط هي ما فصل رأس السنة الميلادية عن رأس السنة الهجرية في العام 2008، لكن الفرق في مظاهر الاحتفال بالمناسبتين لم يكن بسيطاً أبداً. ففي الوقت الذي تسود فيه مظاهر صاخبة تعم العالم احتفالاً برأس السنة الميلادية، فإن رأس السنة الهجرية يمرّ مرور الكرام، وفي حين يكون هناك احتفاء رسمي وشعبي برأس السنة الميلادية، فإن الاحتفال برأس السنة الهجرية لا يعدو أن يكون احتفالاً رسمياً يتمثّل في تعطيل المؤسسات الرسمية، وفي بثّ بعض البرامج الدينية في التلفزيون الحكومي.

المفارقة تتمثل في أن السعودية الدولة العربية الوحيدة التي تعتمد التقويم الهجري كتقويم رسمي وحيد، هي أيضاً الدولة العربية الوحيدة التي لم تجعل رأس السنة الهجرية واحداً من عطلها الرسمية، كما هو حال الدول العربية الأخرى، ودول إسلامية أو تلك التي تتجمع فيها كثافة إسلامية مثل: باكستان، وماليزيا، وبروناي.

باقي الدول العربية تعتمد التقويم الهجري بالإضافة إلى التقويم الميلادي، ولكن ذلك يغلب عليه طابع الشكلية، ويتم في المراسلات الرسمية، ولكن الحضور الحقيقي في تعاملات الناس هو للتقويم الميلادي. وبالتالي، فإن معظم الناس لا يعرفون أن السنة الهجرية الجديدة قد حلّت إلاّ من بلاغ التعطيل الرسمي الذي تصدره حكومات بلدانهم.

المتدينون ينقسمون حول مسألة الاحتفاء بالمناسبة، فمنهم من يدعو إلى الاحتفال بها ويراها مناسبة لاستذكار الهجرة وما ارتبط بها من قيم إسلامية، ولكن بعضهم في المقابل يرفضون هذا، ويعود ذلك، إلى حدّ كبير، إلى بعض المواقف من جانب المتشددين منهم تجاه ما يسمى (البدع الدينية)، وهو مصطلح يرون أنه تتم تحته ممارسات مستحدثة (بدع) اتخذت طابعاً دينياً مثل الاحتفال برأس السنة الهجرية. يقول المقريزي في «خططه» إن أول من احتفل بعيد رأس السنة الهجرية كان الفاطميون في القرن الرابع الهجري، فقد «كان لهم طوال السنة أعياد ومواسم»، وهم من استحدث أيضاً الاحتفال بعاشوراء ومولد النبي وإحياء ذكرى الحسن والحسين وفاطمة.

ابن كثير ينتقد ذلك في كتابه «البداية والنهاية» مستخدماً لغة قاسية، فيصف خلفاء الفاطميين بأنهم كانوا «أغنى الخلفاء، وأكثرهم مالاً، وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة. ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد».

هذا الخلاف بين من يحتفل برأس السنة الهجرية، ومن يحرّم ذلك، عبّر عنه الشاعر العراقي الزهاوي في مطلع القرن الماضي بقوله:

يبشّر بالعام الجديد محرّم وينعته كلّ بما هو يزعم

فالفاطميون الذين تركز نفوذهم، بشكل أساسي، في مصر وشمال إفريقيا هم من استحدث هذا الاحتفال، وهو ما يفسر، إلى حدّ كبير، سبب استمرار الاحتفالات في دول المغرب العربي تونس والمغرب والجزائر - على العكس من دول المشرق - ففي هذه المناسبة تسود في المغرب كل عام مظاهر احتفال شعبية في هذه المناسبات، من أبرزها استقبال السنة الجديدة بأكلات الكسكسي المطبوخ باللحم المجفف والفول والبيض، وأهم من ذلك الملوخية، التي يجمعون على أن لونها الأخضر يرمز إلى التفاؤل بسنة خضراء. أما الأطفال، فيقدّم لهم بالمناسبة طبق من الكسكسي في وسطه عروسة مصنوعة من السكر، تكون في صورة ديك أو غزال للصبيان، وفي صورة عروس للبنات، ويحتفظ الأطفال بالعروسة ليأكلوها في عاشوراء. وهناك أيضاً عادة سلق البيض وتركه في إناء في الخارج تحت مزاريب الماء كرمز للاستبشار بسنة خير ومطر.

رأس السنة الهجرية مناسبة للاحتفال أم بدعة وضلال؟
 
01-Jan-2009
 
العدد 57