العدد 57 - أردني
 

سعد حتّر

قرار الملك عبد الله الثاني بتعيين «اللواء» محمد رثعان الرقّّاد مديرا للمخابرات العامة، خلفا للفريق محمد الذهبي، يحمل دلالات سياسية وأمنية لجهة التوقيت ودوافع التغيير، على رأس أكثر أجهزة الدولة حساسية وحرفية، فيما يرى مقربون من مراكز القوى أن التحرك الملكي يعكس، على الأرجح، رغبة في وضع حدّ لبواقي تصفية حسابات على خلفية معركة كسر عظم وصلت ذروتها مطلع تشرين ثان/نوفمبر الماضي، بإزاحة رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله.

لم يُعلن الدافع وراء تغيير قيادة أحد أهم أعمدة الحكم، فيما تتساءل أوساط سياسية عن مغزى توقيت القرار قبيل أول تعديل على حكومة شقيق المدير السابق، نادر الذهبي، بعد سنة على تشكيلها، ووسط أزمة إقليمية مشتعلة في قطاع غزّة الذي يتعرض لغارات إسرائيلية شرسة، أثارت ردود فعل رسمية وشعبية غاضبة عبر الأردن.

على أن أوساطا سياسية تقرأ في قرار الملك رسالة مفادها أن مؤسسة العرش تشكّل عماد الحكم، لذلك لا يتردد الملك في تغيير مدير المخابرات حتى وسط أزمة غزّة واحتمالات تداعياتها على سائر المنطقة.

مسؤول سابق في الديوان الملكي يرى أن تغيير الذهبي قد يكون أحد تداعيات «معركة» الصيف التي استعرت بين مدير المخابرات السابق وعوض الله. «في غمرة الاتهامات والاتهامات المضادة، تولد لدينا شعور بأن الطريقة التي حارب بها الذهبي عوض الله شكّلت ضمنيا، إلى حد ما، محاكمة للنظام وسياساته»، حسبما يشرح المسؤول الذي خدم وزيرا في عهد الملك حسين ومسؤولا في ديوان الملك عبد الله الثاني. ويضيف: «في تقديري لم يكن الملك راضيا عن ذلك الأسلوب، وربما اتخذ قرارا بالتغيير منذ تلك الفترة».

في البداية خرج عوض الله تحت وطأة الضغط الشعبي المعزز بهجمة إعلامية ونيابية، «فلم يكن ممكنا إنقاذ حياته السياسية، كما أنه لم يكن له حليف علني باستثناء بعض كتّاب كان يُنظر إلى مداخلاتهم على أنها تحمل نزعة إقليمية». وبعد شهرين تقريبا، يخرج الذهبي في عطلة العام الهجري، علما أن عوض الله أقيل عشية عيد الفطر.

أما بالنسبة للتوقيت، فجاء في اليوم التالي لبث التلفزيون الرسمي مقتطفات لخطابات نيابية نارية أطلق فيها نواب عبارات معروفة عالميا بأنها معاداة للسامية، ما سيؤثر في الأردن وسمعته الدولية، وبالتالي قد ينعكس ذلك على المساعدات الخارجية.

مصدر إعلامي قريب من أروقة المجلس يقول إن «النواب الذين أحرقوا علم إسرائيل تحت القبّة لم يتحركوا من فراغ، في وسطٍ يخضع عادة لتأثيرات الجهاز الأمني». يضيف المصدر ذاته أن النواب الذين تلفظوا «بعبارات جارحة معادية للسامية، وليس الصهيونية أو إسرائيل السياسية، من قبيل وصف اليهود بأبناء الخنازير والقردة، لم يدركوا حجم الأذى الذي يمكن أن يلحق بالبلاد جرّاء تصريحات عنصرية كهذه». وكان بإمكانهم استخدام تعابير مثل «الصهيونية» و»البطش الصهيوني العنصري» و»سياسة التهويد البغيضة»، التي تردّدها قوى قومية ويسارية في مظاهراتها.

في البال، مآل أمين عام الأمم المتحدة (1972-1981)، والرئيس النمساوي الأسبق كورت فالدهايم الذي تعرض لعزلة دولية قضت على مستقبله السياسي، عقب اتهامه بمعاداة السامية.

يرى وزير سابق أن التأخير في إجراء التعديل المرتقب منذ أسابيع على حكومة الذهبي يعود ربما إلى تأني الملك لحين استقالة الذهبي.

في اليوم التالي لتعيين اللواء الرقّاد، أحيل أربعة من كبار ضباط المخابرات إلى التقاعد، وهم العمداء فوزي المعايطة ومازن الرواشدة وعرفات أمين وزياد الشريدة. وبذلك يُنتظر أن تشهد الدائرة تغييرات وتعبئة شواغر في مناصب عليا، بخاصة مساعد مدير عام المخابرات.

وعلى الصعيد الحكومي تتوقع أوساط سياسية أن تأخذ مسارات التعديل منحى مختلفا لجهة اختيار الوزراء الذين سيخرجون من الحكومة، أو اختيار عناصر جديدة. كانت التوقعات والتسريبات تتحدث عن حتمية خروج وزراء مقربين من رئيس الديوان الملكي السابق، من بينهم وزير الخارجية صلاح الدين البشير، وزير المالية حمد الكساسبة، ووزير العمل باسم السالم. وقد يؤدي التغيير أيضا إلى تخفيف الضغط على مسؤولين في مؤسسات رسمية مثل رئيس الجامعة الأردنية خالد الكركي، الذي ينتمي إلى ما اصطلح على تسميتهم «جماعة باسم عوض الله». ويُحتمل أيضا تعزيز موقع رئيس الديوان ناصر اللوزي وتأثر نفوذ المستشار الإعلامي أيمن الصفدي.

كان الملك أصدر إرادة ملكية بترفيع الرقّاد من عميد إلى لواء قبل تعيينه في هذا المنصب الحسّاس. تسلم الرقّاد منصب مساعد مدير المخابرات لشؤون المحافظات الاثنتي عشرة. ومن هذه الزاوية أشرف على ملف الانتخابات النيابية التي أثارت انتقادات المركز الوطني لحقوق الانسان لجهة التجاوزات والخروق، بالإضافة إلى الانتخابات البلدية (2007) التي وُصفت أنها «الأسوأ» في تاريخ الانتخابات في المملكة، لجهة التدخلات التي اعترتها. قبل ذلك كان الرقّاد مديرا لمخابرات إربد، ثانية كبرى مدن المملكة.

مصادر مطلعة تفيد أن اللواء الرقّاد أدى دورا أساسيا في عملية دهم واعتقال عناصر خلية إرهابية «كتائب التوحيد» القاعدية فوق أحد جبال عمّان. في تلك العملية، اعتقلت الأجهزة الأمنية أواخر 2005 ثلاثة عناصر على صلة مفترضة بعملية إرهابية تقول السلطات إنها أجهضتها، بعد أن كان مخططاً لها تفجير مبنى المخابرات والسفارة الأميركية في عمّان بالأسلحة الكيمائية.

عقب تلك العملية، تقرر ترفيع الرقّاد استثنائيا إلى رتبة عميد، بحسب المصادر ذاتها.

الفريق الذهبي تسلّم منصبه في كانون الأول/ديسمبر 2005، بعد شهر تقريبا من تفجيرات ثلاثية غير مسبوقة أودت بحياة 60 شخصا في ثلاثة فنادق عمّانية. والذهبي ضابط مخابرات تدرّج في الجهاز حتى أدرك رتبة عميد قبل أن يحال إلى التقاعد مطلع العقد الجاري. عمل موظفا كبيرا لفترة في رئاسة الحكومة، ثم أعاده الملك إلى دائرة المخابرات في العام 2004 نائبا لمديرها آنذاك، اللواء سميح عصفورة.

أثناء ولايته، استسرّ الذهبي لمقربين منه أنه ينوي إعادة رسالة المخابرات وعملها إلى الحقبة التي كانت تحت إدارة مصطفى القيسي مطلع العقد الماضي. كان الذهبي ينتقد فترة سميح البطيخي وخلفه سعد خير، التي رأى أنها اصطبغت بتغوّل المؤسسة الأمنية على السلطة التنفيذية.

أكاديمي أردني يؤكد أن المخابرات في عهد الذهبي تغوّلت على الحياة العامة. كما ساهمت في «أمننة» الحياة العامة في البلاد بما يذكّر بالأوضاع التي شهدتها المملكة خلال فترة الأحكام العرفية قبل 1989، فضلاً عن أن إدارته شهدت استحواذا على معظم الملفات المدنية من تعيينات وتشريفات.

بعد أسابيع من تعيينه، شكّل الفريق الذهبي ما يُعرف بوحدة «فرسان الحق»، وهي قوّة نخبوية ضاربة ساهمت في اعتقال عناصر متهمين بالارتباط بخلايا القاعدة، من بينهم العراقي زياد الكربولي، الذي اختُطف عبر الحدود وأُحضر للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة. المعطيات الاستخبارية الأردنية، ساهمت بحسب مصادر أمنية، في رصد وتعقب ثم قتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الأردني أبو مصعب الزرقاوي في غارة أميركية شمال بغداد منتصف 2006.

دلالات سياسية لتغيير مدير المخابرات العامّة
 
01-Jan-2009
 
العدد 57