العدد 57 - أردني
 

منصور الزيود

شعارات ثورية يسارية وإسلامية تقاطعت مع خطاب رسمي حاد ضد الغزوة الإسرائيلية على قطاع غزّة، وذلك في حالة توافق شبه نادرة منذ توحَّد الشارع مع القيادة عشية وخلال الحرب الأميركية على العراق مطلع العام 1991.

اللغة الرسمية، حكومة وقيادة، اختيرت بعناية لتعكس ربما حجم الغضب وخيبة الأمل تجاه مغامرة الدولة المرتبطة مع المملكة بمعاهدة سلام منذ 14 عاما. بعيدا عن الدبلوماسية، وصف الملك عبد الله الثاني الغارات بـ"العدوان الذي لن يؤمّن الأمن لإسرائيل".

رئيس الحكومة نادر الذهبي ارتجل خطابا ناريا أمام النواب.

شعبيا أخذت الشعارات الثورية مداها، واختلط النقابي مع الهيئات الانسانية، اليساري مع الإسلامي، فيما تلاقى الشبابي "الحضاري" على ضوء الشموع مع البعد العشائري. فارتفعت الهتافات إشادةً بزعيم حزب الله الشيعي اللبناني حسن نصر الله، ورئيس حكومة حماس المقالة في غزّة إسماعيل هنية، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وطاول المديح أيضا حسن البنّا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في العام 1928، والعسكري المصري خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري الراحل أنور السادات خريف 1981، بعد عامين من إبرامه معاهدة سلام مع إسرائيل. أما الشتائم فكانت غزيرة باتجاه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وقائد الأجهزة الأمنية الفلسطينية السابق محمد دحلان.

الرئيس المصري حسني مبارك لم يسلم هو الآخر من الهتاف السلبي في مسيرات واعتصامات تشهدها مدن الأردن وأريافه ومخيماته منذ بدء الغارات ظهر السبت الماضي.

والتقت مواقف كتاب أعمدة وسياسيين في إدانة إسرائيل والتلويح بالانسحاب من مسار السلام. المحلل السياسي في "العرب اليوم" فهد الخيطان ذهب إلى حد نصح الحكومة لإحياء "موقف سابق، هو دعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وعدم الاكتفاء بالقول إن المفاوضات هي السبيل الوحيد لإحلال السلام".

كان واضحا أن لغة القيادة استبدلت مفردة "المفاوضات" المجردة بـ"عملية السلام"، ما يشي بالوصول إلى قناعة بأن العملية التي انطلقت في مدريد العام 1991، تترنح مع انطلاق الصواريخ الإسرائيلية على غزة.

المسيرات الأضخم منذ التفجيرات الثلاثية وسط عمّان قبل ثلاث سنوات، تأتي وسط تغاضٍ حكومي عنها، باستثناء المظاهر الأمنية المرافقة للمسيرات.

ويرى محللون سياسيون أن تراخي الحكومة المحسوب المتمثل بالسماح للمتظاهرين بالوصول إلى مقربة من السفارة المصرية في جبل عمّان، وتعالي الهتاف المندد بموقف الرئيس المصري، ساهم في تخفيف حدّة الاحتقان الشعبي جرّاء مجازر غزّة.

سماح الحكومة بانطلاق المسيرات والمظاهرات جاء لـ"تلافي الصدام"، بين الحكومة والشعب الأردني، على حد تعبير محمد (طالب في الجامعة الهاشمية) الذي كان يلوح بالعلم الفلسطيني بيد، ويحمل بالأخرى مجسما لسلاح ناري "كلاشنكوف".

شعارات وشعارات

المظاهرات شهدت تفاوتا واضحا بين الخطاب الإسلامي والشعارات الملحّنة التي تطلقها أحزاب وقوى وطنية ينتمي إليها شباب من كلا الجنسين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاما. هتافات الشباب شدّدت على "ضرورة إلغاء معاهدة السلام والمطالبة بالعودة إلى الكفاح المسلح"، بينما غلبت الشعارات الدينية التي "تطالب بالعودة إلى الالتزام بالدين الإسلامي" وسط تكبير الحشود والدعوة إلى أن "يكون القرآن هو الدستور والقسّام قائدا للأمة". وراء الرجال الملتحين توارت نساء محجبات.

المظاهرات التي اجتاحت البلاد ساهمت في "تعزيز الوحدة الوطنية"، على حد تعبير أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني إرشيد الذي خطب بالمعتصمين أمام مبنى رئاسة الوزراء الاثنين الماضي.

أكبر المظاهرات انطلقت ظهيرة الاثنين الماضي، الذي صادف عطلة رأس السنة الهجرية، من مجمع النقابات إلى مبنى رئاسة الوزراء بمشاركة آلاف الأردنيين. هتف المشاركون بصوت واحد تضامنا مع غزّة، ورفعوا أعلاما أردنية وفلسطينية ورايات الأحزاب التي يمثلونها.

نظم تلك المسيرة القوى النقابية والسياسية والشعبية والطلابية للمطالبة بـ"إلغاء معاهدة وادي عربة».

العدد غير المسبوق جاء نتيجة لتوافق جميع الأطراف والقوى والفعاليات السياسية والحزبية والنقابية للخروج معا تعبيرا عن موقف الشارع الأردني الرافض للاستمرار في العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي.

التوافق في الخروج في المسيرة تطابق أيضا مع اتفاق ضمني بتوحيد الشعارات، بحسب النائب الإسلامي السابق ليث شبيلات. لكن الاتفاق لم يُترجم على أرض الواقع. فالشعارات التي تخرج من حناجر الإسلاميين الذين يرفعون الرايات الخضراء المكتوب عليها "لا الله إلا الله محمد رسول الله" تهاجم منظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس عباس، بينما تمتدح صواريخ القسام وحركة حماس. من بين الشعارات: "يا حماس سيري سيري"، و"اسمع اسمع يا عباس شعب الأردن كله حماس"، و"ليش رضيتوا بالحل السلمي" و"يا حكومة ويا رئيس ما بدنا وكر الجواسيس"، في إشارة إلى السفارة الإسرائيلية.

شبيلات رأى أن المشاركة في المسيرات تأتي من باب "الشعور الإنساني مع شهداء غزة وشعبها". غير أنه يشير إلى وجود "انقسام غير مسبوق بين النخب الإعلامية العربية حول توصيف العدوان على غزة". ودلل على هذا الانقسام، بالفارق في التغطية الإعلامية بين قناة "الجزيرة" الفضائية التي تبث من قطر والتي تصف الغارات بأنها "عدوان على الشعب الفلسطيني"، وبين قناة "العربية" المحسوبة على المملكة العربية السعودية والتي تعدّ الهجوم "هجوما على حماس".

في السياق نفسه، خرجت مسيرة في الجبل الأبيض في الزرقاء شارك فيها أبناء عشيرتَي الدوايمة والخلايلة اللتين كانتا شهدتا نزاعا تخلله صدامات دامية على أسس إقليمية استمر لأشهر.

خطاب رسمي حازم وتناغم بين القيادة والشارع
 
01-Jan-2009
 
العدد 57