العدد 57 - ثقافي | ||||||||||||||
رسمي أبو علي يذكر مخرج مونودراما «الزبّال»، حاتم السيد، في «البروشور» الخاص بالمسرحية، أنها عرضت في أحد مهرجانات المسرح الأردني في العام 1992، ولما سألته في ما بعد عن السبب الذي يدعوه إلى عرضها بعد أكثر من ستة عشر عاماً، أجاب أن هذه المسرحية عرضت لمرتين فقط في عمان ونجحت نجاحاً كبيراً، وكان مقرراً أن تنتقل عروضها إلى دمشق حيث كان يقيم كاتب المسرحية الراحل ممدوح عدوان، لكن لأسباب تتعلق بظروف الممثل في المسرحية، فإنه لم يكن ممكناً عرضها هناك. يضيف السيّد، أنه كان يحسّ بغصة في قلبه طيلة هذه السنوات، لأن المسرحية لم تأخذ حظها من النجاح الذي تستحقه، وتأتي استعادة عروض المسرحية في مركز الحسين الثقافي، والمركز الثقافي الملكي، في هذا الإطار. المسرحية من نوع «المونودراما» التي تقوم على أداء ممثل واحد، وهي تتحدث بلسان الزبّال «أبو عدنان»، عن نفسه وعما آلت إليه أحواله بعد ثلاثين سنة من الخدمة، كما تتحدث عن العلاقة الطريفة بين الزبالة وبين شخصية صاحبها، رجلاً أو امرأة، من سكان العمارة، ضمن معادلة أو مقولة:«قل لي ما نوع زبالتك، أقل لك من أنت».. وهي إضافة طريفة لهذا النوع من الأقوال، مثل «قل لي من تصادق أقل لك من أنت.. أو قل لي ماذا تقرأ فأقول لك.. إلخ..». هنا، إذن، وفي هذه المسرحية لدينا الزبال «أبو عدنان» (قام بالدور عبد الكامل الخلايلة باقتدار)، وهو يروي مأساته التي تتلخص في أن ابنه وزوجته ضغطا عليه ليستقيل من عمله الذي يسبب لهما الحرج، وأنه تحت الضغط اضطر إلى الاستقالة بعد أن هدده ابنه وبدفع من زوجته بطرده من المنزل إذا أصرّ على البقاء زبالاً.. بعد الاستقالة يقع في فراغ كبير كأنه فقد المعنى والاتجاه في الحياة.. ولعل هذا ينطبق على عدد كبير من المتقاعدين وبعضهم شغل مناصب مرموقة، وحده «أبو عدنان» أمام هذا الفراغ يعود إلى مكانه المفضل، زبّالاً، يعمل ضمن دائرة صغيرة قرب إحدى العمارات السكنية. تبدأ المسرحية بمناداة «أبو عدنان» على صديقه الحميم وزميله في المهنة «أبو عبدالله».. ولكن «أبو عبدالله» لم يعد موجوداً، وهذا يضاعف من إحساس المرارة والوحدة لهذا الزبّال، الذي نعرف بالتدرج أنه إنسان مرهف رغم مهنته الوضيعة غالباً في رأي المجتمع. تتجلى الأبعاد الإنسانية والاجتماعية الناقدة اللاذعة للزبّال من خلال حديثه عن عدد من سكان العمارة الذين قام بخدمتهم على مدى ثلاثين سنة، وبات يعرفهم رجالاً ونساءً، معرفة عميقة من خلال نوعية زبالة كل واحد منهم. من هؤلاء «أم شاهر»، العجوز المتصابية والمتزوجة من رجل يبدو أن ثروة كبيرة هبطت عليه، وبسبب هذه الثروة فإن هذه العجوز تبدأ بشراء أثاث ولوازم جديدة للبيت، وتحرص على أن يعرف الجيران ماذا اشترت.. ويتوج زوجها كل هذه المشتريات بسيارة جديدة، ومن أجل مباركة السيارة، فإنه يشتري خروفاً ويذبحه ويلطخ السيارة بدمه، لكن أم شاهر بدل أن توزع لحم الخروف على الناس المحتاجين، فإنها تلتهم الخروف، وتكوّم جميع العظام فوق صفيحة زبالتها حتى يراها جميع السكان. هناك أيضاً الأستاذ «تيسير»، المثقف الذي لا يكف عن الحديث عن الاشتراكية، وماركس، ولينين، لكنه لا يتورع عن دسّ زجاجات الخمرة التي يشربها في زبالة «أم إبراهيم» - وهي امرأة وحيدة فاضلة مشهود لها بالسمعة الطيبة.. و«أم عبدالرحيم» التي تعيش من خياطة ابنتها الخرساء، وشخصيات أخرى حفلت بأنواع منها كتاباتٌ مسرحية وقصصية عربية في العقود الماضية. لعل كاتب المسرحية ممدوح عدوان، والمخرج أيضاً إلى حدّ ما، يشتركان في الذهاب أبعد من كشف هموم الزبّال وعالمه الذي يدور على الزبالة، ليصلا إلى أن الوطن العربي ربما أصبح مزبلة للغرب عندما سمح بعض المسؤولين العرب بدفن نفايات نووية في أكثر من بلد عربي. تحرك الممثل عبدالكامل الخلايلة، بمرونة ورشاقة في الحيز الضيق المتاح له بين أكوام الزبالة، واستطاع أن يقدم عرضاً جيداً ليصل في الدقائق الأخيرة إلى ذروة المأساة عندما ينطلق صراخ طفل يبدو أنه مريض، ليتضح أن هذا الطفل هو حفيد الزبّال، وقد تركه والده وأمه وحيداً وذهبا للسهر في إحدى الحفلات.. يتصاعد صوت الطفل إلى أن يسكت تماماً، ويعرف «أبو عدنان» المفجوع أن الطفل قد مات، فيطلق صرخات الرعب والاستهجان منهياً الفعل الأخير في المسرحية. مسرحية المونودراما التي تنهض على ممثل واحد من أصعب أنواع المسرح، كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، لذلك فإن تقديم مونودراما مغامرة غير مضمونة النتائج ، فهي بحاجة إلى ممثل موهوب يستطيع حمل العرض وحيداً باستثناء بعض المتكآت التي قد يبتكرها المخرج. ضمن هذه الشروط، فإنه يمكن القول إن العرض كان ناجحاً، سواء من حيث الإخراج أو التمثيل، وقد استغرق ساعة كاملة، وهي مدة طويلة عموماً بالنسبة لأي مونودراما. المخرج المنفذ في المسرحية هو العراقي مظفر الطيب، إضاءة محمد المراشدة، وتنفيذ ديكور ناصر شحدة. |
|
|||||||||||||