العدد 57 - ثقافي | ||||||||||||||
تزامنت وفاة الباحث الأميركي صمويل هنتنغتون مع وفاة هارولد بنتر ليلة عيد الميلاد عن عمر يناهز 81 عاما. وجاء رحيله بعد مرور 15 عاما على تقديم رؤيته لحتمية حدوث صدام بين الحضارات في مقالة شديدة الأهمية والتأثير نشرتها له مجلة «فورين أفيرز» (الشؤون الخارجية) العام 1993، بعنوان «صدام الحضارات». هذا الصدام، حسب رؤيته، يعني وجود تضادات حضارية على مستوى المفاهيم والقيم لدى شعوب محددة، وهذه المفاهيم ما زالت قائمة وفاعلة، وهي تتناقض مع المفاهيم والقيم الغربية الحضارية السائدة والمهيمنة في عصر العولمة. عُرف هنتنغتون في الخارج برؤيته هذه، بخاصة حينما أفاض في شرحها وتوسيعها في كتابه «صدام الحصارات وإعادة صياغة النظام العالمي»، الذي صدر العام 1996 وتُرجم إلى 39 لغة. وُلد صمويل فيليبس هنتنغتون في 18 نيسان/ إبريل العام 1927 في نيويورك، وحصل على شهادة من جامعة ييل العريقة وعمره 18 عاما، وبدأ التدريس في جامعة هارفارد وعمره 23 عاما، ولم يتوقف عن إلقاء محاضراته فيها إلا العام الفائت. ألّف وشارك في تأليف 17 كتابا و90 مقالة علمية حول السياسة الأميركية ونشر الديمقراطية، والسياسة العسكرية والإستراتيجية، وسياسة التنمية. أصدر هنتنغتون قبل حوالى نصف قرن كتابه الأول «الجندي والدولة»، شدد فيه على أولوية الأمن على القيم الليبرالية، فأغضب الأوساط الأكاديمية التي وصفته بأنه «موسيليني» جديد. وفي الخمسينيات، عمل كاتبا لخطب آدلاي ستيفنسون، المرشح الرئاسى الديمقراطي، ثم مستشارا للشؤون الخارجية مع هوبرت همفري (نائب الرئيس جونسون) في الستينيات، وفي فترة رئاسة كارتر، عمل منسقاً للتخطيط الأمني، وشارك بريجنسكي في تركيز السياسة الخارجية الأميركية على «حقوق الإنسان». في كتابه "صدام الحضارات"، قسّم هنتنغتون العالم إلى حضارات متنافسة، إستنادا إلى التقاليد الدينية، مثل: المسيحية والإسلام والهندوسية والكونفوشيوسية، وادعى أن المنافسة والصراع بينها أمر حتمي، وذلك لأن وجود أكثر من جماعة عرقية تعيش في منطقة إقليمية واحدة، ولم تنصهر في مجتمع واحد متجانس، يؤدي إلى وجود قيم وثقافات مختلفة تنشأ حولها الصراعات، عندما تحاول دولة ما أن تتبنى أو أن تفرض قيمها على شعب حضارة أخرى. هذه القضايا، من وجهة نظره، هي التي تكون مصدر الصدامات بين البشر عبر التاريخ، فالاختلافات الثقافية تجعل الصراع أكثر حدة. بيّن هنتنغتون أن الحضارات الآسيوية عديدة، لكنه أكّد أن القيم الدينية الإسلامية هي الأشد ثباتا ومعارضة لقيم الحضارة الغربية، الأمر الذي قد يترتب عليه صدام مستقبلي على مستوى الأفكار والقيم بين الشعوب الحاضنة لهذه القيم. وخلص إلى القول إنه لكي نفهم النزاع في عصرنا وفي المستقبل، يجب أن تُفهم الخلافات الثقافية، وأن يتم القبول بالثقافة (بدلاً من الدولة) كطرف وموقع للحروب. لذلك فقد حذّر من أن الأمم الغربية قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم طبيعة الاحتقانات المتنامية حالياً، وغير القابلة للتوفيق. كان من الطبيعي أن تتعرض نظرية هنتنغتون، التي تناقضت مع نظرية متعلقة بديناميكية السياسة الجغرافية لصاحبها فرانسيس فوكوياما في كتابة "نهاية التاريخ"، إلى انتقادات وصفت صراع الحضارات بأنه الأساس النظري لشرعنة عدوان الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الصين والعالم الإسلامي. إلا أن هنتنغتون أكد أن التغيير في البنية السياسة الجغرافية يتطلب من الغرب أن يقوّي نفسه داخلياً، ويتخلى عن عالمية الديمقراطية والتدخل المُلِح. آخر كتب هنتنغتون «من نحن؟ تحديات الهوية القومية لأميركا" نُشر في العام 2004، وهو يعنى بالهوية القومية لأميركا والتهديد المحتمل الذي تشكله الهجرة اللاتيتنية الضخمة، التي يحذر هنتنغتون من أنها قد "تقسم الولايات المتحدة إلى شعبين، بثقافتين ولغتين". ومثل صراع الحضارات أثار الكتاب جدلاً واسعاً، واتهم بعضهم هنتنغتون بالخوف المَرَضي من الأجانب لتأييد الهوية الإنجلو بروتستانتية لأميركا، وللانتقاص من نظم القيم الأخرى. |
|
|||||||||||||