غالباً ما تنعكس العلاقة الإشكالية بين الولايات المتحدة والعالم العربي في الخطاب الثقافي العربي بصور نمطية عديدة، وذلك على خلفية قضايا سياسية في مقدمتها الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل حيال الصراع العربي الإسرائيلي، وأضيف إليه في السنوات الخمس الأخيرة احتلال العراق، رغم محاولة بعض المثقفين العرب إيجاد قنوات للحوار الثقافي والفكري بين الطرفين. لكن، كيف تبدو تلك الصور في الأدب والفنون العربية؟ هل تقوم على الحقائق، أم إنها تخضع لمواقف سياسية ومنظورات أيديولوجية، أم تنطلق من أمانٍ وعواطف تحاول سحب مشاعرها على حساب الوقائع؟

يمكن البحث عن الإجابة لدى عدد من النقاد العرب المعنيين بالشعر والرواية والمسرح والسينما، المشاركين في ندوة "أميركا في الثقافة العربية" التي عقدت منتصف كانون الأول/ديسمبر 2008 في الدوحة.

في ما يتعلق بالشعر العربي، يلاحظ الناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي أن الصورة التي يبتنيها الشعراء العرب لأميركا صورة بشعة وملتبسة في منتهى الالتباس، لأنها تحمل في صلبها نقيضها، حتى لكأن وعي الشاعر العربي يحرص على التفنن في رسم أميركا بوصفها مصدر الأفول الكوني المتربص بالبشر والدنيا. أما لاوعيه الذي يتراءى في النصوص فيخفي افتتاناً بأميركا ومنجزاتها الحضارية وآدابها وفنونها. وفي حين تبدو مواقف الشعراء من أميركا عدائية فاضحة لا تقبل التأويل لأنها بينة صريحة بموجبها، يكاد الشعر يتحول إلى شعارات سياسية، وتأتي المستويات العميقة من تلك النصوص، محملة بالافتتان والإعجاب بهذا الذي نظنه الغريم الأبدي، حتى لكأن الشاعر الذي يرسم لأميركا صورة في منتهى القتامة، يتمنى في السر أن يخرج من جلده ويتماهى مع الأميركي ويصبح هو. ويرى اليوسفي أن صورة أميركا في الشعر العربي كثيراً ما كانت صورة متخيّلة اضطلعت الوسائط في تحديد ملامحها بدور مهم، لذلك عمد الشاعر العربي إلى التخفي والمواربة كي يقنع بأن الصورة التي يبتنيها ليست صورة متخيّلة، بل هي صورة حقيقية.

في حقل الرواية العربية الحديثة، يرى الناقد العراقي عبد الله إبراهيم أن بعض الكتابات السردية نظر إلى أميركا بوصفها سيرة عميقة الأثر في العصر الحديث، لكنها عميقة الإيغال في الإبادة التي تستمد اسمها من غاز اسمه «أميركو». ويرصد في هذا السياق روايتين هما أحدث نموذجين لتمثيل صورة أميركا السلبية في الرواية العربية: الأولى «شيكاغو» لعلاء الأسواني، والثانية «أميركانلي» لصنع الله إبراهيم، ويبين أن موضوع التنكيل بسكان أميركا الأصليين في هاتين الروايتين عكس جانباً من صورة أميركا في المخيال العربي.

الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس يعتقد أن الأفلام العربية القليلة التي تحمل نظرةً تجاه أميركا قدمت، في معظم الأحيان، صورةً اختزاليةً لها، موروثة في جذورها من أيام الحرب الباردة: صورةً تفترض أن أميركا هي السلطة الأميركية، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأيديولوجيا الحلم الأميركي الذي جرى تسويقه من حين إلى آخر في السينما الأميركية نفسها، وكذلك في انتشار كل ما هو أميركي في شتي أنحاء العالم: من الكوكاكولا والماكدونالد والسراويل الجينز، وما إلى ذلك.

يخلص العريس إلى أن كل ما قدمته السينما العربية في هذا السياق هو جزء من أميركا، ووجه من وجوهها، وليس كل أميركا. ومن الظلم، والحمق أيضاً، اختصارها في وجوهها القبيحة فقط، كما يفعل عدد كبير ممن يسمون بالمحللين الصحفيين، والخبراء الذين يكثر في زماننا هذا استدعاؤهم إلى شاشات التلفزة ليتحدثوا عن أميركا.

أما في حقل المسرح، فإن كاتب هذه السطور يذهب إلى أن صورة أميركا في الخطاب الأدبي أو الفني العربي لا تشذ عن صورتها في أذهان أغلب المواطنين العرب. وفي محاولته الوقوف على التمثيلات المباشرة والرمزية لتلك الصورة في المسرح العربي الحديث، يخلص إلى أن الصورة النمطية السلبية لأميركا، نظاماً ومجتمعاً، هي المهيمنة على رؤية جميع الكتاب والمخرجين والمسرحيين العرب، الذين قدموا مقاربات درامية للعلاقة الإشكالية بين الولايات المتحدة والعالم العربي، وتحتوي تلك الصورة على جملة أحكام قيمة منها: أميركا دولة معادية للعرب وحليفة لعدوهم التاريخي إسرائيل، أميركا دولة استعمارية لا تتردد في احتلال أي بلد عربي من أجل مصالحها، الثقافة الأميركية متمركزة على نفسها وتجهل أو تتجاهل ثقافات الشعوب الأخرى، وأخيراً، السياسة الخارجية الخاطئة التي تنتهجها أميركا، فضلا عن الأزمات العميقة التي تنخر بنيتها الاقتصادية، تؤذن بانهيارها كدولة عظمى.

لكن الباحث يرى أن الحكم الأخير، كما هي الحال في مسرحية «الإسكافي ملكاً» للمصري خالد الصاوي، وكأنه يتقمص دور المنجمين المتخصصين بإطلاق نذر النهاية والقيامة، الذين يقتاتون من هزائم الشعوب، وحاجة الناس إلى مخدّر الأوهام.