العدد 57 - رزنامه
 

السّجل - خاص

تكشف أعمال السويدية فليز إيما سوياك عن تلك الطاقة الخلاقة التي يمكن أن يمتلكها الذهن، وقدرة الإنسان على النظر بعمق لما خفي تحت السطح، اعتماداً على ما يختزنه العقل من تجارب حياتية خاصة، وإنسانية عامّة.

المعرض المقام على غاليري زاره، يجسد تجربة سوياك التي عمل على تطويرها، بوعي أحياناً ومن دون وعي أحياناً أخرى، تنقُّل الفنانة منذ طفولتها في بيئات مختلفة، وقدرتها على التكيف مع ثقافات متنوعة اختبرتها وعايشتها.

هذا ما تؤكده سيرة سوياك، حيث ولدت العام 1979 في بلجيكا لأم سويدية وأب تركي، وعاشت في اليابان والولايات المتحدة الأميركية، وانتقلت منذ تموز/يوليو 2008 إلى الأردن، وكانت تدون يومياتها في مدينة عمّان. جاءت اليوميات على شكل مشاهد من الإيقاع الصاخب للحياة اليومية في المدينة.

بموازاة توظيف اليوميات، استلهمت الفنانةُ البيئةَ الأردنية في أعمالها، وتعالقت مع الحضارات التي تعاقبت على الأردن، وعبّرت عن التمازج التاريخي والإنساني فيه بلوحات تستمد طاقتها من الإيقاع السريع للحياة اليومية، ومن روعة صخور البترا الوردية ورمال صحراء وادي رم، فتضمنت لوحاتها طبقات من المعاني تكشف عن روح المكان.

اعتمدت سوياك في تنفيذ لوحاتها على تقنيات متعددة، منها: الألوان الزيتية، ألوان الباستيل، الألوان الشمعية، التصوير الفوتوغرافي، وحبيبات الرمال التي جمعتها من غير مكان أثري في الأردن، لتجلل سطوح لوحاتها بمزيج لما تراه العين، وما يستدعيه الذهن من ذكريات وانطباعات يمتزج فيها العام بالخاص.

توحي ألوانها من البنّي الترابي والأحمر الوردي والأخضر العفني والأصفر الباهت، أنها سطوح أماكن أثرية قديمة: الجدران بالية، الأبواب صدئة، الطلاء متقشّر، والسطوح طالها التجريح والخدش والكشط، لكأنما يحمل كل واحد منها قصة تدعو المشاهد لقراءتها.

تحرر سوياك الألوان من قيد الفرشاة وتتركها تسيل على سطح اللوحة خطوطاً تلو أخرى، تاركة بقعاً عشوائية تتوزع هنا وهناك، تمنح المشاهد إحساساً بأن السطح يتآكل بفعل دوامة الزمن.

اللوحات تضمنت أيضاً أيقونات ورموز ونقوش وكتابات قديمة، وحروفاً يابانية حُشرت داخل ما يشبه المربع حيناً، أو خُطّت أسفل اللوحة حيناً آخر، بينما أُطِّرَت لوحة واحدة بإطار لرسوم زرقاء باهتة، تنسجم مع البنّي الداكن لمتن اللوحة.

عدد من اللوحات نُفّذ بأسلوب الكولاج: قطع من قماش تجاورها أوراق شجر مختلفة الألوان حُدّدت باستخدام قلم ذهبي. ورغم اختلاف التقنية إلا أن علامات القِدَم ظلت متسيدة السطح.

أعمال سوياك تريد أن تقول إن شبكية العين تفقد قدرتها على الإبصار إذا ما أصبح الذهن خالياً؛ الذكريات، والأحلام، والخبرات الثرية في اللاوعي الإنساني المتشكلة من إيقاع حياة الفرد اليومية ومن تراثه الحضاري ضارب الجذور، هي المفاتيح الأساسية لفهم الحياة وجوهرها.

معرض البلجيكية فليز سوياك: استلهام البيئة وتوظيف اليومي
 
01-Jan-2009
 
العدد 57