العدد 56 - اعلامي | ||||||||||||||
«حَمّلنا القضية أكثر مما يجب (...) ربما عبّر الزيدي عن وجهة نظره في بوش، ولكن يجب أن لا نحول حذاءه الى رمز للشهامة والكرامة العربية، التي تداس يوميا ببساطر قوات أميركية وإسرائيلية كل يوم في العراق وفلسطين». هكذا عبّر أكاديمي أردني عن رأيه في ما دار خلال الأسبوع الفائت عبر وسائل إعلام عربية وغربية ومحلية، وبرلمانات عربية، وجدت في «حذاء» منتظر الزيدي رمزاً للعروبة الضائعة، ورداً على «الصلف» الأميركي والزهو الـ«بوشي». خلال الأيام العشرة المنقضية، لم تخلُ وسيلة إعلام عربية، وعالمية من تغطيات وتحليلات وتعليقات ورسوم كاريكاتورية لحدث رمي الصحفي العراقي منتظر الزيدي بـ«فردتي حذائه» على الرئيس جورج بوش خلال مؤتمر صحفي عقد في بغداد الأحد الواقع في الرابع عشر من الشهر الجاري. الأكاديمي نفسه، الذي طلب عدم نشر اسمه تجنباً لردة الفعل الشعبية، اعتبر أن ما دار هو تعبير عن حالة «شعبوية» يواصل العالم العربي القيام بها عند كل حدث، فيما شدّد على أن ذلك القول لا يعني عداءه لما قام به الزيدي، وإنما أخذه في سياقه الطبيعي، ووضعه في حجمه الصحيح، مطالباً في الوقت عينه التعامل مع الزيدي على قاعدة حقه في التعبير عن وجهة نظره. صحفيون وكتاب رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خشية أن يفهم كلامهم بغير ما يرنون اليه، أكدوا أن ما قام به الزيدي، يأتي في باب التعبير عن وجهة النظر، بيد أنه لا يرتقي إلى المهنية الصحفية وموضوعيتها. وأشاروا إلى أن مهنة الصحافة تتطلب حرفية عالية ومهنية مطلوبة، وأن لا يقوم الصحفي بإدراج موقفه الشخصي فيما يكتب، معتبرين أن الإعلاميين جميعاً يعلمون ذلك على قاعدة أن ذاك من ابجديات الصحافة التي يتعلمها الإعلامي في الدرس الأول، غير أن السواد الأعظم يرفض قول ذلك، في ظل هذا التحرك «الشعبوي» الجارف، الذي يصعب معه الحديث بالمنطق، أو بالقناعات التي تؤمن بها. بيد أن الكاتب حازم صاغية في صحيفة «الحياة» اللندنية حاول ملامسة العقل، والكتابة بشكل أكثر عمقاً فقال: «لم يستوقفنا أن جورج بوش وقع الاتفاقية التي جاء ليوقعها، والتي يصفها خصومه بأنها كارثة على العراق. لقد وقع واستغرب حجم قدم الزيدي ومضى في طريقه إلى أفغانستان. حسناً، تعادلنا إذاً: أخذ الاتفاقية وأخذنا ضربة الحذاء التي أخطأت هدفها». ويردف متسائلاً بالقول: «أيُقال بعد هذا إن عقولا كعقولنا، وشعوبا كشعوبنا، لا يليق بها إلا صدّام حسين؟!». الزيدي قال كلمته ومشى، وترك الجموع العربية من المحيط الى الخليج، العطشة لـ«نصر وهمي»، تعبر عن نفسها وانفعالاتها من خلال تحليل لحظة رمي الحذاء ومدلولاتها ومكنوناتها. رمية الحذاء (تعتبر أبلغ رموز الإهانة في العالم العربي)، تبعها ردود أفعال قوية، تناقلتها وسائل الإعلام في المنطقة، وشكلت مادة نقاش «دسمة»، في الشوارع وغرف الدردشة، وساحات التراسل عبر الإنترنت، فاكتظت الشبكة العنكبوتية بألعاب تتمثل بقذف حذاء إلكتروني، وتعليقات تهلل لقاذف الحذاء. ظهرت مواقع إلكترونية متخصصة للمطالبة بمؤازرة الزيدي، «الرجل الذي تحدى بفردتي حذائه الرئيس الأميركي» وفق موقع «أخبار العرب»، فيما قارنت فضائية «الجزيرة» بين هزيمة وانسحاب القوات الأميركية من العراق، وبين «صفعة الحذاء». المؤازرة الشعبية تعدت شخص الزيدي لتصل الى حد مؤازرة حذائه، حيث تشكلت رابطة لدعم الحذاء، في موقع «فيس بوك» الاجتماعي الشهير، جذب إليه آلاف المناصرين. استقبلت القناة التي يعمل فيها الزيدي (البغدادية) آلاف الرسائل التي تعبر عن تضامن المتصلين معه، باعتبار أنه «بطل» استطاع أن يوجه للرئيس جورج بوش صفعة الوداع الأخيرة، بيد أن بعض المتصلين بالقناة انتقد ما قام به الزيدي، معتبرين أنه أساء إلى دوره كمراسل (...) كما أساء إلى مهنة الصحافة بتصرف لا مغزى له، ونفذه على حساب الشعب العراقي (...) العراق هو الخاسر الوحيد نتيجة ذلك». هكذا قال متصل، عرّف عن نفسه بنسيم منصور. وسائل الإعلام المحلية، كقريناتها العربية هللت لرامي الحذاء، ونفذ نقابيون وحزبيون اعتصامات رمزية، تضامنا معه، فيما وقف مجلس النواب في خطوة مفاجئة، دقيقة إجلال وإكبار للصحفي العراقي. «وقفة النواب» شاركهم فيها، 3 وزراء: هم عبد الرحيم العكور، مزاحم المحيسن، وحمد الكساسبة. الوزراء وقفوا دون التفكير بأبعاد وقفتهم تلك، وبخاصة أن ذلك يمكن أن يُفهم منه تأييد حكومي لما قام به الصحفي العراقي، وهذا، بحد ذاته، يمكن أن يشكل مجالاً لمساءلة دبلوماسية بين الأردن وأميركا. أحد الوزراء الذين وقفوا لـ«الزيدي»، رفض كشف اسمه، أكد أن الوقفة جاءت «عفوية وغير مدروسة»، وحدثت بشكل مفاجئ. وأضاف أن هذا هو السبب في أن بعض الوزراء وقفوا، فيما تخلف آخرون، مبيناً أنه وقف عندما رأى أن رئيس المجلس استجاب لطلب الوقوف دقيقةَ «إجلال وإكبار». النواب قدموا لرامي الحذاء وجبة «تأييد وافتخار»، وصلت لحد التغني به وبحذائه، وتحولت «قبة المجلس» الى «سوق عكاظ»، فألقى النائب محمود مهيدات على مسامع النواب قصيدة مطولة، شهدت نهايتها تصفيقاً حاداً من قبل الحضور. بات الحذاء وفق تعبيرات قيلت في الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية، أو حتى في مجالس نيابية، مجالاً للشهامة العربية ورفضاً للخنوع. وجد كتاب من «رمية الحذاء» مجالا لشحن الهمم العربية، الأمر الذي أدى بصحفي لعقد مقارنة بين ما حدث بعد رمية الحذاء، وما كان يصرح به وزير الإعلام العراقي سعيد الصحاف إبان حملة الولايات المتحدة لاحتلال العراق واغتصابه. على الجانب الآخر كتب كتاب عبر مواقع إلكترونية مقالات ساخرة، هاجمت منطق «فرض الرأي بالجزمة»، فقد كتب كمال غبريال في موقع «إيلاف» الإلكتروني مقالة بعنوان «تحيا الجزمة العربية»، بدأه بالتذكير بأغنية كوكب الشرق أم كلثوم التي تقول: «أصبح عندي الآن بندقية، أصبحت في قائمة الثوار». يعرج بعدها غبريال على مسيرة البندقية العربية «الخائبة»، منهيا مقالته بالدعوة إلى رفع «أحذيتنا عالياً إلى الموقع الجدير بها، حتى لو اقتضى الأمر أن نسير على أيدينا ورؤوسنا، لتكون أحذيتنا عالية مرفوعة كما يليق بها». أما هاني نقشبندي، فكتب مقالة في الموقع نفسه، بعنوان «مكافأة نهاية خدمة!» يبدأ الكاتب المقالة بالتعبير عن رأيه الشخصي بالحادث، إذ يقول: «شخصيا، أعتقد أن من العيب إلقاء فردة حذاء على إنسان، ولو كان بوش... ولعل من العيب أن نستقبل ضيفاً، أيا كان، بفردتي حذاء». ويذهب الكاتب إلى القول إن بوش «ليس وحده من أخطأ، على الأقل بالنسبة للعراق، بل يتحمل المسؤولية العراقيون أنفسهم، خصوصا أولئك الذين دفع بعض أبرز رموزهم تجاه شن الحرب على بلدهم». ولا يفوت الكاتب أن يذكر قراءه بحذاء عراقي شهير آخر (ليس حذاء أبو القاسم الطنبوري البغدادي أيضا)، بل «حذاء أبو تحسين» الذي استخدمه صاحبه أمام العالم أجمع ليضرب به صورة صدام حسين قُبيل سقوط نظامه في العام 2003، ويختم الكاتب مقالته بقوله: «إن جاز لنا أن نصف ما حدث مع بوش، فسأقول إنه ببساطة تلقى أفضل مكافأة نهاية خدمة في حياته!». لم يقف الأمر عند الكتابات الصحفية والتعليقات الفضائية وانما شارك رسامو الكاريكاتير في التعبير عن القصة بصورة كاريكاتورية مضحكة حينا، وشامتة ببوش وسياسته أحيانا أخرى، فحملت اليوميات المحلية لأكثر من 3 أيام متتالية رسوماً كرتونية حول الحدث. |
|
|||||||||||||