العدد 56 - أردني | ||||||||||||||
يبدو أن الآثار التي تركها طوفان ارتفاع الأسعار وراءه تتجاوز انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، لتطال الجانب الاجتماعي، وهي آثار يرى خبراء أنها مرشّحة للاستمرار على مدى سنوات. ففي حين ساد اعتقاد في وقت سابق بأن كل ما هو أغلى هو أحسن بالضرورة، وأنه «كلما انفق الشخص زادت مكانته الاجتماعية»، فإن «الموضة» أصبحت تتجه هذه الأيام نحو الرأي القائل: «كلما وفّرت أكثر كان أفضل»، و«كلما استطعت الحصول على سعر أفضل كان ذلك أحسن». تغيُّر اعتقادات الناس، كما يؤكد نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، يتجسد في شراء كميات أقلّ، أو عبوات أصغر، مضيفاً أن هذا كان واضحاً في شهر رمضان الماضي عندما لاحظ التجار انخفاضا في مبيعاتهم وصل إلى 60 في المئة. شهر رمضان كان يوصف في العادة بأنه شهر البذخ والإنفاق والتباهي بالموائد الكبرى. سوسن، ربة منزل، تقول إنها تبحث عن المحال التي تعرض تنزيلات أو تخفيضات في الأسعار، وتتأكد دائما من أنها تحصل على أسعار جيدة في تلك التي لم تبدأ موسم التنزيلات بعد. رغم أن دخْل عائلة سوسن زاد مؤخرا، لحصول زوجها على عمل جديد براتب أفضل، إلا أنها تؤكد أن «الوضع صعب»، وأن «الادخار وتقنين النفقات هو التصرف الذكي، بخاصة أن العالم انهار اقتصاديا». وتضحك سوسن وهي تقول إن «اجتماعات القهوة الصباحية» مع جاراتها لم تعد للتفاخر بما اشترت كل واحدة منهن، بل بكيفية التوفير وصنع الأشياء منزلياً. بل إن سوسن وجاراتها أصبحن يشاهدن جماعيا حلقات للطبّاخة الأميركية الشهيرة ومثال العناية المنزلية «مارثا ستيوارت»، ويصنعن الحلويات والمخللات بأنواعها في المنزل. «حاليا، والدة واحدة من جاراتي تعلّمنا كيفية صناعة اللبن واللبنة في المنزل. هذا يسلّينا ويوفر علينا أكثر»، تقول سوسن. المحلل الاقتصادي حسام عايش أكد أن هذا هو «الوجه المشرق» لأزمة ارتفاع الأسعار، ويضيف أن هذا ربما يكون عاملا مساعدا في تغيير عادات الناس الشرائية والاستهلاكية إلى الأبد. «سنخرج من هذه الأزمة بمواطنين أكثر وعيا وأقل إسرافا، وهذا ما كنا نحتاجه للتخلص من صفات المجتمع الاستهلاكية السلبية التي كانت تسمي الإسراف في الإنفاق كرما والاقتصاد بخلا»، يقول عايش. عالميا، أدت الأزمة المالية والتخوفات من انهيار اقتصادي محتمَل، إلى التأثير في في تصرفات المستهلكين واعتقاداتهم، حيث برزت آراء ترى أن «الاقتصاد في النفقات والتفكير في طرقٍ لصنع الأشياء منزليا هي الموضة السائدة». الاتجاه الجديد الذي بدأ يتضح عبر تناقص مبيعات بعض المواد «الأساسية»، مثل المياه المعدنية، والوجبات الجاهزة. الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر Asda في المملكة المتحدة، آندي بوند، يرى أن الركود الاقتصاد أوجد «سلالة جديدة» من المستهلكين، متوقعا أن يشهد العالم تحولا طويل الأجل من الإسراف نحو الاقتصاد حيث «يعدّ المقتصدون أذكياء، والمسرفون أغبياء». بوند قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة «دايلي تلغراف»، إن هذا «التوجه الجديد بدأ في الظهور»، حيث لاحظ أن الزبائن يشترون كميات أو عبوات أصغر للحد من الهدر، ويتحولون من الأغذية الطازجة لصالح الأطعمة المجمدة والمعلبة التي ستستمر مدة أطول، فضلاً عن القيام بالأمور بأنفسهم، مثل صباغة الشعر، حيث كانوا في السابق يذهبون إلى صالونات التجميل للقيام بهذا. يؤكد بوند أن هذا التوجه الجديد سيتجاوز مستويات الدخل: «حتى لو كان لدى المستهلكين المال الكافي، فإن إنفاقه في وجوه غير صحيحة سيصبح غير مقبول اجتماعيا. الجيل الجديد من المستهلكين سوف يكون المسيطر على المجتمع ومن الجنون التفكير أن هذا سيتغير في القريب». آخِر تغيير واسع وجذري في سلوك المستهلكين عالميا كان بُعيد الحرب العالمية الثانية، التي ساد بعدها سلوك موحد اجتماعيا يقنن الإنفاق. يقول بوند:«ما زلت أذكر كيف كان والداي يتصرفان، وكيف كانا يختاران أوجه إنفاقهم. كثير من الناس الذين عاشوا فترة التقنين يذكرون كيف امتد ذلك لأكثر من 50 عاما». |
|
|||||||||||||