العدد 56 - اقليمي
 

عدي الريماوي

لم يكن حذاء منتظر الزيدي، الذي تفاداه الرئيس الأميركي المنصرف جورج بوش بلياقة عالية في العراق أخيرا، هو الأول الذي يستخدم في إعلان موقف سياسي، كما أنه لن يكون الأخير، فقد اقتدى أخيرا صحفي أوكراني بالزيدي حين استخدم حذاءه في التعبير عن موقف مناهض لانضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي، وذلك في حفل أقامه سياسي أوكراني مؤيد لانضمام بلاده إلى حلف الناتو بمناسبة افتتاح مركز إعلامي للحلف فيa مدينة أوديسا الأوكرانية، نهض الصحفي المعارض لانضمام بلاده إلى الحلف وقذف السياسي بحذائه، تعبيرا عن موقف معارض للخطوة. وفي إشارة إلى الزيدي قال الصحفي إن "الحذاء الخاص صار هو الوسيلة الناجعة للاحتجاج!".

يمكن اعتبار اللقطة الفريدة للزعيم السوفييتي الراحل نيكيتا خروتشوف وهو يضرب بحذائه الطاولة التي جلس عليها في الأمم المتحدة بداية لسلسلة من الأحداث التي استخدم فيها الحذاء في إعلان موقف سياسي. وقد استخدم خروتشوف الحذاء مرتين: الأولى حين قام في 12 تشرين الأول/أكتوبر من العام 1960، وخلال جلسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بالضرب بحذائه على المنصة، اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفلبيني، الذي انتقد فيه ما أسماه: الاستعمار السوفييتي في أوروبا الشرقية، والثانية في جلسة أخرى من الاجتماعات نفسها، حين خلع حذاءه وضرب به الطاولة التي كان يجلس إليها، وذلك احتجاجاً على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، داغ هامرشولد.

ومن حذاء خروتشوف إلى حذاء السفير الأميركي في فيتنام والذي شاهده العالم على شاشات التلفاز وهو يهرع إلى طائرة هليوكبتر هبطت فوق سطح السفارة الأميركية في سايغون، لتحمل السفير وطاقمه بعد التأكد من هزيمة الجيش الأميركي في تلك الحرب، وفي أثناء محاولة السفير اللحاق بالطائرة سقطت فردة حذائه، وكان عليه أن يتخذ قرارا صعبا بالعودة إلى التقاط الحذاء أو الرحيل بفردة واحدة، وبالطبع لم تتوقف الهليكوبتر حتى يسترد السفير حذاءه، فرحل بفردة حذاء واحدة !

الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأب، كانت له وقفة مع حذاء من نوع خاص، ففي أثناء انتخابات العام 1988، أطلقت حاكمة ولاية تكساس، آني ريتشاردز، وكانت حينها المتحدثة باسم الحزب الديمقراطي المعارض، عبارة شهيرة قالت فيها إن «بوش ولد وفي فمه حذاء من فضة»، في تحوير للعبارة الشهيرة بأن فلانا ولد وفي فمه ملعقة من فضة، وذلك للتعبير على أن بوش ينتمي لعائلة مرفهة وغير قادر على الإحساس بما يشعر به الشعب الأميركي من معاناة اقتصادية، وعند فوز بوش في تلك الانتخابات، قام بإرسال هدية لتلك الحاكمة، لم تكن سوى سلسال فضي صغير يحمل حذاء صغيرا من فضة!

لم تنته قصة بوش الأب مع الأحذية بذلك الحذاء الفضي الصغير، ففي أعقاب حرب تحرير الكويت في العام 1991، أمر الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين برسم صورة للرئيس الأميركي آنذاك بالفسيفساء على مدخل فندق الرشيد الشهير في بغداد، وقد كتب عليها بالعربية والإنجليزية «المجرم جورج بوش»، وذلك حتى يطأ كل من يدخل الفندق الفخم بحذائه صورة بوش. وبقي الأمر كذلك حتى احتلال العراق في شهر نيسان/أبريل 2003 حين سارع جنود الاحتلال إلى إزالة صورة بوش الأب في عهد بوش الابن الذي كان له موعد مع حذاء آخر.

لكن حتى ذلك الحين، لم تتوقف الأحذية عن لعب دورها في التعبير السياسي، ولكنها كانت هذه المرة كانت موجهة نحو الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، فبعد إسقاط تمثاله الشهير في بغداد في ساحة الفردوس في بغداد انهال عدد كبير من العراقيين الذين كانوا يرقبون المشهد بضرب رأس التمثال بالأحذية. وفي الشارع الذي سحب على طوله رأس التمثال رصدت الكاميرا صورة لشخص مسن يحمل صورة للرئيس المخلوع ويضربه بالحذاء، ولم يكن ذاك سوى «أبو تحسين» الذي اشتهرت صورته على شاشات التلفزة العربية والغربية، فدخل «نعل أبو تحسين» التاريخ.

قبل عامين، قام مواطنون أكراد بإلقاء أحذيتهم على عمّار الحكيم، نجل الزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم، خلال حضوره حفلا لافتتاح شارع بوسط مدينة أربيل في تعبير عن معارضة لموقفه السياسي.

في 22 كانون الأول/ديسمبر 2003، اشتهرت الأحذية في مكان آخر، فحين قام وزير الخارجية المصري آنذاك، أحمد ماهر، بزيارة إلى تل أبيب، حيث التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه أرئيل شارون في حين كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات محاصرا في رام الله. وفي أثناء زيارة قام بها الوزير المصري للمسجد الأقصى لتأدية الصلاة، فوجيء فور دخوله باحة المسجد الأقصى ببعض المصلين الفلسطينيين، يهاجمونه هتافات تتهمه بالخيانة، وبدأوا بإلقاء الأحذية عليه عند مدخل المسجد، وهو ما أدى إلى إصابته بحالة من الإغماء.

كثير من المشاهدين دهشوا حين رأوا الزيدي يستخدم فردة حذائه الثانية في ضرب الرئيس الأميركي، فهو حقق هدفه منذ الفردة الأولى. ومع الاختلاف، فإن إلقاء الفردة الثانية يذكر بما حدث يوما مع الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي كان يجري للحاق بالقطار الذي كان قد بدأ بالسير، وفي أثناء صعوده القطار سقطت إحدى فردتي حذائه على الأرض، وحين فشل في التقاطها، أسرع بخلع الفردة الثانية وإلقائها من نافذة القطار. وحين سئل عن ذلك أجاب: «أحببت لمن يجد الحذاء أن يستطيع الانتفاع بالفردتين وهو ما لن يحدث لو أنه وجد فردة واحدة".

“بوش الأب وُلد وفي فمه حذاء من فضة” الحذاء وسيلة للاحتجاج السياسي: من خروتشوف إلى الزيدي
 
25-Dec-2008
 
العدد 56