العدد 56 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة شم النسيم هو أحد أعياد المصريين القدماء، ويرجح المؤرخون أن الاحتفال به رسمياً يعود إلى العام 2700 قبل الميلاد. ويحتفل به في اليوم السابع والعشرين من شهر برمودة وفق التقويم القبطي، وهو، بحسب الأساطير الفرعونية، اليوم الذي قتل فيه الإله (ست) إله الشر، بعد أن انتصر عليه إله الخير (أوزوريس)، وكان الفراعنة يعتقدون أنه اليوم الذي خلق فيه العالم. الاسم، في الأصل، كان عيد (شمو) ويعني في اللغة الهيروغليفية بعث الحياة، لكنه تحور بعدها، وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة للجو اللطيف الذي يميز وقت الاحتفال به، والذي يتم وقت الاعتدال الربيعي، بعد انقضاء الشتاء، وقبل هبوب ريح الخماسين. لكن هنالك رواية أخرى تقول إن شم النسيم هو كلمة مصرية قديمة ترجمتها (بساتين الزروع) وتنطق (شمو) بمعنى بستان، و(سيم) بمعنى الزروع، مع علامتي الإضافة والجمع. عيد شم النسيم المصري يصادف عيد الفصح اليهودي، ذلك أن اليهود عندما فروا من مصر، اختاروا لخروجهم يوم العيد الذي ينشغل فيه المصريون باحتفالاتهم، وصار بالتالي اليوم الذي يحتفلون فيه بحياتهم الجديدة، ذلك أن كلمة الفصح في اللغة العبرية تعني الخروج أو العبور. وما زال المصريون في الوقت الحاضر يحتفلون بهذا العيد، ويمارسون طقوسه التي تعود إلى زهاء خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، فيخرجون صباحاً إلى النيل والمزارع والحقول حاملين معهم أصناف الطعام التي كانت جزءاً من طقوس احتفالات أجدادهم بهذا العيد، وهي الفسيخ، والبصل، والحمص الأخضر، والخسّ، والبيض، ولكل صنف من هذه الأصناف دلالة رمزية، فالخسّ الذي يوضع في سلال القرابين، كان يعتبر من النباتات المقدسة الخاصة بإله الخصب، وهناك لوحات فرعونية تظهره مرسوما تحت أقدام هذا الإله. الفسيخ، أو السمك المملح، يرتبط عندهم بتقديس النيل، الذي كان يعتقد أنه ينبع من الجنة. أمّا البصل، فتروي إحدى برديات منف القديمة أنه كان لأحد ملوك الفراعنة طفل مريض مرضاً يعتقد أن سببه الأرواح الشريرة، وقد استطاع أحد الكهنة طرد هذه الأرواح بالبصل، فكان ذلك سبباً في احتفاء الشعب بعدها به، حيث بدأوا في تقديسه، وتعليق حزم من أعواده الخضراء على أبواب منازلهم. وحتى الآن، ما زال كثيرون في قرى مصر يعلقون البصل على أبوابهم معتقدين أنه يمنع الأرواح الشريرة من دخولها. الحمص الأخضر، الذي كان يعتبر نضج ثمرته وامتلاؤها إعلاناً عن مولد الربيع، أطلق عليه قدماء المصريين اسم حور- بيك ، لأن ثمرته تشبه رأس (حور) الصقر المقدس لديهم. البيض يرمز إلى خلق الحياة، حيث ورد في أناشيد أخناتون «الله وحده لا شريك له، خلق الحياة من الجماد، وأخرج الفرخ من البيضة». وكانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها على الشرفات أو على فروع الأشجار، وكانوا يبدأون العيد بدق البيض، معتقدين أن البيضة التي لا تنكسر هي التي استجاب الإله لدعوات صاحبها. ارتباط البيض بالطقوس الدينية نجد له تجليات كثيرة، من أبرزها ارتباطه بعيد الفصح المسيحي، فالبيضة للمسيحيين القدامى هي رمز لقيامة المسيح من القبر، تماماً مثلما يخرج الكائن الحي من البيضة، وهم كانوا يحملون البيض إلى الكنائس ليباركها الكهنة، ثم يوزعونها على أفراد أسرهم، وهي عادة ما زالت قائمة في بعض الكنائس الشرقية. وثمة عيد شبيه بعيد شم النسيم، يسمى خميس البيض، وهو عيد كان يحتفل به المسلمون والمسيحيون في بلاد الشام ومصر، فهو على الرغم من أصوله الدينية، عيد شعبي. ويحتفل بعيد خميس البيض في يوم الخميس الذي يسبق يوم عيد الفصح مباشرة، وفيه تقوم النساء بسلق البيض وتلوينه بغليه مع قشور البصل اليابس أو زهور الصفير، ويقمن بتوزيعه على الأطفال. وهذا العيد نفسه كان يسمى (خميس الأموات)، حيث كان المحتفلون به يصنعون الفطائر والكعك ويتوجهون لزيارة المقابر، وهي عادة يشترك فيها المسلمون والمسيحيون. |
|
|||||||||||||