العدد 56 - أردني
 

خالد أبو الخير

"سوف لن تسلبوني أخي الوحيد إلى الأبد، ففي اليوم الذي سيعود فيه دموزي ومعه يصعد مزمار اللازورد الأحمر وخاتم العقيق الأحمر، سيصعد معه المنتحبون ذكوراً وإناثاً، ويقوم الموتى ويتنشقون رائحة دماء الذبيحة". رافقت هذه الأسطر من ملحمة نزول عشتار إلى العالم السفلي الأكدية طقوس إحياء عيد عودة دموزي "تموز" من عالم الموتى بعد رحلة محفوفة بالأخطار قامت بها عشتار لإنقاذه.

كان يجري في هذا العيد غسل تمثال دموزي "الإله الراعي" ومسحه بالزيت احتفاء بعودته الى الحياة في موكب مهيب ثم يسجى محاطاً بالكهنة ليراه الناس ويبجلوه.

ومن أعياد بابل عيد كانت تقرأ فيه قصة الخلق البابلية "اينوما إليش" وعلى ايقاع الموسيقى يجري تمثيل انتصار كبير الهتها "مردوخ" على أمه "تعامة".

ويشاطر الإله الفينيقي الجميل أدونيس الذي أحبته عشتار ايضاً وقضى نحبه في رحلة صيد حين قتله خنزير، دموزي عودته من عالم الأموات. والأعياد السنوية التي كانت تقام احياء لذكرى ادونيس تظهر العلاقات الوثيقة بين هذا الإله الممثل لعناصر الإخصاب المذكر وعشتار العنصر المؤنث المنجب. اما موعد عودته فكان في الربيع، ويحتفى به بأعياد تمتاز بالصخب والمجون والمتعة وحلق الشعور وزرع الحبوب في أوان تسمى "حدائق أدونيس" لانها تمتاز بسرعة ذبولها، فموعد موت الإله لايتعدى حلول الصيف.

وتتكرر قصة تمثيل موت الإله وعودته الى الحياة في الأعياد الكنعانية ، فموت إله المطر والسحاب، بعل ابن داجون، على يد "موت" إله العالم الأسفل الجبار، يحزن حبيبته إلهة الخصب عناة، فتبحث عنه بكل آسى وتجد جثته في الحقول، فترفعه على كتفها وتسير به، وتتحدى الموت وتطلب منه أن يعيد لها حبيبها، لكنه يرفض فتقرر مواجهته:

كقلب البقرة على عجلها

وكقلب الشاة على حملها

كذلك هو قلب عناة على بعل

لقد أمسكت بالإله موت

بالسيف تقطعه

وبالمذراة تذريه

وبالنار تشويه

وبالطاحون تطحنه

وفي الحقول تدفنه

حتى لا تأكل لحمه الطيور

ولا تنهش جسمه الجوارح.

ثم تعثر على بعل حيا فيقتص من باقي أعدائه, فيلتقيان ويقومان بفعل الحب باستعار واشتياق شديدين، آلاف المرات.

وفي طيبة وممفيس احتفل الفراعنة بعيد عودة "أوزيريس" وقيامته من بين الأموات، يستعيدون فيه تمثيلاً، قصة انتصار أوزيريس وزوجته "ايزيس" على إله الشر "ست" في احتفالات ضخمة يحضرها الفرعون وحاشيته.

بدأت الأعياد عند الشعوب القديمة كمناسبات دينية ترتبط بالخصب والحصاد وإعادة تمثيل يوم خلق العالم، وقد انتقل بعض هذه الأعياد إلى جزيرة العرب، في ركاب الإلهة التي اتخذت تسميات أخرى، كما أن عبادة عشتار "باسمائها"، التي عرفت بالعراق وبلاد الشام وغيرها على سبيل المثال، عرفت في اليمن أيضا، وهناك مناسبات أخرى للأعياد عند العرب، مثل ذكرى الانتصار في حرب ما أو تولي ملك عرشه أو سيد رئاسة قبيلته أو انعقاد الأسواق.

لا يتفق المؤرخون على عيد واحد من جملة الأعياد التي احتفلت بها القبائل العربية في الجاهلية كعيد قومي، فقد كانت لكل قبيلة أعيادها ومناسباتها تبعا لأصنامها ومناسباتها وتفرقها في البوادي والقفار. وذلك عدا عن أعياد اليهود والنصارى ذات المواقيت المحددة، والتي عرفها بعض العرب.

وقد عد الحج إلى مكة أهم مواسم الأعياد التي كان يلتقي فيها الناس في سلام بعيدا عن الثأر والعداوات التي كانت سائدة آنذاك بين الناس الذين كان همهم الأساسي تقديم فروض العبادة لآلهتهم من الأصنام التي كانت قائمة الكعبة في مكة. وكان الطواف حول الكعبة طقسا من طقوس الحج، حيث كان الناس يطوفون حول الكعبة وهم عراة، وحين أتى الإسلام أمر الرسول بارتداء ملابس الإحرام. وقد عرفت يثرب عيدين جاءا من بلاد فارس هما: "النيروز" و"المهرجان"، بالفارسية "مهركان"، وحين جاء الرسول أبدلهما بعيدي الفطر والأضحى.

ومن الأعياد التي كان يحتفل فيها في الجاهلية عيد يدعى "السبع"، وهو عيد لم يرد أي تفصيل تاريخي عنه، وعيد آخر هو "السباسب" والذي ذكره النابغة الذبياني حين قال:

رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب

ويوم السباسب، كما يؤكد بعض المؤرخين العرب، كان في الأصل عيدا للمسيحيين هو المعروف باسم "عيد الشعانين". ويرى جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام "أن هذا العيد كان معروفا في الحجاز، فقد ورد في الحديث أن "الله تعالى أبدلكم بيوم السباسب يوم العيد"، وإذا صح ورود هذا الحديث عن الرسول كان ذلك دليلا على أن أهل مكة كانوا قد عرفوا هذا العيد وعيدوه".

وقد احتفل المسيحيون العرب في أماكن تجمعهم بأعياد النصارى ومنهاعيد "السعانيين"، أي عيد "الشعانين". وهنالك عيد أطلقوا عليه اسم "السلاق"، قيل إنه مشتق من صعود المسيح إلى السماء، والكلمة من أصل آرامي هو سلوغو soulogo ، وعيد آخر يدعى "دنح" وهو من أصل آرامي أيضا، هو "دنحو" بمعنى إشراق أو ظهور ويراد به عيد الغطاس، فضلا عن احتفالهم بعيد الفصح الذي أشار له الأعشى بقوله:

بهم تقرب يوم الفصح ضاحية يرجو الإله بما سدى وما صنعا

واستوقف العرب احتفال المسيحيين بأعيادهم في وقت معين من السنة، حتى ضربوا به المثل، ومن ذلك قول العجاج:

واعتاد أرباطا لها اري كما يعود العيد نصراني

كذلك عرف العرب من أعياد اليهود عيد رأس السنة (روش هاشاناه)، وعيد الصوم الكبير "يوم كيبور".

وكان طبيعيا أن يتزين الناس في الأعياد ويمارسون اللهو وسباق الخيل ويتبارون في رمي الرمح أو المبارزة وغير ذلك من العاب لهوهم، فضلا عن الغناء والدق على المزامير والدفوف. وذكر "القشقلندي"، صاحب كتاب "نهاية الأرب"، وكذلك الشيخ القسطلاني في "إرشاد الساري"، "أن أهل يثرب كانوا أهل طرب وغناء، وأنهم استخدموا الأحباش للضرب على الدف والغناء في أيام الأعياد، وقد كانوا يلعبون في المسجد بالدرق والحراب، ولم ينههم الرسول عن ذلك، لأن اللعب كان في أيام العيد. وقد غنت جاريتان لعائشة، كما أذن الرسول للسودان باللعب في مسجده في الحراب والدرق ونشطهم بقوله: يا بني أرفدة".

المهركان ويوم السباسب: أعياد عرفها العرب في الجاهلية
 
25-Dec-2008
 
العدد 56