العدد 56 - أردني
 

محمد علاونة

"لم تعد الأعياد مصدرا للبهجة مثلما كانت سابقا، بل مناسبة يجب الاستعداد لها ماديا ونفسيا،" يقول عصام عباس، رب أسرة متوسطة الحال، في إشارة غير مباشرة إلى تحول الأعياد بأشكالها كافة إلى مناسبات مكلفة تواجه هذه الأسر كل عام.

ففي ظل الانخفاض الملحوظ للقدرة الشرائية للمواطنين بعد موجة ارتفاع الأسعار التي طاولت كل شيء تقريبا خلال العام الجاري، فإن أرباب الأسر، وبخاصة من ذوي الدخول المحدودة والمتوسطة، باتوا يقلصون من نفقاتهم المرصودة للأعياد، التي أصبحت تتجاوز في معظم الأحيان ما يرصدونه لتلك المناسبات، ليخرجوا في النهاية بعجز في موازناتهم ويدخل بعضهم في دائرة الديون بسبب اقتراضه مبالغ إضافية لمواجهة متطلبات الأعياد، "وإن كان من الصحيح أن أسعار المحروقات قد انخفضت بنسب كبيرة أخيرا، فإن المواد والخدمات الأخرى لم تنخفض بالنسبة نفسها فبقيت الأسعار مرتفعة." يؤكد عباس.

عباس الذي يتقاضى نحو 350 دينارا راتبا شهريا في القطاع الخاص يضاف له نحو 250 دينار هو ما تجنيه زوجته من عملها في قطاع الصحة، يشير إلى أن الأعياد تشكل عبئا إضافيا على موازنته الشهرية، خصوصا إذا ما تزامن حلول عيد الأضحى الذي تقابله التزامات شراء ملابس وحلويات، مع عيد رأس السنة الذي يرغب ابنه في قضائه مع أصدقائه في أحد المطاعم.

والعيد لم يعد مكلفا للمواطنين من ذوي الدخول المتواضعة فقط، بل إنه أصبح كذلك بالنسبة لصغار التجار أيضا، فقد أصبحت العطل التي تتزامن مع الأعياد، وتمتد لأكثر من أربعة أيام في بعض الأحيان، تحسب عليهم باعتبارها أيام عمل، في حين أنها تشهد ما يشبه وقفا لأعمالهم في ظل استمرار التزاماتهم من إيجارات وتسديد للشيكات التي التزموا بدفعها.

نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق يشرح ذلك بقوله إن الأعياد كانت فرصة لتعويض تراجع مبيعات التجزئة في الأسواق التي تجاوزت 50 في المئة، بيد أن هبوط القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار حالا دون ذلك.

ورغم أن سلعا معينة تشهد زيادة في الطلب مثل القهوة والحلويات واللحوم والمكسرات، فإن الحاج توفيق يرى أنها مازالت دون المعدلات المطلوبة، وأنها تخضع لمراقبة حثيثة يفرضها أرباب الأسر على موازناتهم بحسب الحاجة.

وتضم غرفة تجارة عمان وحدها، التي تنضوي تحت مظلة غرفة تجارة الأردن مع خمس عشرة غرفة تجارية وطنية موزعة على مدن المملكة، نحو 40 ألف تاجر.

لكن الحال ليس كذلك بالنسبة لسوق المجوهرات والحلي، فبينما تعتبر عطل الأعياد عبئا ماليا على التجار، فإنها لتجار الذهب فرصة يتم توظيفها من قبل المواطنين؛ مسلمين ومسيحيين، لإتمام عقود القران، وهي بالطبع مناسبات تحتاج لشراء كميات من الذهب.

يزيد في أرباح هؤلاء أن أسعار الذهب اتخذت نهجا صعوديا خلال العامين الماضيين ليسجل سعر الأونصة نحو 1036 دولارا في أيار/مايو الماضي، بحسب أمين سر نقابة تجار الحلي والمجوهرات ربحي علان، وذلك قبل أن ترتد هبوطا إلى مستوى 840 دولاراً للأسبوع الجاري فأصبحت مغرية للشراء.

وبين علان أن سعر الغرام من عيار 24 بلغ 19.1 دينارا بينما بلغ سعر غرام الذهب من عيار 21 نحو 16.8 دينارا، وهي مناسبة في مواسم الأعياد.

ومن العوامل الأساسية التي تأثرت بها القطاعات الاقتصادية خلال الأعياد وعلى عكس توقعات المتعاملين معها من مستهلكين وتجار، شح السيولة الذي تعاني منه السوق بشكل عام لعوامل مختلفة أبرزها: ارتفاع أسعار الفوائد لدى البنوك وانخفاض القدرة الشرائية.

حجم السيولة المحلية، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي الأردني، ارتفع خلال الشهور العشرة الأولى من العام 2008 بمقدار 2.35 بليون دينار لتبلغ 17.95 بليون دينار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

لكن الزيادة القياسية لمعدل التضخم الذي تجاوز 15 في المئة للفترة نفسها امتص تلك السيولة الزائدة لتأثيره المباشر على القدرات الشرائية. بمعنى أن السلع التي قابلتها تلك السيولة ارتفعت أسعارها بمقدار نسبة التضخم لتكون الزيادة في معدل السيولة، في المحصلة انخفاضا فعليا بمقدار الزيادة.

ولأن الأعياد يمكن أن تزيد من حجم الإنفاق في مجموعات الملابس ومواد الزينة والعناية الشخصية، فإن البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، تشير إلى أن إنفاق الأسر الأردنية على تلك المجموعات تقلص، بشكل ملحوظ، لحساب الإنفاق على المواد والسلع الغذائية.

ويبلغ المتوسط السنوي لإنفاق الأسر الأردنية على الغذاء نحو 2.5 بليون دينار ، بينما يبلغ متوسط الإنفاق على مواد الزينة 310 ملايين دينار، ولا يتجاوز متوسط الإنفاق على الثقافة والترفيه والرياضة مبلغ 79 مليون دينار.

أما قطاع المطاعم، الذي يشهد نشاطا خلال الأعياد مع زيادة الإقبال في العطل المتزامنة، فإن ذلك، بحسب نقيب أصحاب المطاعم السابق رائد حمادة، يكون لأيام معدودة تمتصه الحسابات السنوية التي يعتمدها أصحاب المطاعم، التي تأتي في ظل التخطيط الاستراتيجي لعمل القطاع.

وبيّن حمادة أن المعادلة التي يعتمدها أصحاب المطاعم تختلف كثيرا عن القطاعات الأخرى، كون إشغال المطاعم يجب أن يكون يوميا دون إقحام إيرادات الأعياد والعطل، فعملها لا يعتمد على المواسم باستثناء شريحة معينة من تلك المطاعم التي تصل نسب الإشغال فيها مع عيد رٍأس السنة 100 في المئة.

سوق الأضاحي لم يعد من القطاعات التي يغذيها حلول عيد الأضحى، وذلك بسبب التراجع الحاد في حجم الثروة الحيوانية في الأردن بعد المواجهة التي خاضتها الدولة مع مربي الأغنام على خلفية زيادة حادة في أسعار الأعلاف خلال العام 2008، وقد كان هذا هو الذي دفع أمانة عمان خلال عيد الأضحى الأخير إلى التدخل من خلال تحديد الأسعار بالاتفاق مع مربي الماشية، لكن الأسعار مازالت عند مستويات قياسية مقارنة بالأعوام السابقة.

القطاع الذي شغل بال المسؤولين عندما أعلنت الحكومة نيتها تحرير سوق الأعلاف وتقليص الدعم حيث واجهت احتجاجات شديدة، أصبح يعاني من تراجع حاد في حجم المبيعات وإحجام من قبل المستهلكين على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار.

الأعياد: عبء مالي على الأسر، خسائر للتجار وأرباح للمطاعم
 
25-Dec-2008
 
العدد 56