العدد 56 - أردني
 

حسن الرواشدة

أخيرا، انتخب طلاب الجامعة الأردنية اتحادهم وفق تعليمات جديدة ألغت تعليمات سابقة بتعيين نصف أعضاء الاتحاد، وتم تثبيت القسم بوصفه الدائرة الانتخابية. حدث ذلك بعد ثماني سنوات ثبت خلالها أن المبررات التي سيقت منذ ذلك الوقت لاتخاذ قرار تعيين نصف أعضاء الاتحاد وانتخاب نصفه الآخر، كانت واهية.

"هل كنا بحاجة لهذه السنوات من التراجع عن الديمقراطية لكي ندرك أن المجلس لن يسقط في يد من كان يخشى من سيطرتهم عليه؟ ولماذا تأخر القرار كل هذا الوقت رغم كل الجهود التي تؤكد دائما على أن التنمية السياسية تبدأ من الجامعات؟" تساءل طالب موجها كلامه لي بعد أن اكتشف بالصدفة ان من يحاوره صحفي.

كانت هناك بعض المظاهر ذات الدلالة في سلوكيات أعرق الجامعات الأردنية، وفي ما تقوله اليافطات المرفوعة التي تتنوع وتتعدد مع تعدد القوى السياسية والاجتماعية التي خاض طلبتها الانتخابات على أساسها، فالجامعة الأردنية، في النهاية، صورة مصغرة للمجتمع الأردني بأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الحكومية، فهي خرجت الآلاف من الأجيال ممن امتهنوا العمل السياسي، سواء في أجهزة الدولة أو في أوساط المعارضة من أحزاب ونقابات وقادة رأي، وقادة في القطاعين العام والأهلي.

ظهرت هذه المكونات في باحة الجامعة، تعكسها ألوان الحطات التي ارتداها بعض الطلبة، وتعكسها الأغاني والأهازيج التي كان هؤلاء يرددونها، وهي أهازيج كثيرا ما كانت تتخللها أصوات ترتفع معلنة: "هوشة عند الأعمال" أي قسم إدارة الأعمال، "هوشة عند الاجتماعي"، "هوشه عند الآداب"، صرخات يتبعها تحرك سريع وانفعالي لبعض الشبان الذين كانت الحطات السوداء أو الحطات الحمراء تدل على تحيزاتهم الإقليمية.

"قسمك أولا" (بكسر القاف) كان شعار الكتل الانتخابية جميعا، وهو ما انتقده فاخر دعاس، المنسق العام للحملة الوطنية للدفاع عن حقوق الطلبة (ذبحتونا)، الذي أوضح لـ«ے» أن نظام الانتخاب على أساس القسم هو السبب في ترك 15 قسما دون انتخابات، ما جعل كثيراً من القوى الطلابية وكذلك عمادة شؤون الطلبة تتحكم في هذه المقاعد.

إلى ذلك كانت هناك الشعارات ذات البعد السياسي مثل: "الإسلام هو الحل" شعار الإسلاميين الأثير الذي نقلوه معهم من إطاره السياسي إلى الإطار الطلابي، "عائدون"؛ شعار تنظيمات أو تجمعات سياسية ذات مرجعية فلسطينية، وغيرها. لكن الديمقراطية التي تتسع للجميع لم تعدم ظهور شعارات تنتمي إلى عالم الطرائف أكثر مما تنتمي إلى عالم العمل الطلابي مثل "صوتك بيفرء" (بالهمزة) والتي وصفها أحد الطلبة بأنها شعارات "ستار أكاديمي" في إشارة إلى البرنامج التلفزيوني الشهير الذي خرّج بعض نجوم الغناء والتمثيل ونجماته.

الأغاني أيضا كانت حاضرة بقوة في المشهد الانتخابي الذي تم يوم الجمعة الماضية، ولكنه ليس غناء للمتعة أو الطرب بل غناء "انتخابياً" إن جاز التعبير، فبين كلية الأعمال وكلية العلوم الاجتماعية ترددت أصوات تردد "الله يحييك يا الشعب الفلسطيني" تطغى عليها للحظة أغاني تقول "ألله وعبد الله" و"القدس للسلطية" وفي مكان آخر تتردد أصوات تهتف: "باي باي مع السلامة اتجاه"، والمقصود هنا هو الاتجاه الإسلامي الذي لم يخرج منتصرا مثلما اعتاد في سنوات ما قبل التعليمات الانتخابية التي ألغيت أخيرا، لكن هذا الانتصار المنقوص، أو الهزيمة، كما أكد أكثر من طالب التقته «ے»، لم يمنع مشاهدة بعض طلبة الاتجاه الإسلامي أن يسجد شكرا أمام كلية الشريعة، المعقل التقليدي للإسلاميين.

دعاس اعتبر أن الجميع نجحوا في هذه الانتخابات باستثناء الطالب، فهو الخاسر الوحيد، وذلك من خلال تكريس النظام الانتخابي الحالي لنظام الصوت الواحد الذي عزز الإقليمية والعشائرية والجهوية.

النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات أشارت إلى تقدم القوى الطلابية ذات التوجهات الوطنية (وطن) التي حصدت 39 مقعدا، وفاز الاتجاه الإسلامي بـ 27 مقعدا فيما نالت الوحدة الطلابية مستقلة على 13 مقعدا، وبين كل هؤلاء اثني عشر مقعدا للطالبات، وهي نتائج شكك بها دعاس، كما شكك في وجود أسماء الكتل التي أعلن عنها كأسماء للقوى الطلابية كـ«التيار الوطني»، الذي وصفه بأنه «جماعة العمادة»، أي عمادة شؤون الطلبة، واعتبر أن ما سيبرهن على تمثيل أي من القوى الطلابية هو انتخابات الهيئة الإدارية.

أستاذ جامعي فضل عدم ذكر اسمه لـ«حساسية الموقف» كما قال، قلل من أهمية النتائج، مشيرا إلى أن «بناء التحالفات والشعارات المرفوعة والممارسات التي شهدها حرم الجامعة في ذلك اليوم أهم بكثير من النتائج نفسها»، فقد شهدت الانتخابات تحالفات قامت على أسس مناطقية وجهوية؛ ففي كلية ما يتحالف طلبة ينتمون إلى مناطق الشمال مع آخرين من منطقة البلقاء ضد أبناء الجنوب، وفي كلية أخرى يتحالف «السلطية» مع طلبة الجنوب أو بدو الوسط، وفي أخرى يتحالف الوسط ومع الشمال في دائرة عبثية من التحالفات الجهوية التي تعبر عن تفتت القوى الطلابية وتوزعها على أسس جهوية وليس إقليمية فقط.

رئيس قسم الاستطلاع في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية محمد المصري، أكد أن الانتخابات بإجراءاتها وظواهرها كانت ديمقراطية إذا أخذنا التنافس معيارا، لكنه أوضح أن هذه النتائج ربما لا تعبر عن الشارع الطلابي كون هذا الشارع لم يصل إلى الآن إلى القدرة على صياغة نفسه بالشكل المطلوب للوصول إلى تنافس على أساس البرامج.

لكن هناك من أعرب عن اعتقاده بأن نتائج الانتخابات جاءت على هذه الصورة، لأنها كانت ثمرة صفقة سياسيه بين القوى الطلابية من جهة، ومركز صناعة القرار سواء داخل ألجامعة أو خارجها من جهة أخرى.

غير أن طلبة ينتمون إلى الاتجاه الإسلامي أكدوا لـ«ے» أن التعليمات الحالية مرضية، وإن كانت في حاجة إلى التعديل باتجاه الانتخاب على أساس القائمة النسبية، لأن انتخاب الأقسام يؤدي إلى تفتيت القوى الطلابية، وهو ما ذهب إليه طلاب ينتمون إلى اليسار بمختلف قواه. لقد كانوا جميعا هناك: الإقليميون والجهويون والإسلاميون واليساريون، ما يعني رداً ضمنياً على دعوات أطلقها رئيس الجامعة شخصيا بضرورة إبعاد الطلاب عن العمل السياسي، وحصر نشاطهم فقط داخل أروقة الجامعة.

في نهاية ذلك اليوم تجمع آلاف من الطلبة أمام مبنى رئاسة الجامعة، وقد ارتدوا الحطات الحمراء، وهم يرددون الأهازيج والأغاني نفسها التي سيطرت على مدار يوم الانتخابات، للاستماع لرئيس الجامعة خالد الكركي الذي ألقى خطبة فيهم، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها في مثل هذه المناسبة.

انتهت الخطبة القصيرة التي وصفها طالب كان يستمع إليها بأنها «مبالغة في التسويق الإعلامي حتى اللحظة الأخيرة.» وانفض الجمع بعد انتخابات يعترف الجميع بأهميتها من دون أن يذكر أحد ما إذا كانت الأهمية سالبة أم إيجابية!

**

لقطات

الحضور الأمني كان ملموسا داخل الجامعة وعلى أبوابها المختلفة.

الدعاية الانتخابية المكلفة جدا من خلال اللافتات والصور، دفعت طلاباً للقول إن هناك مالاً سياسياً داخل الجامعة.

التنازع على ملكية القدس كان الموضوع الأبرز في الأغاني التي رددها الطلاب.

الأهازيج أهم من النتائج و15 قسماً بلا مشاركة: انتخابات الجامعة الأردنية: جهوية وإقليمية في تنافس “ديمقراطي”
 
25-Dec-2008
 
العدد 56