العدد 56 - أردني
 

حسين أبو رمّان

مجلس النواب كان على موعد مع جلسة «مناقشة عامة» لموضوع المخدرات الاثنين الفائت (22 كانون الأول/ديسمبر). صلاح الزعبي آخر المتحدثين، أبدى استغرابه لقلّة الحضور في نهاية جلسة رأى أنها تستحق اهتماماً أكبر.

هذا المناخ يؤشر إلى «خفّة» في تعامل قسم كبير من النواب مع جلسات المناقشة العامة.

المواضيع المقترحة، لا تقابلها دقة في تحديد الجوانب التي تحتاج إلى مناقشة، ولا اهتمام للخروج بنتائج محددة، إلى درجة أن أكثر الإسهامات أهمية، جاءت في مداخلات نواب من غير طالبي المناقشة.

مقدمو طلب المناقشة، اكتفوا، كالعادة بتحديد العنوان، وهو «قضية انتشار ظاهرة المخدرات وتأثيرها في المجتمع الأردني». هذا النمط من الصياغة يفرّغ المناقشة العامة من مضمونها المفترض، ويحوّلها في الغالب إلى مجرد دردشة. ولئن كانت كل مناقشة مفيدة، فهناك طرق مجْدية أكثر لتحقيق الفائدة.

النائب المخضرم بسام حدادين يذكر أنه منذ مجلس النواب الرابع عشر (2003- 2007)، نشأ توافق ضمني بين المعارضة والموالاة على أن تنتهي "المناقشة العامة" بعد أن تقدم الحكومة "بيانها" بموضوع المناقشة، دون أن يقدم المجلس رأيه بتوصيات محددة تعكس وجهة نظره ورأيه بما سمع من الحكومة. ويضيف: «كانت مجالس النواب السابقة تخرج بتوصيات محددة أو تشكل لجان متابعة".

النظام الداخلي لمجلس النواب، يخصص فصلاً خاصاً لـ»المناقشة العامة». وتعرّف المادة 127 المناقشة العامة بلغة محايدة بوصفها «تبادل الرأي والمشورة بين المجلس والحكومة»، لكن المادة 130 تعترف للنواب طالبي المناقشة وغيرهم، بحق «طرح الثقة بالوزارة أو بالوزراء بعد انتهاء المناقشة العامة»، الأمر الذي يؤكد أن المناقشة العامة في جوهرها، أداة من أدوات الرقابة النيابية على الحكومة.

مداخلات النواب في معظمها، أشادت بدور إدارة مكافحة المخدرات، وبالحاجة إلى دعمها مادياً ومعنوياً.على أن القسم الأكبر من المداخلات ظل يدور في فلك كلمتي رئيس الوزراء نادر الذهبي، ووزير الداخلية عيد الفايز، أو أشاد بهما. أين المشكلة إذن؟.

الموضوع الذي كان يستحق أن تتمحور المناقشة العامة حوله، وَرَدَ على نحو خاص في مداخلات ناجح المومني وعبد الله الغرايبة وهاشم الشبول، وألمحت إليه بعض مداخلات أخرى. إنه :»سيادة القانون»، و»هيبة الدولة».

النائب المومني قال: «نسمع عن بؤر لتجار المخدرات والممنوعات والأسلحة، وأن هذه البؤر عصية على رجال الأمن والجمارك، وأنهم يرفعون السلاح في وجه النظام دون أن يستطيع أحد أن يداهمهم».

أكد النائب أن هناك «بعض المتنفذين يقومون بالدفاع عن هؤلاء وحمايتهم». ووصف بـ»الفاسد» و»المفسد» من يرفع السلاح في وجه رجال الأمن، أو من يدافع عن تجار المخدرات. في هذا الاتجاه ، شدد النائب عبد الفتاح المعايطة على ضرورة «الضرب بيد من حديد على من يقفون وراء تجار المخدرات ويساندونهم، أياً كانت مواقعهم».

ختم المومني مداخلته بمطالبة الحكومة «الدعس بالأحذية على رؤوس من تسول لهم أنفسهم الوقوف في وجه النظام».

عبد الله غرايبة ذهب أبعد من زميله في هذا الاتجاه، مستفسراً من وزير الداخلية: «هل تستطيع الحكومة ممارسة الضبط القضائي في قضايا المخدرات في كل أنحاء المملكة، أم إن هناك جيوباً لا تستطيع أن تمارس العمل فيها؟».

غرايبة كان موفقاً في لفت الانتباه إلى البعد الذي يتصل بسيادة القانون والقضاء العادل، حيث رأى أن أهم مدخل لمعالجة الموضوع هو «إعداد القضاء العادل» في البلاد، ودفع كل قضايا المخدرات والفساد وغيرها لتصب فيها.

غرايبة، العميد المتقاعد والذي عمل مديراً للشرطة في محافظات عدة ، وعضواً في محكمة الشرطة، أعرب عن استغرابه من أن كثيراً من قضايا المخدرات «لا تحال إلى القضاء»، منوهاً إلى أنه يتحدث من واقع خبرته، ويتحدث بما يعرف، مضيفاً أن اللاعبين الحقيقيين في موضوع المخدرات في البلاد، «أصبحوا أصحاب نفوذ»، ويتعاملون مع نظرائهم أصحاب النفوذ. وأردف بأن المجتمع الأردني ككل المجتمعات، فيه متنفذون ومستضعفون، «فإذا لم يتساوَ الجميع أمام القانون، فستبقى ظاهرة المخدرات، بل ستزيد».

هيبة الدولة كانت أيضاً محور مداخلة هاشم الشبول الذي أكد أن «رجال الأمن العام أصبحوا يتعرضون للمقاومة في الشارع عندما يذهبون لجلب شخص مدعى عليه». وأضاف أن «رجل الأمن يُضرب في الشارع ويُقاوم». واستخلص ضرورة إعادة الا عتبار لهيبة الدولة.

الذهبي ركز في رده على مداخلات النواب بإعادة التأكيد على تصريحه في وزارة الداخلية قبل أيام، بأنه لا منطقة عصية في الأردن على إدارة مكافحة المخدرات أو الأجهزة الأمنية، وأنه لا أحد فوق القانون.

بعض النواب تمنّوا أن تقترن التصريحات بالتطبيق العملي، ما حمل رئيس الحكومة على القول إن مواطناً قدّم إليه بعد التصريح في «الداخلية»، شكوى على زراعة المخدرات في مزرعتين محددتين بالاسم، وأنه تابع الأمر شخصياً مع مدير إدارة المخدرات ليتبين، بعد مداهمة المزرعتين، أن الشكوى عارية عن الصحة.

كان حمزة منصور، رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي، طالب من جهته بالتركيز على «البؤر والأشخاص الذين يقال إنهم محصنون من الملاحقة والعقوبة»، ورحب بتصريحات الذهبي في وزارة الداخلية، معرباً عن أمله «أن تأخذ طريقها للتنفيذ».

النظام الداخلي يضع حداً أدنى من الاشتراطات لعقد جلسة مناقشة عامة، بأن يتقدم لطلب المناقشة عشرة نواب أو أكثر، وأن يعرض الطلب على المجلس لإجازته، أما إذا رأى المجلس أنه غير صالح للنقاش، فيقرر استبعاده.

بهذا يتحول الموضوع المطروح للنقاش من موضوع يخص مجموعة من النواب إلى أمر يخص المجلس بمجمله. وبما أن المناقشة العامة أداة من أدوات الرقابة النيابية، فإنه يتعين على المجلس أن يكون دقيقاً في تحديد الجوانب التي يرغب في مناقشتها، مبيناً ما إذا كان لها صلة بمراجعة سياسات أو إجراءات معينة أو بمسؤولية الحكومة عن خلل أو تقصير ما.

لذلك تفقد كثير من الانتقادات الموجهة للبيانات التي تقدمها الحكومة قيمتها. النائب فخري إسكندر قال إن إحصائية الحكومة عن عدد الأشخاص المضبوطين بقضايا مخدرات «مجردة لا تعكس حجم المشكلة»، لأنها اقتصرت على العام 2008، ولا توفر معطيات مقارنة مع دول أخرى. وتمنى لو أن التقرير الحكومي رصد تطور حجم المشكلة منذ تاريخ تأسيس إدارة مكافحة المخدرات في العام 1973. ما يطالب به إسكندر أمر مشروع، لكن نمط طلب المناقشة الفضفاض جداً يسمح لوزير الداخلية أن يقدم ما يراه مناسباً، وليس بالضرورة ما هو أنسب للإحاطة بالمشكلة المثارة.

النظام الداخلي لمجلس النواب يمنح الحكومة الحق في طلب مناقشة عامة مع النواب. لكن الحكومة حين تفعل ذلك تكون «أشطر» من النواب، إذ يكون لديها هدف محدد، وتنجح عادة في تمريره.

المناقشة العامة النيابية للمخدرات: ضايا “هيبة الدولة” و“سيادة القانون” تطفو على السطح من غير قصد
 
25-Dec-2008
 
العدد 56