العدد 55 - ثقافي | ||||||||||||||
وليد الشاعر عامان يفصلاننا عن مبادرة وزير الثقافة الفلسطيني - آنذاك- عطالله أبو السبح لتبني مشروع القدس عاصمة للثقافة العربية العام 2009 بعد اعتذار بغداد نظراً للظروف الأمنية التي تمرّ بها، في دعوة فلسطينية عاجلة لإيقاف أخطر سطو صهيوني تمثَّل في مناقشة اليونسكو طلب وضع القدس على لائحة التراث الإنساني كمدينة إسرائيلية. المتابع للأحداث التي جرت في العامين الأخيرين، يتوقف عند تساؤلات يبدو أنها بقيت عصية على الإجابة في معظم احتفاليات العواصم الثقافية العربية، كاتهام دمشق بنشر 74 كتاباً طوال احتفاليتها، فيما كان المأمول خمسة أو ستة أضعاف ذلك، واختزال الاحتفالية بالموسيقى والغناء؛ واتهام الجزائر بالتفرقة بين المثقفين العرب والأمازيغ؛ ومسقط بالنزوع للفعاليات السياحية. كل تلك الاتهامات قد لا تبدو ذات قيمة إذا تم توجيهها للقدس، نظراً لخضوع المدينة تحت الاحتلال من جهة، وفقر الإمكانيات والبنية التحتية الثقافية للسلطة الفلسطينية في رام الله. بناء على ما سبق، فإن تأسيس أمانة للاحتفال بهذه المناسبة في كل عاصمة عربية، يقودنا للاعتقاد أن العرب سيخففون الأعباء على فلسطينيي الضفة والقطاع، لكن ماذا عن النشاطات التي ستقام في تلك العواصم؟ هل ستنحصر في الكرنفالات والمهرجانات، ومحاضرة هنا وندوة هناك كان يمكن أن تقام من دون إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية؟ سؤال آخر يُطرح حول تغييب مليون ومئتي ألف عربي يقيمون على أراضي 48 من المشاركة المباشرة والحقيقية في الاحتفالية، أو حتى عمّن هم في غزة في ظل الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني الذي يجب أن لا يقسّم القدس وأن لا يخضعها لبرنامج سياسي معين، ومن هنا أثيرت المخاوف حول وضع (Al Quds) بدلاً من (Jerusalem) على شعار الاحتفالية، وهو ما يعني طمس الاسم العالمي الذي يعرفه العالم في معظم اللغات. يبقى التساؤل الأبرز: هل سيستطيع العرب مجتمعين إعادة اكتشاف مدينتهم المقدسة من جديد، أم إن الرواية التوراتية التي يتبناها العرب في تأريخهم للقدس وفلسطين ستبقى سائدة يخترقها باحث هنا وباحث هناك من دون الاتفاق على مشروع ثقافي موحد تجاه كل هذا التزييف والتضليل في تناول القدس. وهل سيبادر أحد في تحقيق هدفين اثنين في الحد الأدنى، هما: عرض نتائج آخر الكشوف الأثرية في القدس، والبحث في صمود الهوية الثقافية فيها رغم تعاقب ثقافات المحتلين لها عبر آلاف السنين، وتعميم تلك الثقافة في المناهج المدرسية والجامعية والإعلام العربي، وفي مقدمة ذلك الجهد الكبير تصحيح اسم المدينة ليصبح «أورسلام» وليس «أورسالم» كما أورده الكتاب المقدس، بحسب العالم اللغوي الإيطالي أورللي فرانز. الاكتشافات الأثرية تدل على عدم وجود العبرانيين في تلك المدينة وحتى في مواقع أخرى في فلسطين. عالمة الآثار كاتلين كينيون قامت في أريحا 1952- 1958 بحفريات مهمة كانت سبباً في هزيمة الأفكار والاستنتاجات السابقة، وأثبتت أن سور أريحا المكتشف يعود إلى العصر البرونزي القديم، وأن لا صحة في الاعتقاد بأن العبرانيين احتلوا أريحا، وأن تلك التصورات المتعلقة بما يسمى «قلعة شاؤول» في تل الغول، وهمية، وأن الآثاريين قاموا بمحاولات التنقيب الفاشلة معتمدين على الرواية التوراتية. أما بالنسبة للهوية الثقافية لشعب مدينة أورسلام، فإن علماء اللغة يتحدثون عن لغة كانت موحدة في بلاد الشام وبخاصة في مدينة السلام، كما أن اللغات القديمة أو اللهجات مثل الأكادية والعمورية والإيبلائية والكنعانية والآرامية، تنتمي إلى أرومة واحدة، وتبين أن اللغة العربية قادرة بمفرداتها وبنائها اللغوي أن تكون مرجعاً لوحدة هذه اللغات السابقة للّغة العربية، ويتصل هذا الحديث اتصالاً مباشراً بتاريخ المدينة وتطورها الاجتماعي وفكرة ذوبان أعراق مختلفة في الهوية المقدسية. لا تثير الانتباه كل تلك الفعاليات المنوى إقامتها في القدس ومدن فلسطينية وغربية، بقدر ما يلفت إعلان دار كنعان في دمشق نيتها إصدار مجموعة من الكتب التي توثق لمدينة القدس وتصحح مجموع الأخطاء التاريخية ومحاولات التشويه المستمرة عن جهل أو قصد، وهو ما يستوجب إعلانات مماثلة انتصاراً للمدينة وأهلها، وللمعرفة كذلك. إعادة اكتشاف القدس لا تحتاج إلى زيارتها من مثقفين وكتّاب عرب كما دعت وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني أبو دقة، وإنما إلى تضافر عمل مؤسسي عربي يمكنه الرجوع إلى آلاف المصادر والكتب الأجنبية التي كتبها باحثون ورحّالة وآثاريون وفلاسفة وسياسيون، ولم تُترجم للعربية بعد، وهي تدحض الروايات التوراتية والدعاية الصهيونية في السطو على القدس وتاريخها. في سياق متصل، يجدر التدقيق في الإحصائيات التي نشرتها جمعية حقوق المواطن المقدسية، وتشير إلى أن عدد السكان العرب بالقدس الشرقية بلغ نحو 257 ألف نسمة، أي ما يعادل 34 في المئة من مجمل سكان القدس، يعيش 67 في المئة منهم تحت خط الفقر. تلك الأرقام تستدعي التفكير ألف مرة بصمود المقدسيين في ظل المضايقات الإسرائيلية قبل التفكير بإقامة احتفالات وأمسيات ثقافية تتغنى بالمدينة وتحتفي بصمود أهلها، فيما هم يُساقون يومياً وبصورة قسرية إلى القبول بالقدس يهوديةً بالكامل. |
|
|||||||||||||