العدد 9 - اجتماعي
 

يمطر الأردنيون بعضهم بعضاً بقبلات محمومة في لقاءاتهم في ظاهرة تشي بدفء انساني حميم على ما يرى كثيرون، لكنها لا تعدو عند آخرين سوى تمظهر لزيف اجتماعي لا يمت للدفء بصلة حتى غدا طقساً غير محبذ، وإن كان لا بد من التزامه اتساقاً مع المجموع.

فما ان يلتقي أردنيان حتى يقبلا على بعضهما تقبيلاً وكأنهما التقيا للتو بعد طول غياب، ما يبدو مدهشاً لكثيرين، يلاحظ أن هذه الظاهرة يلتزمها حتى أولئك الذين لم يسبق لهم أن تعارفوا أو اجتمعوا من قبل.

وإذا كان للأردنيين قبلاتهم، فثمة شعوب تفضل الاكتفاء بالمصافحة أو انحناءة الرأس المترافقة مع ضم اليدين أو التقبيل على الأنف أو الخد.

ولا ترى رائدة خليفة «ربة بيت» في قُبل الأردنيين تعبيراً عن محبة، مرجحة انها لا تخرج عن كونها عادة مستقرة تعبر عن نفاق اجتماعي، على حد تعبيرها.

ووجبات التقبيل، على حد قول خليفة، تنسل مع الأيام الى عالم الأطفال والشباب الذين يتعلمونها لتغدو عندهم طقساً ملازماً للقاء الأصحاب والمعارف وسواهم، وتلاحظ ان شقيقها الجامعي وأصدقاءه ينهمكون في سيل من القبلات لحظة لقائهم وكأنهم يلتقون بعد غياب طويل. بيد أن الأمر لدى شقيقها معتز بسيط ولا يحتمل كثيراً من التأويل، فهو يجري بشكل عفوي، ولم يفكر يوماً بالأمر أو في أي من طرق التحية مع الأصدقاء . مستدركاً «أنه يخص بقبلاته أصدقاءه الحميمين، في حين أنه يكتفي بمصافحة كثيرين مهما طال غيابه عنهم»..

ممتعضاً من كثرة تبادل قبلات التحية، يقول عماد معروف (33 عاماً) الموظف في القطاع الخاص، إن كثرة التقبيل سلوك وعادة غير مقبولة حتى بات يخشى مناسبات الفرح والمآتم التي يضطر فيها الى تقبيل حتى من لا يعرفهم. ويشير إلى أن هذا يحدث له عندما يعود وأسرته الى المدينة مسقط رأس والده حيث الأعمام والأخوال والأقارب.

وفي تفسيره لظاهرة التقبيل، يرى أستاذ علم الإجتماع الدكتور سري ناصر أن الشعب الأردني ما يزال يفضل التصاق الجسد في التحية، وهو ما يكون في التقبيل والعناق.

وفي الإكثار من التقبيل يرى ناصر تجسيداً لمتانة الروابط الاجتماعية، وانعكاسها في ثقافة التحية.

وترى سهى أيوب (فاحصة بصر) أن عفوية التقبيل في التحية تكون عادة مع الصديقات الحميمات والقريبات المفضلات فقط، مشيرة الى أن المصافحة تكفي مع الآخرين.

ولأن القبلة تعبير محبة حقيقية، تفضل أيوب ألا تتحول الى مجاملة مزيفة، «من المستحسن ألا ينقلب التقبيل الى عادة تمارس «على الطالعة والنازلة» لئلا يفقد معناه».

وأضافت أن هذه العادة قد تسبب أحياناً حرجاً لشخص يعاني من مرض جلدي معين، فإذا اكتفى بالسلام دون التقبيل، فقد يتسبب له ذلك بحرج وسوء فهم لدى آخرين ليسوا على دراية بوضعه الصحي.

ولا بد، حسب خبير مهارات الاتصال ماهر سلامة، من تعلم «إتيكيت التحية»، لأن التحية والسلام والقبلات تدخل ضمن مهارات التواصل الإنساني التي من الضروري ان تنسجم مع طبيعة المجتمع ومفاهيمه السائدة. سلامة قال إن المبالغة في التقبيل أمر يبدو غير مستحب مع احترام خصوصية المجتمع، مشيراً الى المبالغة أحياناً، فهي تعبير عن نقص عاطفي، «فالناس يخفون مشاعرهم الحقيقية بالتقبيل»، حسب سلامة، الذي لفت الى ان هذا يبدو واضحاً خصوصاً عندما يتم السلام والتقبيل دون حتى النظر في وجه الشخص الآخر.

ويستغرب سلامة عدم اتقان غالبية الناس طريقة السلام والتحية الدافئة القائمة على الابتسام والنظر في وجه الشخص المقابل وعيونه، وإيلائه الاهتمام الكافي خلال عملية السلام. وأوضح أن النظر في وجه الشخص المقابل والابتسام له يحتاج جهداً عاطفياً مضاعفاً مقارنة بعملية التقبيل المتكررة والمبالغ فيها دون حتى النظر في وجه من نقبل أو نبتسم له.

السلام بالتقبيل على أشخاص لا يعرفهم الشخص من قبل، أمر ينطوي، بحسب سلامة،على نوع من الزيف، لافتاً الى لجوء البعض للتقبيل المتكرر لفرض الوجود والذات ونيل الاحترام والتقدير لدى الرجال وفئة الشباب خصوصاً.

وحول التحية الراقية، بين سلامة، أنها تكون في المصافحة المعتدلة التي يتجنب فيها الشخص الشد على يد الآخر، أو المصافحة الفاترة والانتباه إلى عدم رفع يد الطرف المقابل بطريقة أكثر من المعتاد أو خفضها، لأن لذلك دلالات غير مستحبة.

وحض سلامة «على ضرورة النظر في عين من نصافحه ووجهه مع الابتسام بدفء ومحبة»، داعياً إلى «معاملة كل شخص نسلم عليه على أنه ضيف شرف نراه لأول مرة».

بين اعتبارها دفء علاقات وزيفاً اجتماعياً – "حبة على الخدين" وسيلة التلاقي بين الأردنيين – لبنى خلف
 
10-Jan-2008
 
العدد 9