العدد 1 - أردني | ||||||||||||||
عامان مرا ورلى العمرو حبيسة المستشفى تصارع من أجل البقاء، وتقارع شللاً رباعياً أقعد جسمها النحيل حين تعرضت لإصابة شبه قاتلة في أحد تفجيرات عمّان الانتحارية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2005.
ذلك الأربعاء "الأسود" شكّل انعطافة في حياة شابة دخلت ربيعها السادس والعشرين، إذ تحوّلت من ممرضة عسكرية متخصصة في معالجة الحالات المستعصية إلى حالة شبه ميؤوس منها في البدايات.
هي آخر الناجين قيد العلاج الحثيث بين 100 جريح أصيبوا في ثلاثة تفجيرات شبه متزامنة أودت ب60 شخصاً بخلاف الانتحاريين الثلاثة.
في مثل هذا اليوم قبل عامين توقف الزمن برلى حين اخترقت جسمها شظايا حزام ناسف في حفل عرس تحول إلى مأتم داخل قاعة أحد الفنادق الثلاثة.
في البدء أخضعت المصابة لعلاج مكثّف تحت أجهزة الإنقاذ على مدى ثلاثة أشهر لاستعادة قدرتها على التنفس ذاتياً حتى استقرت حالتها.
ثم أرسلها الملك عبد الله الثاني إلى مركز بريطاني متخصص بتأهيل المصابين بالشلل الرباعي قبل أن تنقل مجدداً إلى غرفتها في مدينة الحسين الطبيّة. في بريطانيا تمرنت شيئا فشيئا على استخدام الانترنت بعد سنة وشهرين من علاج مكثف وصفته بأنه "رحلة عذاب" تحلّق رلى العمرو بمخيلتها صوب المستقبل رافضة الاستسلام للإعاقة الجسدية التي حرمتها استخدام يديها ورجليها.
من على السرير تتابع عن بعد أفراح وأتراح الأهل والأصدقاء.
هذا تزوج، تلك قضت في حادثة سير، وذلك تخّرج من الجامعة. أما الممرضة المريضة الصامدة، فقد خسرت زوج المستقبل مع أنه رافقها في بداية العلاج.
"كان هناك نيّة للارتباط، بس نظرتنا للإنسان اللّي بوضعنا هو إنسان يعتبر عاجز عن كل شيء"، تردّد بحسرة ثم تتساءل "يا ترى الإنسان الذي يتعرض لشلل يديه ورجليه، هل يفقد الإحساس بمشاعره"؟
لكن هل انتهى الحلم؟
بصوت متهدج لكن بثقة تقول رلى: "في البداية كنت في وضع نفسي صعب. ظننت أن حياتي انتهت. لكن بعد الإعاقة هناك هدف جديد في حياتي". اللفتة الهاشمية أعطتني أشياء لمساعدة نفسي ومن ثمّ الآخرين من بينها كرسي كهرباء".
وأكدت للسّجل أنها انتقلت قبل أسبوعين الى منزل مجهز بأدوات لرعاية المعوقين حركياً بتبرع من جلالة الملك عبد الله الثاني الذي يتابع حالتها أولا ً بأول.
أكبر صدمة تلقتّها رلى في أثناء رحلة العلاج كانت وفاة صديقة طفولتها بحادث سير. "كان نفسي أشوفها. أعزّي أهلها لكنني لم أستطع الحراك"، تستذكر هذه الشابة بأسى.
غياب رلى القسري أربك وتيرة حياة عائلتها المؤلفة من خمس بنات وطفلين.
وتقول الشابة عن شقيقها الأصغر البالغ من العمر 11 عاماً: "نفسياً بلّش يتأثر من الموضوع. باعتقاده إنه ماما صارت تحبني أكثر منه. فيسألني أكثر من سؤال: معقول أنا مش أخوك؟ ليش ماما إلها سنة معك وما بتيجي عندي على البيت".
محمد والد رلى تحدث عن مفارقة في حياة ابنته "المبدعة" في تحصيلها العلمي وحياتها المهنية. إذ كانت قد عادت للتو من الولايات المتحدة حيث نالت درجة امتياز في دورة مكثّفة على مدى ستة أشهر حول "الإصابات الحرجة والتعامل معها".
بجانب سريرها، يقول الوالد المكلوم، "رلى أذكى أبنائي بين البنات والصبيان". والدا رلى رافقاها في رحلة علاجها في الأردن وبريطانيا. خلال الأشهر الماضية، هجر الزوجان بيتهما الريفي في الكرك (125 كيلو مترا جنوب عمّان) ليلازما ابنتهما.
لحظة تفجير صالة الأفراح لحظة لن تنساها رلى، عندما كانت بين عدد من أقربائها من بينهم زوجة خالها وابنته - لينا- ذات التسع شموع - التي كانت أصغر الضحايا. "كل شيء ممكن أنساه إلا ذلك اليوم، حين دخلت القاعة" بمزيج من عدم الارتياح والانقباض"
تقول: "لم أكن في لهفة الداخل إلى عرس، كنت أريد الانتهاء من المراسم والخروج بأسرع وقت". "فجأة انقطع التيار الكهربائي فظنّنا أنه جزء من تهيئة جو رومانسي تمهيداً لدخول العروسين إلى القاعة"، حسبما تستذكر تفاصيل "العرس الأخير".
في هذه الأجواء شعرت رلى "بصعقة عنيفة في الآذان. بعدها تهافت الناس عليّ وشعرت بأنهم يمشون على جسمي. ولم أكن قادرة على الحراك أو مساعدة نفسي بينما أسمع صراخاً من كل الاتجاهات: ٌإصحي يا رلى. لكن لا حياة لمن تنادي. مش قادرة أرد عليكم".
يقول طبيبها العقيد علي العتوم:«إن إصابة الحبل الشوكي من أشد ما يمكن أن يتعرض لها الإنسان، إذ تؤثر في أجهزة الجسم كافة: التنفسي، الدوراني، العصبي، المسالك البولية و حتى جلد الإنسان، ناهيك عن الناحية النفسية والمعنوية".
ويقدّر العقيد العتوم تكلفة العلاج بملايين الدولارات، تكفّل بها الملك عبدالله الثاني، علماً أن الحكومة كانت غطّت نفقات المصابين كافّة بصرف النظر عن جنسياتهم.
ورغم الإعاقة الجسدية تؤكد رلى عزمها على مواصلة حياتها وسعيها لمحو لحظة التفجير المرعبة من مخيلتها.
وبعد أن رفّعت رتبتها من ملازم ثان إلى ملازم أول في أثناء العلاج، ترغب الممرضة القانونية في استئناف عملها وهي تخطط للاتجاه نحو التدريس. "إن شاء الله لن تكون هناك إعاقة بل طريق جديدة"، تقول رلى بأمل.
حالة رلى مكنّتها من معرفة لغة جديدة في التخاطب مع أصحاب الحالات المستعصية ترتكز إلى التواصل الروحي والمعنوي مع المصاب من خلال التجربة الشخصية بعيداً عن نظريات الكتب الجاهزة.
بينما تنتظر الخروج مجدداً إلى المجتمع، تطرح رلى تساؤلات على مدبري ومنفذي التفجيرات:
السؤال الآن: "عندما يشاهدون يدي ورجلي بهذه الحالة؟ وعندما يرون ضحاياهم، هل أنجزوا مهمتهم في بناء دولتهم المنشودة؟ وثمّة سؤال آخر: لينا (ابنة خالها التي قتلت في التفجير) وأنا وغيرنا من الضحايا، ماذا فعلنا لكي نستحق هذه المعاملة"؟
وتخلص للقول: "يا ريت يكون واحد منهم جريء ويبعث لي الجواب". |
|
|||||||||||||