العدد 55 - أردني
 

حسين أبورمّان

لم يكن قد مضى أكثر من شهرين ونصف الشهر على صدور قانون البلديات الجديد رقم 14 لسنة 2007، حين تقدمت حكومة معروف البخيت إلى الديوان الخاص بتفسير القوانين بطلب الرأي في مواد القانون. كان هذا أول الطلبات، ففي الشهرين التاليين تقدمت الحكومة بطلبي رأي إضافيين.

أكثر طلبات الرأي المقدمة حساسية ومثار تحفظ، كانت تتعلق بطريقة انتخاب أعضاء المجلس البلدي.

مصدر التحفظ الأساسي من شقين: الأول هو استفسار الحكومة عن مسألتين رغم أن النص القانوني واضح بشأنهما، وهما: هل يحق للناخب أن يقترع لصالح عضو واحد في المجلس البلدي أم لكامل الأعضاء؟ وكيف يتم احتساب فوز المرشحات بمقاعد الكوتا النسائية؟ أما الشق الثاني من التحفظ فهو يتعلق باتخاذ الديوان الخاص قراراً بشأن هاتين المسألتين يناقض النص القانوني الخاص بهما تماماً.

قرارات الديوان الخاص، تتمتع بمكانة تشريعية، وهذا مصدر أهميتها. فبحسب نص المادة 123 من الدستور، فإن "للقرارات التي يصدرها الديوان الخاص وتنشر في الجريدة الرسمية مفعول القانون".

ويتألف الديوان الخاص وفقاً للمادة نفسها من "رئيس أعلى محكمة نظامية رئيساً، وعضوية اثنين من قضاتها وأحد كبار موظفي الإدارة يعينه مجلس الوزراء، يضاف إليهم عضو من كبار موظفي الوزارة ذات العلاقة بالتفسير المطلوب ينتدبه الوزير".

اشتمل طلب الرأي الحكومي من الديوان الخاص بشأن نظام الانتخاب، على سؤالين، الأول هو: هل يجوز للناخب في أي دائرة انتخابية أن ينتخب أكثر من مرشح واحد على الورقة الخاصة بالمرشحين لعضوية المجلس البلدي فيما إذا كانت المقاعد المخصصة لدائرته الانتخابية تزيد على مقعد واحد؟ أما السؤال الثاني فهو: ما هو المعيار الذي على رئيس الانتخاب أن يعتمده عند تفويز المرشحات من النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ بالفوز تنافسياً، هل هو نسبة ما حصلت عليها المرشحة من أصوات بالنسبة لعدد المقترعين في دائرتها الانتخابية الواحدة، أم الاعتبار هو لعدد الأصوات التي حصلت عليها المرشحة في منطقة البلدية الانتخابية بمجموع دوائرها؟

جواباً عن هذين السؤالين، أفتى الديوان بحصر حق الناخب بالاقتراع لمرشح واحد فقط (أي أنه أخذ بنظام الصوت الواحد)، واعتبر شرط الفوز للمرأة بأحد مقاعد الكوتا، هو حصولها على أعلى نسبة من الأصوات قياساً بعدد المقترعين في دائرتها الانتخابية.

وبرر الديوان قراراته تلك بأن "نصوص القانون لم تبين ما إذا كان من حق الناخب أن يصوت لمرشح واحد فقط أم أنه يجوز له أن ينتخب أكثر من مرشح". وبأن القانون "لم يحدد أو يبين المعيار الذي يتوجب على رئيس الانتخاب أن يعتمده لاستعمال صلاحيته في تفويز المرشحات من النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ بالفوز تنافسياً".

وهنا يمكن إيراد بعض الاعتراضات على التفسير السابق:

أولاً: ليس صحيحاً أن نصوص القانون لم تبين ما إذا كان من حق الناخب أن يصوت لمرشح واحد فقط أم أنه يجوز له أن ينتخب أكثر من مرشح، كما جاء في شروحات الديوان.

فالفقرة (ج) من المادة 22 من قانون البلديات تقول: "يكتب الناخب على الورقة الخاصة بالرئيس اسم الشخص الذي ينتخبه وعلى الورقة الأخرى أسماء الأشخاص (التشديد من عندنا) الذين ينتخبهم لعضوية المجلس البلدي ..."، وهذا يعني بالتالي أنه يحق للناخب أن يقترع لأكثر من مرشح واحد.

كذلك نصت الفقرة (د) من المادة 22 على أنه إذا كان الناخب أمياً او عاجزاً عن الكتابة لأي سبب آخر، يجوز له أن يختار أحد أعضاء لجنة الاقتراع "ليكتب له الأسماء» التي يمليها عليه على مسمع ومرأى من أعضاء اللجنة. هنا أيضاً تتحدث المادة عن «الأسماء»، بما يعني حقه في انتخاب عدة مرشحين.

الأمر نفسه ينطبق على الفقرة (د) من المادة 23 التي تقرر إغفال ورقة الاقتراع إذا كان «يتعذر قراءة الأسماء المكتوبة فيها لعدم وضوحها»، وكذلك الفقرة (هـ) «إذا ظهر أن ورقة اقتراع كتب عليها أسماء مرشحين يزيد على عدد الأعضاء المطلوب انتخابهم يحصى ما يساوي هذا العدد من تلك الأسماء ابتداء من الاسم الأول حسب ترتيبها في الورقة، ويغفل الباقي كما يغفل الاسم المكرر».

ثانياً: فيما يخص الفوز بمقاعد الكوتا النسائية: ليس صحيحاً أيضاً أن قانون البلديات لم يحدد أو يبين المعيار الذي يتوجب على رئيس الانتخاب أن يعتمده لاستعمال صلاحيته في تفويز المرشحات من النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ بالفوز تنافسياً.

فالفقرة (ب) من المادة (9) من قانون البلديات تقول بصريح العبارة: «يخصص للمرشحات لعضوية المجلس نسبة لا تقل عن 20 في المئة من عدد أعضاء المجلس لإشغالها من اللواتي حصلن على أعلى الأصوات ...»، ومصطلح أعلى الأصوات لا يحتمل الاجتهاد لأن له معنى واحداً، أي من حصل على أكبر عدد من الأصوات.

المادة 24 في الفقرة (أ) تحدد أيضا بأن على رئيس الانتخاب أن يعلن اسم المرشح الذي فاز برئاسة البلدية وأسماء المرشحين الذين فازوا بعضوية المجلس لنيلهم أصواتاً أكثر مما نال غيرهم. والفقرة (ج) تقول إن على رئيـس الانتخاب الإعلان عن أسماء الفائزات بالعضوية المخصصة للنساء "وفقاً لما هو مبين في الفقرة (أ) من هذه المادة"، والمادة (أ) تحدد معيار الفوز للمرشح بحصوله على أصوات أكثر مما نال غيره، وهذا يتعارض تماماً مع ما ذهب إليه الديوان الخاص لأن المعيار المعتمد هنا هو كمية الأصوات وليس نسبتها المئوية.

وتعالج المادة 38 في الفقرة (ب) الوضع إذا شغر مركز عضو في المجلس لأي سبب من الأسباب، فتنص على أن يخلفه المرشح الذي نال «أكثر الأصوات» بعده. وبالمثل تعالج الفقرة (ج) الوضع اذا شغرت عضوية أي من النساء في أي مجلس بلدي فتخلفها المرشحة التي نالت أعلى عدد من الأصوات» من النساء غير الفائزات.

في كلتا الحالتين، بما أن النص القانوني واضح، كان الأولى أن يتم الأخذ بالقاعدة القانونية الراسخة التي تقول «لا اجتهاد في موضع النص».

لقد برر الديوان فتواه أيضاً بالاستناد إلى مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين تطبيقاً للمادة (6) من الدستور التي نصها: «الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين». ونحن إذ نحترم استئناس الديوان بمبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، فإننا نعتقد أن هناك توسعاً في الاجتهاد يتجاوز وظيفة ديوان التفسير، وإلا لكان على ديوان التفسير أن يستند إلى مبدأ العدالة والمساواة في كل ما يعرض عليه. وفي هذه الحالة نتساءل لماذا لم يلاحظ الديوان أنه ليس من العدالة والمساواة أن ينتخب سكان إربد الكبرى مجلسهم البلدي مثلاً، بينما لا ينتخب سكان عمّان إلا نصف مجلس أمانة عمّان؟ كما نتساءل لماذا لم يلاحظ الديوان أيضاً أنه ليس هناك مساواة بين مواطن ينتخب مرشحاً واحداً في دائرة خصص لها مقعد واحد، وبين مواطن ينتخب مرشحاً في دائرة خصص لها أربعة مقاعد كالسلط مثلاً، لأنه في الحالة الأولى يكون المواطن قد انتخب من يمثله كاملاً، بينما في الحالة الثانية يكون المواطن قد انتخب رُبع ممثيله فقط؟

وكما جرى في طريقة التصويت، من حيث أن الديوان قد برر قراره بالاستناد إلى مبدأ العدالة والمساواة، فإنه فعل الشيء نفسه لتبرير قراره بشأن الكوتا.

ولا بأس هنا من التذكير بأن فتوى ديوان التفسير حينما ذهبت إلى اعتبار أن المقصود بأعلى الأصوات هو نسبة ما حصلت عليه المرشحة من أصوات بالنسبة لعدد المقترعين في دائرتها الانتخابية، إنما تكون قد تبنت الصيغة التي يتم بموجبها احتساب الفائزات بمقاعد الكوتا النسائية في مجلس النواب، مع فارق جوهري هو أن قانون الكوتا النسائية في مجلس النواب، نص حرفياً على أن الفائزات بمقاعد الكوتا النسائية هن الحاصلات على أعلى نسب الأصوات مقارنة بعدد المقترعين في دوائرهن الانتخابية، بينما تبنى قانون البلديات أن يكون الفوز بأعلى الأصوات، ومع ذلك، فإن الديوان الخاص قد أقحم نفسه في إصدار قرارات مناقضة للقانون الذي أراد تفسيره، لأغراض سياسية لا تخفى على المراقب الحصيف، مستهدفاً إيجاد مخرج قانوني للحد من تأثير القوى السياسية المنظمة في الانتخابات البلدية.

انتخابات 2007 الأسوأ في تاريخ البلاد

تشير كل الدلائل إلى أن الانتخابات البلدية التي أجريت يوم 31 تموز/يوليو العام 2007 هي الأسوأ منذ أن أقر في العام 1995 انتخاب المجالس البلدية في اليوم نفسه.

المركز الوطني لحقوق الإنسان رصد في تقريره الصادر يوم 11 أيلول/سبتمبر 2007، المخالفات التي تخل بنزاهة الانتخاب، والتي اعتبر أنها تشكل "انتهاكات جسيمة للمعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بنزاهة الانتخابات".

من بين هذه المخالفات "استغلال منتسبي القوات المسلحة الذين لهم حق المشاركة في الانتخابات البلدية على شكل مجموعات خارج مناطق إقامتهم ولصالح مرشحين معينين وبطريقة التصويت الأمي".

الزج بالعسكريين في المنافسة الانتخابية بهذه الطريقة، إساءة لهم، وتشويه لصورة القوات المسلحة التي يتطلع المواطنون إلى بقائها على الحياد خارج نطاق التوظيف الانتخابي أو السياسي.

وفي الأردن ليست هناك معارضة لحق العسكريين في الاقتراع في الانتخابات البلدية، لكن هذا يتطلب اعتماد آليات شفافة تمكن العسكريين من الاقتراع في البلديات التي ينتمون إليها، مع الحفاظ على الطابع المدني والشخصي لهذا الاقتراع.

“تفسير القوانين” أدخل تعديلات “مناقضة” للقانون على النظام الانتخابي للبلديات
 
14-Dec-2008
 
العدد 55