عدي الريماوي

تضطلع البلديات في دول العالم المتقدمة، بدور محوري في دعم الثقافة المحلية، من خلال العمل على تنظيم مهرجانات وتنفيذ برامج ثقافية، تأخذ الطابع المحلي حينا والطابع الدولي أحياناً، فالثقافة خدمة تقدمها البلديات أيضا. وتعد الثقافة من بين أمور كثيرة، من الأمور المهمة التي يعهد للبلدية القيام بها لتحقيق مبادئ الحكم المحلي، وتقام عادة بالتنسيق مع وزارة الثقافة والوزارات المختلفة ذات الصلة والتي تعمل على إنجاح مشاريعها الثقافية.

فالبلديات في أوروبا تقوم بتنظيم الفعاليات الثقافية لسكانها، فبلدية باريس مثلاً تعمد إلى تنظيم الفعاليات الثقافية على مدار السنة، وتعمل البلدية على تنظيم معرض باريس الدولي للكتاب في كل عام، وتنظيم مهرجانات للأغنية والسينما، وقد قامت العام الماضي بإحياء حي «سان جيرمان» الذي يشتهر بمقاهيه ومكتباته، وذلك بمنع زحف مطاعم الوجبات السريعة ومتاجر الثياب على هذا الحي العريق، الذي جلس في جنباته وعلى مقاهيه الكثير من المؤلفين والشعراء الفرنسيين.

وكانت البلدية قد عملت الشيء ذاته مع ستة أحياء باريسية أخرى، تشتهر بمكانتها الثقافية. وهنالك التقليد «الليالي البيضاء»، الذي تشتهر فيه مدينة «سانت بطرسبرغ» الروسية حيث لا تغيب الشمس عن هذه المدينة ومدن أخرى عدة ليال في صيف كل عام.

ويتضمن إحياء هذا التقليد على فعاليات ثقافية متعددة مثل عروض السيرك والعروض السينمائية ومعارض للصور والحفلات الموسيقية، وقد انتقل هذا التقليد إلى أوروبا، فبدأت باريس في تقديمه منذ العام 2002، وتنظمه أيضاً روما وبروكسل، وبعض المدن في كندا. وعادة ما تكون فعاليات الليالي البيضاء، مفتوحة بالمجان للجمهور، حيث تتوزع على جميع أرجاء المدينة ولا تقتصر على المركز، وتعتمد فكرتها الأساسية على تسليط الضوء على المدينة وعلى الفنون المعاصرة، حيث تكون الطرقات خالية من المرور، حتى يتمتع الساهرون بالحرية في التجول من منطقة لأخرى.

عبد الله رضوان، مدير الدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى، يتحدث عن بدايات الدور الثقافي الذي لعبته الأمانة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، والذي توج بافتتاح مكتبة أمانة العاصمة العام 1960.

لكن النقلة الكبرى حدثت في العام 1997 حين تم افتتاح الدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى، وتلا ذلك افتتاح كثير من المراكز الثقافية مثل: مركز زها الثقافي، وبيت الشعر وشارع الثقافة، وإصدار المجلات الثقافية، ودعم الثقافة الوطنية من خلال الفعاليات التي تنظمها الأمانة والتي تزايد عددها في السنوات العشر الأخيرة في صورة كبيرة جداً. وعن تنشيط الدور الثقافي للبلديات، قال رضوان إنه لا بد من تخصيص جزء من الموازنة للنشاطات الثقافية، وهذا يعد جزءاً من منظومة الحكم المحلي، أما عن اختيار مدينة للثقافة الأردنية كل عام، فهو تأسيس وبداية لتولي البلديات الدور الثقافي، إذ «يعمل هذا المشروع على تطوير البنية التحتية الثقافية للبلديات من جهة، والعمل على دعم المشاريع الثقافية فيها من جهة أخرى، وحين تقوم البلديات بدورها بدعم الثقافة، سيتم التعرف أكثر على احتياجات المواطنين، ما سيساهم في تطوير المجتمع حضارياً وإنسانياً».

وزارة الثقافة بدأت منذ العام الماضي بتقليد اختيار مدينة لتكون «مدينة الثقافة الأردنية»، وكانت إربد هي الأولى لعام 2007، وتم اختيار مدينة السلط لهذا العام، في حين ستكون مدينة الكرك هي «مدينة الثقافة الأردنية» العام المقبل.

يقول حسين محادين، رئيس الملتقى الثقافي في الكرك، إن للبلديات دوراً ثقافياً متدنياً في الأردن، «لا تعد الثقافة من أولويات البلديات مقابل الشؤون الخدمية، فالمخصصات الثقافية تذهب إلى أمور أخرى، ما يحرم الناس من الإفادة والتنويع في الخدمات التي يتلقونها، فالمكتبات في البلديات على ضعفها لا يتم الاعتناء بها، فمساحاتها ومحتوياتها من الكتب تعتبر هامشية، ودوامها كالدوام الرسمي، ينتهي في الثالثة عصراً !»

أما عن مشروع مدينة الثقافة الأردنية، فيقول محادين إنه مشروع ريادي، ويمثل محاولة لنقل وتوزيع المكتسبات الثقافية لتخفيف الضغط على العاصمة، وأن متابعة وزارة الثقافة لهذا الموضوع حريّة بالتقدير: «هذه الفكرة وممارساتها فتحت آفاقاً تشاركية، إذ إن لها أبعادا سياحية وتنموية، ومستقبل نجاح هذه المدن يعتمد على المشروعات الثقافية المستدامة.» ولكنه يستدرك قائلا إن هناك غيابا واضحا للقطاع الخاص في المحافظات، وهو يعتبر مخصصات دعم المشاريع الثقافية منخفضة جداً، وهذا يشمل دور النشر والمطابع التي لا تقدم دعما يذكر للمبدعين الشباب من المحافظات.