العدد 55 - كتاب | ||||||||||||||
يتذكر أبو عامر أن البلديات في الأربعينيات والخمسينيات كانت "مسؤولة" عن التعليم في المدارس. فهي كانت تملك من الصلاحيات ما يخولها "استجلاب" مدرس، وحتى دفع راتبه. كما كانت البلديات، وبموجب قانون البلديات للعام 1955، معنية بتزويد السكان بالمياه وتعيين مواصفات لوازمها كالعدادات والمواسير، وتنظيم توزيعها وتحديد أسعارها وبدل الاشتراك فيها. وكذلك الحال بالنسبة لتزويد السكان بالكهرباء أو الغاز وتعيين مواصفات محطات التوليد والتحويل وشبكة التوزيع وتحديد أسعار الاستهلاك وبدلات الاشتراك؛ حتى إنها كانت مسؤولة عن إنشاء الملاجئ واتخاذ إجراءات الدفاع المدني. ولكن، وتحديدا منذ النصف الأول من الثمانينيات، بدأت الحكومة "تسحب" مثل هذه المهام والصلاحيات الحيوية من البلديات. قانون البلديات الحالي يحدد مهام البلدية بـنحو 29 مهمة لا يتعلق أي منها بالقطاعات الحيوية مثل المياه، أو الكهرباء، أو الدفاع المدني. يقول نادر ظهيرات, وزير البلديات الأسبق، الذي عمل مطلع الثمانينيات رئيسا لبلدية الشونة الجنوبية، إن المملكة امتدت سكانيا بحيث لم تعد البلديات قادرة على أن تفي بهذه المتطلبات التي باتت تشكل "عبئا" على العمل البلدي. وهو يذكر أن سلطة المياه تولت مهام المياه في بلديته في العام 1982، بحيث "كانت السلطة قادرة على تقديم خدمات أفضل للمواطنين". لكن رئيس بلدية سابق يفضل عدم ذكر اسمه، يرى أن سحب هذه المهام على هذا النحو كان بمثابة "إلغاء أدوار"، وهو ما ساهم في تهميش العمل البلدي، فأصبحت البلدية لا تعني للمواطن أكثر من وسيلة للحصول على رخصة بناء. ويرى الرجل أنه بإعادة تلك المهام إلى البلديات فإنها تصبح أقرب إلى القاعدة الشعبية، وتصبح الرخصة أقل الخدمات التي يمكن أن تقدمها البلدية للمواطنين. فمتى أدرك المواطن أن البلدية ضالعة في قضايا مثل "صحة أبنائه وتعليمهم، فإنه سيحسب ألف حساب قبل أن يصوت لفلان أو فلان في الانتخابات البلدية"، وسيكون معياره مدى كفاءة المرشح لعضوية مجلس البلدية أو رئاسته. ويرى نبيل الكوفحي، الرئيس الأسبق لبلدية إربد الكبرى، أن البلدية باستعادتها تلك "الصلاحيات"، تمكن المواطن من أن يصبح أكثر ارتباطا بها وبقراراتها الإدارية؛ بل ويشارك في صنع تلك القرارات، فالدور التنموي للبلديات لا يتعلق بالخدمات وإنما باستراتيجية ورؤية اقتصادية واجتماعية للنهوض بالمجتمع المحلي. وهذا المجتمع المحلي هو الأقدر على تحديد احتياجاته واستغلال موارده المحلية في اتجاه سد تلك الحاجات، فما يصلح لبلدية قد لا يصلح لأخرى. لكن مرة أخرى، نجد أن تهميش دور البلديات من خلال "هيمنة" السلطة المركزية عليها، سيظل عائقا أمام وضوح تلك الرؤية التنموية. وحتى تنهض البلدية بمهامها التنموية لا بد من تعزيز صلاحياتها واستقلاليتها كمؤسسة حكم محلي. ومن الأمثلة الناجحة على الدور التنموي للبلدية، مشروع حمامات الشونة الشمالية المعدنية. يروي ظهيرات أنه عندما كان رئيسا لبلدية الشونة الشمالية تقدم المجلس بطلب من منظمة المدن العربية في الكويت للحصول على قرض بمقدار نصف مليون دينار لاستغلال نبع المياه المعدنية في المنطقة. والآن، صار المشروع يدر دخلا على المنطقة قدره بحوالي 2.5 مليون دينار. ويزيد ظهيرات أن المشروع ساهم في تشجيع الحركة السياحية هناك وتوفير فرص عمل، ليس فقط للعاملين المباشرين في المشروع وإنما لأكثر من 300 شخص يبيعون الخضار والفاكهة والحاجيات على طريق الشونة الشمالية. |
|
|||||||||||||