العدد 55 - اقليمي
 

معن البياري

أن تخرج الحفاوة السورية البالغة بالزعيم اللبناني المعارض النائب العماد ميشال عون الأسبوع الماضي، في أثناء زيارته دمشق (وبعض ريف دمشق)، عن طبيعة العلاقات بين الدول فذلك يتفق مع الحالة اللبنانية الاستثنائية التي لا تُشبه غيرها، ويندرج مع خضوع علاقات سورية بلبنان لحسابات وموازين مغايرة تماماً لأي معايير متوافق عليها في العلاقات بين الدول.

لا يعني التسليم بهذا الأمر، أو البديهية ربما، أن نواظم خاصّة ومسوغة عقلانياً ودستورياً تخصّ الحالة اللبنانية، بل ثمّة ما يمكن وصفه بالعجيب والغريب. من ذلك، أن الحكومة اللبنانية الحالية التي يفترض أن مكوناتها تنتسب إلى أكثرية وأقلية نيابيتين، يتم النظر إلى الطرفين فيها باعتبارهما موالاة ومعارضة. ناهيك عن أن الأخيرة تمتلك حق عدم تمرير أي قرار لا يروق لها، منذ حازت بموجب اتفاق الدوحة في أيار/مايو الماضي على ما تسميه «الثلث الضامن»، وهو في حقيقته الثلث المعطل، ولا ينص عليه الدستور اللبناني، ويخرق قاعدة أساسية في تأليف الحكومات في الدول التي تأخذ بالنظام الديمقراطي التعددي، وهي أن «الحكومة تُؤلف دستورياً لتحكم، لا لتقرر سلفاً كيف ستتعطل، ومن تعطى له حقوق تعطيلها»، على ما ذكّر به النائب والصحفي العتيق غسان تويني، الذي فاجأنا بالبديهية الغائبة في تركيبة السلطة القائمة في لبنان، وهي أن المعارضة لا تكون في الحكومة أصلاً. وربما بدا تويني محقّاً حين دعا الاثنين الماضي في «النهار» الحكومة الراهنة التي يرأسها فؤاد السنيورة، وتسمى «حكومة وحدة وطنية»، إلى الاستقالة، بالنظر إلى غياب الانسجام بين وزراء تكتلي «14 آذار» و«8 آذار».

وكان من عجائب الحكومة السبت الماضي، أن تشكيل لجنة للإشراف على الحملة الانتخابية لمجلس النواب المقبل، والمقرر بدء الاقتراع لمقاعده في نيسان/أبريل المقبل، شهد نقاشا لساعات بسبب استبدال اسم بآخر، وخلافاً بشأن احتساب سيدة عضو في اللجنة على الطائفة السنية أم الشيعية، بالنظر إلى أنها شيعية متزوجة من سني، فتقرر احتسابها على حصة السنة.

وفي الأثناء، لوحت (المعارضة؟) باستخدام «الثلث المعطل» إن لم يتم تعيين شخص تريده في اللجنة، وهو الثلث الذي أصاب غسان تويني ـ على الأغلب ـ عندما اعتبر تضمينه في مجلس الوزراء «خطيئة مميتة».

وانسحب وزير من جلسة الحكومة احتجاجاً على عدم تمثيل منطقته (طرابلس) في اللجنة، وتحفظ على قرار تشكيل اللجنة ثلاثة وزراء. وسبقت هذه الواقعة جلسات مجلس النواب لثلاثة أيام، مخصصة لمساءلة الحكومة ومحاسبتها، في مناقشة عامة توفر مناسبة للنواب لاستعراض أنفسهم مع اقتراب الحملة الانتخابية لمجلس النواب الذي صار يوصف في لبنان بأنه مصيري، وانتخابه بأنه سيكون تاريخياً، بالنظر إلى إعادة تشكيل خرائط التحالفات على غير ما كانت عليه في انتخابات 2005. وبالنظر إلى الاختبار الكبير فيه لمقدرة قوى «14 آذار» على الاحتفاظ بالأكثرية، بالتالي البقاء في السلطة وفي رئاسة الحكومة، ولمقدرة تكتل «8 آذار» المتشكل أساساً من حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر، وحلفائهم على انتزاع الأغلبية.

ومن عجائب ما جرى في الأيام الماضية أن ميشال عون، في محاضرة له في جامعة دمشق، أعلن عن أمله بوصول تياره (الوطني الحر) والتكتل الذي ينتسب إليه إلى الأكثرية في المجلس النيابي المقبل، ليستطيع تصحيح تحفظات لديه على اتفاق الطائف، التي قال عون إنها كثيرة، وأولها ـ بحسبه ـ عدم التوازن بين الرئاسات الثلاث. وهو يرى أن رئاسة الجمهورية (مسيحية) بلا صلاحيات فيما رئاسة الحكومة (سنيّة) تجمع بين يديها كل مؤسسات الدولة، بما فيها المعنية بالمراقبة. والمعلوم أن عون كان معارضاً بارزاً لاتفاق الطائف منذ توقيعه في 1989، وما زالت غير منسيّة المواجهة العسكرية التي خاضها من أجل ما سماه تحرير لبنان من سورية، وانتهت بتوافق دولي على نفيه إلى فرنسا، حيث أقام هناك نحو 15 عاماً، عمل في أثنائها على تحريض الولايات المتحدة على الحكم في دمشق، وقام باتصالات مع الكونغرس من أجل صدور «قانون تحرير سورية».

وواظب أنصار له في تلك الأثناء على إشاعة خطاب اتصف بالعنصرية تجاه المواطنين السوريين، خصوصاً العمال منهم في الأراضي اللبنانية. وهو إذ يقول إن ما سماها «الخصومة الشريفة» التي كان عليها مع دمشق انتهت بانسحاب الجيش السوري من لبنان في 2005، فذلك لا يعني أبداً التسليم بصحة ما يستخدم من حيل لغوية وتعبيرية لـ«طي صفحة الماضي»، فينفي صفة العداء عما كان من حروب ومواجهات عسكرية.

يُؤتي على ما سبق، وفي البال أنه يبقى مشروعا وغير مستهجن في حالات كثيرة، في الممارسة السياسية، أن تقوم تحالفات وتفاهمات بين من كانوا أعداء في الأمس وأصبحوا شغوفين ببعضهم، وكأن سحراً حلّ بينهم على وصف حازم صاغية في «الحياة» الحالة الراهنة بين دمشق والجنرال عون.

والأخير ليس وحده من السياسيين اللبنانيين يبرع في تسويغ تنقلاته واصطفافاته السياسية، أو الوطنية على ما يقول، غير أنه يكاد ينفرد بينهم بالدعوة الصريحة إلى تعديلات على اتفاق الطائف الذي أنهى الحروب الأهلية في لبنان. وهو يجاهر بذلك بكيفية مخالفته لكل التوافقات المعلومة، فاتفاق الطائف، وإن كان ليس كتاباً مقدساً، على ما صار سياسيون هناك يرددون، لا تقوم بتعديله أكثرية في البرلمان، لأن أكثرية في البرلمان ليست من صاغته، فهو نتاج شبه إجماع لبناني شامل، والتقاء إرادات إقليمية ودولية.

والمفارقة الأخرى في أمر عون أنه فيما يطرح نفسه زعيماً وطنياً لبنانياً مسيحياً، فإنه في تركيزه على تصحيح صلاحيات رئاسة الجمهورية يبدو زعيماً مسيحياً فقط، كما أنه يخطئ في قوله إن رئاسة الحكومة ذات صلاحيات واسعة، فالصحيح أن الصلاحيات هي لمجلس الوزراء مجتمعاً، وليس لرئيسه. وكان لافتاً أن حليف التيار الوطني الحر في المعارضة رئيس حركة أمل نبيه بري، سارع إلى توضيح وجوب التوافق العام بشأن تعديل اتفاق الطائف. وآثر حزب الله حليف عون في وثيقة التفاهم الشهيرة بينهما عدم التعقيب على ما أطلقه عون، وآثر التنويه بـ«شجاعة» الرجل في دمشق.

وكان عون وحده بين القيادات المسيحية اللبنانية يتخذ هذا الموقف، وبالكيفية التي بدرت منه، وعبر عن رفضهما سمير جعجع رئيس «القوات اللبنانية» وحليفه السابق الوزير السابق ميشال المر، الذي سأل عما إذا كان يجب تخريب لبنان لتعديل الاتفاق العتيد.

واعتبر النائب والسياسي البارز في «14 آذار» بطرس حرب كلام عون « تفجيرياً»، وقال النائب من «القوات اللبنانية» أنطوان زهرا أنه لا يمكن العبث بـ«الطائف» قبل استقرار المؤسسات الدستورية في لبنان. وكان جوهرياً قول رئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص أنه «لو تم إنجاز تنفيذ اتفاق الطائف كاملاً لما كانت هناك مطالبة بتعديله، من حيث البنود الجوهرية فيه التي لم تنفذ كاعتماد المحافظة دائرة انتخابية، وإنشاء هيئة وطنية عليا لإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس النواب خارج القيد الطائفي، وفي الوقت نفسه إنشاء مجلس شيوخ ذي صلاحيات محددة يراعي التوزيع الطائفي وتحقيق الإنماء المتوازن، وتوحيد كتاب التاريخ».

ويتابع الحص موضحاً: «لو نفذ اتفاق الطائف كاملاً لقطعنا شوطاً على طريق تجاوز الحالة الطائفية المقيتة، ولكان للبنان مجلس نواب يجسد الرأي العام حق التجسيد، فيكون هذا المجلس هو الذي ينظر في أي تعديل للدستور والنظام، في إطار ديمقراطي حقيقي، وأي تعديل عند ذاك يكون مشروعاً».

ويعلن رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي أيضاً أن في اتفاق الطائف ثغرات كبيرة، غير أنه يجب عدم تعديله من أجل انتزاع صلاحيات رئيس مجلس الحكومة وإعطائها إلى رئيس الجمهورية، بل من أجل التخلص من «الطائفية البغيضة المتطرفة والمتزمتة» التي هي العقبة الكأداء في وجه أي تقدم في لبنان، على ما يقول كرامي،

ويقول آخرون، لا يبدو أن من بينهم ميشال عون، زار دمشق واحتفت به، أم حاربها وحاربته، في عداء معلن أو «خصومة شريفة».

عون يثير في دمشق زوبعة تعديل اتفاق الطائف
 
14-Dec-2008
 
العدد 55